المساجد هى مصانع الرجال ، و هى التى يتم من خلالها صقل النفوس و تزكية الأرواح ، و هى الملاذ الوحيد من كل المفسدات و الملهيات التى ابتليت بها مجتماعاتنا فى العصر الحديث .

و أطفالنا هم زينة الحياة الدنيا ، و مع هذه النعمة التى أنعم الله بها على كثير من الناس ، و التى لا يستطيعون لها حمدا أو شكرا ، إلا إنه ليس كل الذرية خير و نعمه ، بل منهم من هو نقمة و فتنة ، و ذلك إذا أساء الأبوين تربية أولادهما ، و لا يخالجنى أى شك فى أن كل الآباء و الأمهات يتمنون أن يكون ابناؤهم و بناتهم من حفظة القرآن و أن يكون الأبناء فى المستقبل من الدعاة و الخطباء و العلماء و الأئمة ،

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَن سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " [ رواه أبو داود وغيره ] .

فلا بد لنا من ربط أطفالنا بالمساجد منذ الصغر حتى ننمى لديهم حب هذه الأماكن الطاهرة و التعلق بها .

لم يأت فى الشريعة الإسلامية ما يدل على تجنيب الأطفال المساجد ، فقد كان أطفال المسلمين يدخلون مسجد الرسول - صلى الله عليه و سلم - و منهم الحسن و الحسين ، فعن ابن بريدة عن أبيه قال : بينما رسول الله على المنبر يخطب ، إذ أقبل الحسن و الحسين عليهما السلام ، عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران ، فنزل الرسول من على المنبر و حملهما ، و قال : " صدق الله تعالى : إنما أموالكم و أولادكم فتنة فلقد رأيت هذان يمشيان و يعثران فى قميصهما فلم أصبر حتى نزلت فحملتهما " .

لكن يمنع الطفل الذى يعبث بالمسجد و يؤذى المصلين و يشوش عليهم فى صلاتهم .

وذلك أن من طبيعة الأطفال كثرة اللعب والحركة، والتقلب والاضطراب، مما يشوش على المصلّين والقراء ، وأهل الذكر والعلم ، ولا يستطع وليه التحكم في تسكينه غالبًا ، فهو في الصلاة يكثر الالتفات والتقدم والتأخر ، ومد اليدين ، وحركة القدمين ، وذلك مما يشغل من يصلي إلى جانبه ، ويلهيه عن الإقبال على صلاته ، مما يذهب الخشوع ، وينقص الأجر ، ثم إن الأطفال الذين دون سن التمييز لا يؤمن تلويثهم للمسجد ، فقد يحصل منهم التبول ونحوه ، والروائح المستكرهة ، واللعاب والبصاق ونحو ذلك ، لعدم فهمهم بحرمة المكان ، وصعوبة تأديبهم ، والتحكم فيهم ، فلذلك يتأكد على أوليائهم منعهم من دخول المساجد إلا بعد التأكد من فهمهم ، وتعلمهم احترام المسجد ، وتربيتهم على النظافة والأدب ، وحفظهم عن كثرة الحركة ، وما يسبب ضررًا أو تشويشًا للمنظر الظاهر في بيوت الله التي أذن أن ترفع و يذكر فيها اسمه .

ومن عظيم النتاج الحسن ، والثمر اليانع للتربية الحسنة والسليمة للأطفال ما ورد في الحديث الشريف ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ : أَنَّى هَذَا ؟ فَيُقَالُ : بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ " [ رواه ابن ماجة وغيره ] .

ومن هنا يجب أن تكون تربية الأبناء والبنات تربية إسلامية وفق كتاب الله تعالى ، ووفق منهج رسوله صلى الله عليه وسلم ، بهذا نبني جميعاً لبنة صالحة ، ونسقيها بماء الكتاب والسنة حتى تنمو وتكبر وتترعرع ، ونجني ثمارها أبناءً بررة صالحين ، ومن أهم ما يُهتم به في سبيل التربية الصالحة تربية الأطفال منذ نعومة أظفارهم على حب المساجد ، وتعويدهم على الحضور إليها لتتعلق قلوبهم بها ، ونشجعهم على ذلك بكل وسائل التشجيع والتعزيز .

