شعبة البحوث الفيزيقية، المركز القومي للبحوث، مصر


 

البحث توصل من خلاله الشاب هيثم شعبان ابن محافظة بني سويف في صعيد مصر إلى تطوير ميكروسكوب فائق الدقة يكشف عن التركيب الجيني في الخلايا الحية لأول مرة في العالم، مما يمثل طفرة كبيرة في الكشف عن الأمراض الوراثية مبكرة وكذلك تطوير التركيبات الدوائية بشكل كبير.

"مجلة الشباب" التقت هيثم شعبان ليشرح المزيد عن هذا الإنجاز.

· ببساطة ماذا سيستفيد الرجل العادي أو المريض البسيط من اكتشافك الجديد؟

- أكيد سيستفيد منها حينما تتحول هذه التكنولوجيا إلى أداة حقيقية تقوم بالتشخيص المبكر الدقيق بشكل أفضل من الأدوات الموجودة حاليا، ولكن هذا سيستغرق بعض الوقت، والمسألة ستعتمد على نموذج رياضي سهل، نحتاج فقط لجهاز كمبيوتر عليه البرنامج وميكروسكوب بسيط يستطيع أخذ تصوير للخلايا، وسنتمكن من عمل كل ذلك بشكل أسرع وأرخص وأكفأ، ولكن لن يتم ذلك إلا بعد وضع تصميم نهائي للاكتشاف ووضع قاعدة بيانات، وقتها ستتم اختبارات الخلايا في أقل من ساعة بدلا من أسابيع، ويمكن بالجهاز البسيط هذا الانتقال للقرى والريف وعمل تحاليل واختبارات فورية للناس هناك بتكلفة رخيصة جدا.

· هل يمكن أن تقود طريقتك التي توصلت إليها للكشف عن احتمالية إصابة الإنسان السليم بالمرض من عدمه؟

- المحصلة النهائية قد تكون هذا وهناك زملاء آخرون يعملون على هذه الجزئية بالفعل، ولكن أنا كعالم لازال أمامي العديد من الاختبارات والمراحل التي سأكملها وتكوين قاعدة بيانات شاملة لتأكيد نتيجة واضحة تجيب عن هذا السؤال.

· لماذا تهتم مراكز الأبحاث العالمية كالجهة التي مولت بحثك بالكشف عن التغيرات والتركيبات الوراثية في جسم الإنسان؟

- الهدف هو جعل الإنسان سعيدا لأن هذا الأمر يسهم بالدرجة الأولى في صحة الإنسان، فتهتم هذه المراكز بالبحث عن برامج للكشف عن الأمراض التي تهدد الإنسان ومواجهة تلك الأمراض، وهذه هي أولوية الأبحاث العلمية أن تجعل الإنسان يعيش حياة صحية وسعيدة، وهذا استثمار على المدى البعيد لمواجهة أي أزمة، ففي أزمة كورونا بدأ العالم كله يضخ أموالا على البحث العلمي لمواجهة الفيروس، وإذا لم يكن الأساس العلمي والبحثي موجودا لم يكن ليتم إنتاج اللقاح في سنة واحدة.

· متى يصبح بحثك قابلا للتطبيق على أرض الواقع ويجري تعميمه على مستوى العالم؟

- بمثل هذه الأبحاث نضع الأساس، أما التطبيق سيأخذ بعض الوقت، وهو وقت ليس قليلا، لأنني الآن وضعت فكرة جديدة أحتاج البناء عليها لسنوات وأحتاج مساعدة ناس من طب ومن صيدلة وتخصصات عديدة، فأنا وضعت التكنولوجيا الجديدة وجربتها على خلايا سرطانية وأثبتت نجاحها، ونبدأ بعد ذلك في تطبيقاتها، وتشمل التطبيقات وضع قاعدة بيانات شاملة عن شكل الجينوم واختلافاته في الخلايا، وفي نفس الوقت نعمل على تطوير التكنولوجيا نفسها حسب ما نكتشفه من بيانات جديدة، لأن هذه التكنولوجيا تميز بين الخلية والأخرى ووفقا لما نكتشفه نتدارك العيوب فيها، وبعد ذلك يقوم الصيادلة بتطوير الأدوية وفقا لما نكتشفه من أمراض مبكرة في الخلايا.

