هل يمكن توصيل نهر الكونغو العظيم من وسط إفريقيا إلي البحر المتوسط عبر صحراء مصر والسودان وليبيا وإحياء هذه الصحاري بمياهه التي تضيع في المحيط الأطلسي؟ هذا التساؤل الخطير مطروح الآن أمام مؤتمر علمي عالمي يعقد في بنسلفانيا الأمريكية يوم26 سبتمبر الحالي ليقول العلماء كلمتهم بعد أن كشفت الأقمار الصناعية الأمريكية كولومبيا عن وجود مجار قديمة لأنهار عديدة عاشت في تلك المنطقة منذ ملايين السنين. التجمع العلمي العالمي دعت إليه جامعة بنسلفانيا الأمريكية ويقوده العالم الأمريكي د.ريتشارد بارزاك استاذ الجيولوجيا, ود.تدماكسومل بمعهد علوم الفضاء بواشنطن, ود.جيم ويسترمان أستاذ ديناميكية الصخور, والجيولوجي د.ريتشارد كوجي بجامعة نيجريا, وينضم إليهم العديد من العلماء.. ومن مصر العالم الجيولوجي د.البهي عيسوي. والحكاية لست خيالا علميا.. لكنها حقائق أظهرتها صور رادارية التقطتها سفن الفضاء الأمريكية كولومبيا من خلال رادار يصور ما تحت الأرض.. وكانت هذه السفن قد عبرت في سماء مصر وليبيا والسودان وخرجت من جنوب الغردقة.. وأظهرت مجموعة الصور التي خضعت ـ
كما يشرح د.محمد البهي عيسوي الخبير الجيولوجي المصري ـ الدراسة والفحص والتفسير من علماء أمريكا ومصر والعديد من الدول, وأمكن من خلالها تحديد مسارات أنهار قديمة بعضها كان ينبع من جبال البحر الأحمر في زمن كانت فيه مصر منطقة أمطار منذ ملايين السنين.. وكانت تجري من جبال البحر الأحمر مخترقة الصحراء المصرية الجنوبية وصحراء السودان وتستمر داخل صحراء تشاد لتصب في النهاية في المحيط الأطلسي. وقد وجدت حيوانات ـ كما يشرح د.محمود القيسوني مستشار شئون البيئة من القردة والتماسيح والفيلة في شمال الفيوم.. وبقايا حفريات لحيوانات في المنطقة بين الواحات البحرية الفرافرة تؤكد أن مصر كانت بلدة ممطرة وأن هذه الصحاري كانت مفعمة بالنباتات والحيوانات. أنهار من زمن المطر وخلال هذا الزمن الطويل كان هناك كما تؤكد صوما السفن الفضائية نهران رئيسيان يجريان فوق أرض مصر هما نهر قنا يجري من الشمال إلي الجنوب عكس نهر النيل الحالي ثم يتجه إلي الغرب ليغزي مجموعة أنهار تنتشر في جنوب السودان وتشاد ثم تصب في المحيط الاطلسي. وفي الغرب من مصر كشفت الصور عن مسار نهر عملاق كان اسمه الجلف نابعا من هضبة العوينات ـ خلال سنوات الفترة الممطرة ـ متجها شمالا ليصب في البحر المتوسط غرب منطقة علم الروم الحالية.. وعندما جفت الأمطار امتلأ مجري النهر كما يظهر حاليا بالرمال السافيه مكونة بحر الرمال الأعظم. وفي ليبيا غربا جرت أنهار كثيرة كما يشرح د.البهي عيسوي من خلال صور كولومبيا كانت تنبع من هضبة تيبستي جنوب ليبيا واتجهت شمالا لتصب في نهر الكفرة غرب طبرق وصولا إلي المتوسط. وفي غرب السودان جرت أنهار في ذلك الزمن فوق صحرائها الغربية لتصل إلي دولة تشاد. ماذا يريد العلماء؟ وأوضح عيسوي أن كل هذه الانهار السابق ذكرها ظهرت في صور سفن الفضاء برغم أنها غمرت بالرمال ويبقي التساول: ماذا يريد.. وكيف يفكر العلماء المجتمعون في مؤتمرهم العالمي في بنسلفانيا الأمريكية في ضوء هذه الحقائق التي كشفتها الصور والدراسات؟ ويجيب د.