وهناك من الآباء من أدرك أهمية المسجد في حياة الناشئة ، فتراه يغرس في نفوس أبنائه حب بيوت الله تعالى ، ويحثهم على العناية بها ونظافتها واحترامها ويحذرهم من اللعب والعبث بها أو بمقدراتها ، لأنها بيوت الله ، ونحن ضيوف على ربنا في بيوته ، فإذا كنا نعتني بنظافة بيوتنا ، فبيوت الله أحق أن يُعتنى بها ، ولقد علم أولئك الآباء الأهمية العظمى لبيوت الله ، وأنه لا يجوز اللعب فيها ، ولا يجوز العبث بأثاثها ، ولا يجوز رفع الصوت فيها ، ولا التشويش ، لأن ذلك يُذهب الخشوع والطمأنينة من قلوب المصلين ، فلم تُبن المساجد إلا لإقامة شعائر الله فيها من صلاة وذكر ودعاء وغير ذلك من الشعائر الدينية ، قال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } [ النور36-37 ] .

وعلى النقيض من أولئك الآباء الفضلاء الأكفاء ، يوجد ثلة قلية من آباءٍ ظلمة قتلة ، لم يعرفوا للمساجد حقوقها ، ولم يهتموا بها الاهتمام الواجب ، فلم يرعوها حق رعايتها ، لم يهتموا بالتربية الصحيحة بالأبناء ، فلا يأمرون بمعروف ، ولا ينهون عن منكر ، لا يهمهم أصلى أبناؤهم أم لم يصلوا ، أدخلوا المساجد أم لم يدخلوها ، وإذا دخلوا المساجد ألعبوا أم عبثوا بها ، ألزموا الهدوء أم لا ، وهذا مثال سيئ لآباء لم يراعوا الله في أولادهم ، ولم يراعوه في أماناتهم ، بل وقعوا في خيانة الأمانة ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الأنفال27 ] .

المؤمن مكلف بهداية أهله وإصلاح بيته كما هو مكلف بهداية نفسه وإصلاح قلبه فأول واجبات الرجل المسلم أن يوجه أهله إلى أداء الفرائض التي تصلهم بالله ، وما أروع الحياة في ظلال بيت أهله كلهم يتجهون إلى الله ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم6 ] .

في هذه الآية يأمر الله عز وجل عباده المؤمنين بأن يوأدوا واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير ليقوا أنفسهم وأهليهم النار .

قال علي رضي الله عنه في معنى هذه الآية : " علموهم وأدبوهم " .

وقال الحسن البصري رحمه الله : " مروهم بطاعة الله ، وعلموهم الخير " .

وقال الشافعي : " على الآباء والأمهات أن يؤدبوا أولادهم ، ويعلمونهم الطهارة والصلاة ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا " .

هذه نصيحة أنصح فيها إخواني المصلين أن يعاملوا الأطفال برفق ولين ، وإذا رأوا صبياً أخطأ فلا ينكر عليه بشدة ، لأن من الصفات المطلوبة في إنكار المنكر :

1- العلم .

2- الحلم .

والنصيحة مبذولة لإخواني أئمة المساجد ، أن يشجعوا الأطفال على الحضور إلى المساجد ، ولو استخدموا وسائل التشجيع المختلفة والهدايا للأطفال الذين لا يصدر منهم أذىً أو تشويش داخل المسجد .

وأن يشغلوهم بحفظ كتاب الله تعالى ، وتعلم مبادئ الدين من خلال الدروس العلمية . والحذر الحذر من أن يصدوا الأطفال عن المساجد ، فإن الطفل إن أبعد عن المسجد تلقفته وسائل الإعلام بسمومها وهمومها وأشغلته بملهياتها ومغرياتها ، حتى تهوي به في مكان سحيق .

وشتان بين صبي نشأ في المسجد ويفتتح يومه بتلاوة القرآن والصلاة ، وبين صبي ينشأ خارج المسجد يستقبل يومه ويودعه بسماع الموسيقى ومشاهدة الفضائيات .

