الدعاء
هو نداء من الأدنى إلى الأعلى .. و لا يتوجه بالدعاء إلا لمن قدرته فوق قدرات الداعى . و بالنسبة لله عز و جل ، فإننا نتوجه بالدعاء لأنه سبحانه و تعالى لا يستعصى عليه أمر فى هذا الكون .. فإنك إن أردت شيئا و عجزت أسبابك عن تحقيقه ، فإنك تستغيث بالأعلى فى هذا الكون الذى لا تحكمه الأسباب ، فتقول يارب : متوجها إلى تلك القوة و القدرة التى أوجدت هذا الكون و خلقت أسبابه .. عله سبحانه و تعالى يحقق لك ما عجزت أسبابك عن تحقيقه .
و الدعاء - دائما - هو ما تعتقد أنه خير لك .. و كل إنسان منا يريد الخير ، و لكنه يحدده من وجهة نظره ، و على قدر علمه ، و هو يرى فى المال خيرا فيطلبه ، و يرى فى النفوذ خيرا فيسأل الله أن يعطيه .. حتى عندما تدعو على غيرك بشر .. فإنك تريد أن تشفى غليلك و تذهب غيظ صدرك ممن تعتقد أنه قد ظلمك ، أو أخذ منك شيئا بغير حق .
إن الدعاء إعتراف من الإنسان بضعفه و عجزه ، و لذلك نجد أن الإنسان صاحب النفوذ - الذى يستطيع أن ينفذ ما يريد بسلطانه هو و قوته أو بماله - لا يدعو ، و لماذا يدعو و هو قادر على أن يحقق لنفسه نا يريد .. و هذه الصورة يصورها لنا القرآن الكريم فى قوله تعالى : { كلا إن الإنسان ليطغى ، أن رءاه استغنى } سورة العلق .
و المعنى هو أنك - أيها الإنسان - متى أصبحت قادرا بأسبابك على أن تحقق ما تريد ، فإنك تنسى - لغفلتك - الله سبحانه و تعالى و قدرته .. و كما هو مشاهد الآن : أنه كلما تقدمت البشرية فى الحضارة .. أحست بالإستغناء و شعرت بالزهو و أصابها الغرور باستشعار القوة ، فلا تذكر الله إلا قليلا .
فالإنسان فى الماضى كان يعتمد على الينابيع و الآبار فى حاجته للماء ، فإذا لم يجد الماء ، رفع يديه بالدعاء إلى السماء و قال : يارب .. ثم تقدمت الحضارة ، و أمكن استخدام الخزانات لإيصال الماء إلى المنازل ، فإذا لم تجد الماء ، ماذا سيحدث ؟ أستقول يارب ! .. لا .. و لكنك ستقول : اتصلوا بشركة المياه .. و هكذا فى كل احتياجات الإنسان ، لقد حلت له الحضارة كل إحتياجاته و مشاكله ، و لكنه بدلا من أن يشكر الله سبحانه الذى يسر له العلم و كفاه مؤنة البحث عن الماء - لغفلته - يرى النعم من حوله و لا يرى المنعم ، فلم يعد فى ذهنه أن الذى خلق الماء و أوجده و أنزله من السماء هو الله سبحانه ، و لكننا نسينا المسبب للنعم و هو الله ، و أخذنا بالأسباب ، و كذلك فى كل شئ نفعله .
و لذا ، فإن ذكر الله واجب عند كل نعمة .. و شكره واجب عند الإنتفاع بها ، و الله سبحانه و تعالى يحب سماع أصوات عباده المؤمنين و هم يطلبون منه .. إنه يحب أن يسمع كلمة " يارب " من أفواههم و هم يدعونه .. و لكنه سبحانه جل جلاله يكره أصوات الكافرين و لذلك ربما أجابهم لمطالبهم الدنيوية - بدون تأخير - حتى لا يسمع أصواتهم و هى تدعوه ، و عطاء الدنيا عند الله سبحانه لا يساوى شيئا ، فرسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : { لو أن الدنيا تساوى عند الله جناح بعوضة ، ما سقى الكافر منها جرعة ماء } صدق رسول الله .
و الله تبارك و تعالى نثر أسبابه فى كونه ليأخذ منها المؤمن و الكافر ، لذلك يجب ألا نتوجه بالدعاء للأخذ بالأسباب و لكن يتوجه به للمسبب و هو الله عز و جل ، فقد يرى الإنسان فى طلبات دعائه خيرا له على حسب علمه المحدود و قدراته الناقصة ، و لكن الله سبحانه - الذى له القدرة و العلم وحده - قد يرى فيما يطلبه العبد شرا له دون أن يعرف ، فتكون رحمة الله به ألا يجيبه إلى دعائه .. فيصبح عدم الإجابة هو الخير و هو الإجابة النافعة للعبد ، و يعلمنا الحق سبحانه و تعالى كيف أن مقاييس الخير الصحيحة ليست فى أيدينا .. فيقول جل جلاله : { فعسى أن تكرهوا شيئا و يجعل الله فيه خيرا كثيرا } صدق الله العظيم .
نسأل الله تعالى أن نكون من مستجابى الدعاء ، و ممن من الله عليهم بشفاعة رسوله صلى الله عليه و سلم ، و أخر دعواهم .. أن الحمد لله رب العالمين .
ساحة النقاش