· من تواصل معك من مصر أو من الجهات العالمية بعد الإعلان عن ما أنجزته؟

- تواصلت معي من مصر أكاديمية البحث العلمي، ويجري النقاش حاليا حول كيفية الاستفادة من خبرتي في مجال الأبحاث والمشروعات القومية للدولة في مجال الاكتشاف، أما بالنسبة للجهات العالمية فحينما يحدث اكتشاف علمي له صدى فالمهتمين فقط هم من يتواصلون مع صاحب البحث، فأنا تواصل معي أساتذة وعلماء كثر لبحث كيفية التعاون والاستفادة من التكنولوجيا الخاصة بي في أبحاثهم، منهم مثلا أستاذة في إحدى جامعات باريس تعمل على تطوير علاج للسرطان تواصلت معي لبحث كيفية الاستفادة من طريقتي في الكشف عن الخلايا التي تفحصها وبحث تأثير المرض على الخلايا الحية قبل وبعد، وأيضا أستاذ آخر في النمسا يعمل على تطوير علاج للألزهايمر تواصل معي وطلب نفس الشيء، وهناك أساتذة من سويسرا وأمريكا ودول أخرى كل واحد منهم يعمل على مرض معين والتكنولوجيا الخاصة بي هي جديدة بالنسبة لهم وتوضح شكل الجينوم في الخلية الحية غير المصابة بالمرض وهذا مهم لتطوير الأدوية، وهذا ما يسمى قاعدة بيانات نجمعها عن كل الأمراض وبالتالي نكشفها مبكرا، فالعلم حلقات متواصلة من كل الباحثين كل في تخصصه، وهذا البحث ممول من الاتحاد الأوروبي في الأساس ويحصل على نتائجه ويبحث مدى تعميمها وتطويرها مستقبلا.

· كيف كانت دراستك في مصر وكيف وصلت للأماكن التي عملت بها بالخارج؟


- درست في كلية العلوم جامعة الأزهر، تخصص فيزياء حيوية بقسم الفيزياء، وحصلت على البكالوريوس والماجستير من نفس الجامعة، وتم تعييني بالمركز القومي للبحوث، ولكن من وقت دراستي وكان هدفي أن أسافر لأتعلم شيئا جديدا في الخارج، وفي عام 2004 بعد التخرج كان هناك علم جديد بدأ الحديث عنه وهو علم الجزيء الواحد، وكيف نصل للجزيء الواحد في الأنسجة الحية والكائنات الحية أو في أي مادة بصفة عامة، وهذا هو ما جذب اهتمامي، ولكن هذا التخصص لم يكن موجودا في مصر ولا نعلم عنه شيئا وهو تخصص مهم جدا وحصل أحد العلماء على جائزة نوبل فيه عام 2014، المهم أنني بدأت مراسلة الجامعات في الخارج أنني مهتم بدارسة هذا التخصص وعمل دكتوراه فيه، وراسلت ناس كثيرة، وهناك من كان يرد بنصيحة وهناك من لم يكن يرد، حتى نصحني أحد المتخصصين بأنه من الصعب أن أحضر الدكتوراه في هذا التخصص لأنني ليس لدي الأساس عنه ولابد أن أدرس، فبدأت حضور مدارس صيفية في بلجيكا وفهمت التخصص جيدا وتعرفت على المختصين فيه، ثم بدأت التقديم على منح دراسية بالخارج، وواصلت التقديم لمدة عامين حتى جاءتني فرصة لمنحة دكتوراه تناسبني، ولذلك أنصح المهتمين بهذا الأمر بالصبر والدأب، فإذا تأخرت المنحة سنة أو سنتين لا تيأس، فالمسألة تحتاج إيمانا وابتكارا، فأنا واصلت التقديم حتى حصلت على أكثر من منحة، الأولى كانت في جامعة إيميري بالولايات المتحدة، وخلال توجدي هناك حصلت على منحة من الاتحاد الأوروبي أن أحصل على الدكتوراه في تخصص الضوئيات والبصريات على الجزيء الواحد، فتركت الدراسة بأمريكا وذهبت لأوروبا وحصلت على دكتوراه مزدوجة في الفيزياء من فرنسا وإيطاليا عن الجزيء الواحد وطورت ميكروسكوبين قائقيّ الدقة، وخلال دراستي حصل أساتذتي في التخصص على جائزة نوبل عام 2014 بينما أنا حصلت على الدكتوراه بإشرافهما عام 2015، ثم بعد ذلك شعرت أن التخصص الواحد لا يبني قيمة كبيرة للباحث، فقررت التنقل بين التخصصات ونصحني أستاذي بأن أدرس في علم الجينات لأن العلماء في هذا التخصص يحتاجون أدوات فيزيائية متطورة كالتي أعمل عليها، وبالفعل ذهبت للمعهد الوطني الفرنسي لدراسة علم الجينات وكانت أول سنة صعبة ولكن بعدما تأقلمت وفهمت الأمر، عملت على تطوير الميكروسكوب لتلبية طموحات علماء الجينات وهذا أحدث صدى كبيرا لديهم، ثم قدمت على منحة في جامعة أوكسفورد في بريطانيا حيث كانوا يحتاجون باحثا أو أستاذا زائرا، وقلت لهم إنني أريد تطوير التقنية الخاصة بي للكشف عن السرطان في مرحلة مبكرة، فتعاونت مع أحد أساتذة الكيمياء الحيوية هناك، ودمجت أشياء من عندي بأشياء من عنده وقدمنا بحثا مهما في هذا المجال تم نشره منذ عدة شهور في مجلة ساينس أدفانسس، ثم انتقلت لجامعة هارفارد في أمريكا وهي أهم جامعة عالمية، وعملت على تطوير الميكروسكوب فائق الدقة للكشف عن التغيرات في الخلايا الحية وهذا كان تطور مهم جدا، لأن من حصلوا على جائزة نوبل عام 2014 كان عن هذا الميكروسكوب لأنه كان يكشف عن تكوينات الخلايا الميتة وليست الحية، فما فعلته سيحدث نقلة كبيرة جدا وبعد الإعلان عنه واعتماده جاءت لي مباركات من علماء ومختصين في كل أنحاء العالم، ثم بعد ذلك قدمت على تمويل من الاتحاد الأوروبي لتمويل أبحاثي، وكانت المنافسة شرسة جدا لكنهم اختاروني، فانتقلت إلى المعهد الفيدرالي السويسري بلوزان لأنه معهد لديه معامل متخصصة في الخلايا الجزعية وأنا أرغب في الكشف عن الجزيء الواحد داخل الخلايا الجزعية.