البهي عيسوي ممثل مصر في هذا المؤتمر المطروح العلمي للمناقشة الآن والذي قدمه علماء الجيولوجيا من مصر وأمريكا هو إعادة الحياة إلي هذه المناطق الجافة الآن التي كانت تموج بالحياة في زمن بعيد.. البحث عن امكانية نقل بعض من مياه نهر الكونغو الوفيرة التي تندفع داخل المحيط الأطلسي لمسافة170 كيلومترا داخل مياه المحيط وهو نهر أصغر من نهر النيل طولا.. لكن مياهه أكثر من مياه النيل ويضيع ثلاثة أرباعها في المحيط الاطلسي. ولكن كيف يمكن الاستفادة من نهر الكونغو؟ يضيف د.البهي أن روافد نهر الكونغو تقترب من جمهورية جنوب السودان وتصل روافده إلي روافد النيل الأبيض في أقصي جنوب السودان, ويمكن من خلال الروافد الكثيرة للنيل الأبيض أن تصل الماء إلي بحيرة مرجا في شمال غرب السودان وتستعمل هذه البحيرة كخزان ضخم لتجميع المياه التي تتجه من خلال الأودية القديمة المطمورة بالرمال إلي الشمال علي هيئة نهرين أحدهما يغزي جنوب غرب السودان ليصل إلي مسار نهر الجلف القديم ويخترق صحراء مصر الغربية متجها شمالا. حيث يصب في البحر المتوسط والآخر يصل إلي شرق ليبيا ليستعمل مجاري نهري الكفرة والصابي في شرق ليبيا اللذين طمستهما الرمال والاتجاه شمالا ليصبا في المتوسط. إذا تحقق هذا الحلم فسوف يؤدي ذلك كما يؤكد المجتمعون في أمريكا إلي إحياء منطقة النيل الأبيض.. واحياء منطقة غرب السودان دارفور وكردفان التي تعاني الآن من نقص المياه والجفاف.. وإحياء صحراء غرب مصر وصحراء شرق ليبيا.. كما يمكن كذلك ومن خلال الأودية القديمة توصيل فرع من هذه المياه من خلال وادي هوار إلي تشاد. ولكن هل يمكن أن تضار دولتا الكونغو وزائير اللتان يسير فيهما هذا النهر؟ التقارير تؤكد كما يضيف د.البهي أن كثرة ووفرة مياه هذا النهر العملاق وقصر طوله يسبب بعض المستنقعات في هذه الدول وما يليها من أمراض.. ثم إن مياه هذا النهر تذهب معظمها إلي المحيط الأطلسي ولايستفيد منها أحد.. وأن تقليل المياه في روافد هذا النهر سوف تحقق مقاطعة زراعية صالحه كمصدر غذائي طيب لصالح الدولتين.. وسوف تتحقق الاستفادة من مياه هذا العملاق الذي يصل طوله إلي4 آلاف و700 كيلومتر وتصل كمية المياه به إلي1900 مليار متر مكعب سنويا يضيع منها ثلاثة أرباعها في المحيط الأطلسي.. في حين ان نهر النيل بكل عظمته لاتتجاوز كمية المياه به1600 مليار متر مكعب يتنازع عليها شعوب عديدة علي امتداد مجراه. أنهار بدون تكاليف!! ومن خلال هذا التصور الرائع لامتداد أنهار عبر الصحاري السودانية والمصرية والليبية والتشادية يتفجر التساؤل المهم: من سوف يدفع فاتورة تكاليف حفر هذه الانهار التي تمتد آلافا من الكيلو مترات؟ وتجيء الاجابة الصادمة كما يشرح د.البهي عيسوي أن العلماء يتصورون أن المياه سوف تتدفق من خلال الأودية القديمة المطمورة بالرمال وتزيح الرمال خلال تدفقها لتعيد إلي المجري مساره القديم دون حاجة إلي تدخل بشري أو انفاق علي حفريات. وعند هذه الاجابة الصادمة والصور المذهلة والآراء العلمية المطروحة الآن في هذا المؤتمر العالمي.. فإن ثمة مطلبا قوميا إلي رئيس وزراء مصر وكان اهتمامه الأول مياه النهر أن ينقل إلي الوطن كل كلمة في هذا المؤتمر بكل ما يحمله من آمال وحقائق. قد تغير صورة الحياة فوق هذه الدول التي تفتقر الآن إلي نقطة الماء التي تحيطها المخاوف من حروب قد يسببها التنازع علي المياه!