الفارق بين رد الفعل الرسمي ورد الفعل الشعبي مثل الفارق بين الكتابة على الفيس بوك والكتابة للأهرام .. بين تناول العشاء في حفل دبلوماسي تحكمه قوانين الشوكة والسكينة وخنقة الملابس الرسمية ، وتناول ساندوتشات الفول على رصيف الجحش في السيدة زينب أو طواجن البرنس في إمبابة .. قد يكون الشارع أكثر حميمية وصدقا وإنفعالا وأطعم مذاقا ولكنه لا يصلح لإقامة مأدبة عشاء دبلوماسي.
أقول هذا بمناسبة المظاهرات والإعتصام الجماهيري أمام السفارة الإسرائيلية .. الإعتصام والإحتجاج حق مشروع ورسالة قوية ومحترمة من جانب الشعب الذي عانى كثيرا من غطرسة إسرائيل وإعتدائها على حدوده وجنوده .. الإعتصام والتظاهر حق مشروع ليس فيه عيب ولكن يحتاج الشارع أن يكون منضبطا وواعيا فيما يتعلق بالإعتداء على السفارة أو البعثة الدبلوماسية بأي شكل من الأشكال .. فأي بعثة دبلوماسية موجودة في مصر لها على الشعب المصري حق الأمان .. ورغم أن المنطق الشعبي معه ألف حق في الإحتفاء بأحمد الشحات وبطولته الخاصة في تسلق مبنى السفارة لإسقاط العلم الإسرائيلي .. إلا أن المنطق الرسمي كان يجب أن يحتفظ بمسافة من التحفظ ضد هذا العمل (البطولي) .. هذه هي لعبة السياسة وهذه هي لعبة الدبلوماسية .. فالإحتفاء بهذا العمل في قنوات إعلامية رسمية وحكومية أمر خاطئ .. وإحتفاء بعض المسؤولين الحكوميين وعلى رأسهم رئيس الوزراء شخصيا بهذا العمل بشكل معلن أمر في منتهى الخطورة .. فمن الناحية القانونية والرسمية يبقى هذا العمل (البطولي) غير جائز .. ومحاولات المسؤولين الحكوميين الإحتفاء بهذا العمل هو مجرد "تماحيك" فارغة وساذجة لتعويض رد الفعل الرسمي الهزيل الذي ضاعت ملامحه بين المسودة والقرار ..
الرأي العام حر .. يرفع سقف المطالب .. يتظاهر ويعتصم .. يضغط ويسب ويشتم .. ولكن المسؤول الحكومي مقيد ببروتوكول وقواعد وقوانين قد تجعله مجبرا على أن يغلف المطالب الشعبية بورق سوليفان .. لا تعارض بين الموقفين .. ولكن المهم أن يتحلى الطرفان الرسمي والشعبي بالوعي والذكاء ليصبحا مكملين لبعضهما البعض .. فيستطيع الموقف الشعبي أن يصعد في الإحتجاج والتظاهر كما يريد دون أن يحرج الموقف الرسمي بالإعتداء على بعثة دبلوماسية عاملة على أرض الوطن .. ويستطيع الموقف الرسمي أن يستثمر هذا الموقف الشعبي لتحقيق الضغط السياسي ورفع سقف المطالب.
ساحة النقاش