· ماذا تقول للباحثين في مجالك أو مجالات أخرى في مصر؟

- أقول للباحثين وخصوصا الأصغر مني، "صدق نفسك" لأنه حينما تؤمن بنفسك وتصدق أن لديك شيء ما ستنجح، ولا تجعل الصعوبات تعوقك، لأنه لا نجاح بدون صعوبات، وعادة الناس ترى النجاح ولا ترى الصعوبات، فلابد أن تتحلى بالصبر لأنه مهم جدا في مجالنا البحثي، الأمر الثاني أنه لابد أن تؤمن أن لديك إنجاز أنت الوحيد الذي تستطيع أن تقدمه للعالم، لأن من اخترع أي اختراع هو شخص مثلك ولكنه كان لديه هدف وطموح وركز على هدفه، وليس شرطا أن تكون ذكيا أو عبقريا لتخترع شيئا جديدا، بل لابد أن تكون مجتهدا وتعمل كثيرا، فما يعوض فروق الذكاء بين الناس وبعضهم البعض هو العمل الكثير، فالذكي يمكن أن ينجز عمل اليوم كله في ساعة واحدة، فأنت يمكنك تعويض ذلك بأن تعمل طوال اليوم، وإذا وقعت يجب أن تقف مرة أخرى، والأهم من كل ذلك إذا أردت أن تكون عالما كبيرا عليك أن تخطط لذلك من المرحلة الثانوية وتضع خطة وصولك لهدفك، فنحن مشكلتنا في مصر أننا نبدأ التخطيط بعد الجامعة، ولكنني هنا في أوروبا وأمريكا وجدت أقراني قد وضعوا خططهم من المرحلة الثانوية، وهذا يسهل عليهم الكثير جدا.