منظر أعجبني :

بما أن إدخال الأطفال غير المميزين إلى المساجد يسبب إزعاجاً للمصلين والتالين والراكعين الساجدين يُعد خطأً ، فقد وجد من الآباء والأمهات من يُقدر ذلك الأمر ، فإذا جاء إلى الجوامع الكبيرة التي تفتح أبوابها للنساء في مصلاهن الخاص بهن على مدار الساعة ، لتؤدي الصلاة جماعة مع المسلمين والمسلمات ، هناك من يقدر للصلاة قدرها ، ويعرف للمساجد حرمتها ، فقد رأيت أماً وابنها أثناء أداء الناس للصلاة وهما في السيارة ، وبعد الصلاة رأيت الأب مع الطفل ، والأم ذهبت لتؤدي فرضها ، فأكبرت ذلك التصرف الجيد لهما ، فياليت أن الناس تقتدي بمثل تصرفهما الصحيح .

لأن هناك الكثير من الأسر التي تذهب للتسوق أو التنزه أو غير ذلك ثم تمر على بعض الجوامع فينزل جميع أفراد الأسرة من كبيرهم إلى صغيرهم ، ومنهم من لم يبلغ السادسة بعد ، ومع ذلك ودون أدنى مراعاة لحرمة المساجد ينزلون جميعاً فيزعجون الناس في المساجد بأصوات أبنائهم وبناتهم الصغار ، بلا أدب ولا حياء ، فهذا منظر يُؤسف له ، فلابد من تقوى الملك العلام سبحانه وتعالى ، والخشية منه عز وجل ، فقد وجد من الناس من يمتنع من الحضور لبعض المساجد التي فيها مثل هذا الإزعاج ، وقد قال الله تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ البقرة114 ] .

لماذا نصطحب أطفالنا إلى المساجد؟

هناك أدلة تتبادر إلى عقولنا مؤيدة تلك الأدلة النقلية ، والتي تزيد من اقتناعنا بهذه القضية ، فدخول أطفالنا المساجد يترتب عليه تحقيق الكثير من الأهداف الدينية والروحية والتربوية والاجتماعية إلى غير ذلك ، فاهتمامنا باصطحاب الأطفال إلى المساجد ينمي لديهم شعيرة دينية هي الحرص على أداء الصلاة في جماعة ، كما أنها تغرس فيهم حب بيوت الله ، وإعمارها بالذكر والصلاة ؛ وهذا هدف روحي في غاية الأهمية لكل شخص مسلم .

كما أن المساجد هي ملتقى اجتماعي يقصده كل مسلم على اختلاف جنسه وفكره ومستواه الاجتماعي والمادي ، فالجدير بنا أن نضع أطفالنا وسط هذا العالم المنفتح ليستمدوا منه خبراتهم وتجاربهم التي تشكل شخصياتهم وتنميها ، وهذا هدف اجتماعي تربوي هام ، كما أن الملاحظة هي خير وسيلة للتعليم وهي نقطة البداية التي يتبعها التجريب ، ومن هنا فملاحظة الطفل للكبار عند أداء صلاتهم يكون سببًا في سرعة تعلمه لكيفية أداء الصلاة مستوفية أركانها وهيئتها ، ولو حاولنا حصر الأهداف المترتبة على مشاركة الأطفال للكبار في دخول المساجد لطال بنا المقام ولما تمكنا من الإلمام بها .

دعوا أطفالكم ..يدخلون المساجد..ويحبونها ، فسوف يكون منهم عددا ليس بالقليل ممن يحملون لواء دينهم على الحق و إتباع سنة رسوله و إعلاء راية الإسلام فى كل مكان من الدنيا ، و بذلك تفلح الأمة و تنهض من عثرتها ، و لا يكون هناك متهاون فى حق دينه و بلده ، فسوف يعلم الجميع ما لهم و ما عليهم تجاه هذا الوطن ، و تجاه أمته الإسلامية .

وأكتفي بما ذكرت أعلاه ، والله ولي التوفيق ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

Ramzy-online

محمد رمزى

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 672 مشاهدة
نشرت فى 17 أغسطس 2010 بواسطة Ramzy-online

ساحة النقاش

محمد رمزى

Ramzy-online
مصرى يملك وطنى فؤادى و أكاد أملكه »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

217,214

مصر



يا حبنا الكبير