· لماذا يتميز باحثونا حينما يذهبون للخارج فقط؟

- من ينجح في الخارج لعدة أسباب، الأول أنه لديه إصرار وهدف أن يتعلم بالخارج أشياء جديدة، والثاني أنه يحب ما يفعله ولديه الدافع له وضحى من أجله بترك أهله وناسه وسافر للخارج، والسبب الرئيسي أن الإنجازات العلمية المهمة أدواتها المتقدمة علميا غير موجودة في الدول التي ليس لديها قاعدة كبيرة في أساسيات البحث العلمي، لأن البحث العلمي مثلا في مجالي مكلف جدا ومن الصعب على دولة نامية مواردها محدودة أن تنفق عليه ملايين ومليارات الدولارات، بالإضافة إلى أن التخصصات المتقدمة في العلم تحتاج تخصصات أخرى مكملة لها وفي مصر مثلا تخصصي غير موجود أصلا، ولكن أيضا هناك علماء متميزين جدا في مصر وقدموا أشياء عظيمة وفريدة بجهد ذاتي وبموارد محدودة ولكن نحن لدينا عقدة الخواجة أن من تعلم في الخارج أفضل، كما أن هناك أزمة كبيرة في مصر لابد أن نشير إليها وهي أنه لا توجد قنوات تواصل بين الباحثين وكل باحث يخفي عن الآخر ما يفعله ولكن في الخارج العمل جماعي وتوجد رؤية شاملة وكل باحث يعمل على جزئية تكتمل بجزئية أخرى يعمل عليها زميله وتلميذه أيضا.

· من طور الميكروسكوب لكشف تركيبة الخلايا الميتة حصل على جائزة نوبل وما فعلته أنت بجعله يكشف الخلايا الحية متقدم جدا.. فهل تتوقع حصولك على جائزة نوبل؟

- لا أحد يمكنه أن يتوقع لنفسه أو لغيره الحصول على جائزة نوبل أو غيرها، لأن الموضوع نفسه ليس هدفا، فالمهم أن الباحث أو العالِم يقوم بما يحبه ويحقق هدفه، ثم بعد ذلك الظروف تتغير، فمعظم من حصلوا على جائزة نوبل جاءت لهم بعد سنوات عديدة وصلت لخمسين سنة من إنجازاتهم العلمية، فالنسبة لما قدمته هو ليس جديدا بمعناه التركيبي، فهي نفس التركيبة القديمة ولكني طورتها لتعمل على الخلايا الحية، وهذا هو الجديد وهي تكنولوجيا في حد ذاتها ستحدث انقلابا وتخدم من يعملون في العلوم الحية والكيمياء والعلوم الزراعية أيضا، لأن أهم سؤال في علوم البيولوجي هو معرفة كيف تعمل الخلية؟.. وأنا أجبت عن هذا السؤال، ومن ثم سيؤدي هذا للإجابة عن أسئلة أخرى كثيرة وتركيبات دوائية جديدة، وهذا هو الأهم بالنسبة لي من أية جوائز.

· ما الحدث الذي لا يمكن أن تنساه في مسيرتك العلمية والمهنية؟

- يوجد اجتماع سنوي يعقد كل عام في اليابان بعنوان الأمل مع الحائزين على جازة نوبل، تقدمت له وتم اختياري في عام 2019 كممثل عن مصر، وكنت ضمن 100 باحث شاب ممثلين لدول مختلفة بالعالم، وبيحضر هذا الاجتماع علماء حصلوا على نوبل وكذلك اللجنة المنظمة لجائزة نوبل، وفي هذا العام حصلت على أفضل بحث تم عرضه خلال الاجتماع وتم تكريمي من جانب لجنة الاجتماع وبحضور لجنة نوبل، ووزير البحث العلمي باليابان أرسل لنظيره المصري أشاد بالبحث الخاص بي وطلب تكريمي في مصر.

· ما الحلم الذي يراودك دائما كعالم يعيش بين التقنيات المتجددة يوميا؟

- أحلم بإنشاء مركز للتصوير المتقدم في مصر لدراسة تركيب وعمليات تنظيم الجينوم مماثلا للذي كنت أعمل به في جامعه هارفارد، ونقل خبراتي في بناء المجاهر الضوئية فائقة الدقة لدراسة الجينوم إلى بلدي، وأتمنى أن تتبنى وزاره التعليم العالي والبحث العلمي وأكاديمية البحث العلمي هذه الفكره لأن هذا المركز حال إنشاؤه سيكون الأول في إفريقيا والشرق الأوسط ويساهم في نقل العلوم المتقدمه وتدريسها في مصر وسيحقق ذلك طفرة كبيرة في مجالات وعلوم كثيرة.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 63 مشاهدة
نشرت فى 3 فبراير 2021 بواسطة PhysicsNRC

شعبة البحوث الفيزيقية بالمركز القومي للبحوث

PhysicsNRC
رئيس الشعبة/ الأستاذ الدكتور مدحت أحمد عبدالخالق إبراهيم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,059