تواجه الثروه السمكيه في المملكه تحدي الاستنزاف، وارتفاع خطر انقراض بعض الانواع؛ بسبب الصيد الجائر لها، الامر الذي انعكس في تراجع كميات الاسماك المحلية الوارده الي السوق، وفي المقابل تزايد كميات السمك المستورده من خارج البلاد.
وعلي الرغم من ان نقص الاسماك يُعد ظاهره عالميه، حيث لم تعد الاسماك متوفره بكميات كبيره كما كانت في السابق، الاّ ان الحاجه تتطلب وضع حلول جذريه لعلاج الاسباب المؤديه لذلك، حيث اصبحت الاسواق المحليه تعج بالاسماك المجمده المستورده من الخارج، خاصهً من الصين ونيوزيلندا واستراليا وأمريكا والهند وباكستان، كما ان السوق لم يعد قادر علي توفير سوي (15%) فقط من الاسماك المحليه!.
وكشفت وزاره الزراعه عن دراسات وخطط معده لمواجهه هذا الاستنزاف، والعمل علي تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر مشروعات ضخمه للاستزراع.
"الرياض" تواجدت في سوق السمك المركزي في مدينة جدة، واستطلعت اراء مرتادي السوق حول جوده انواع الاسماك المعروضه، فكان هذا التحقيق.
في البدايه قال "فيصل بن سعدالله": "انا من عشّاق السمك، ومن ورواد هذا السوق منذ اعوام طويله، لكن للاسف الشديد بدات الاحظ في الاونه الاخيره اختفاء تاماً لبعض انواع الاسماك الطازجه التي كانت تتميز بطعمها الرائع"، مضيفاً انه لتغطيه هذا العجز، بدا الباعه يستعيضون عن هذه الانواع بالاسماك المستورده من خارج جده، بل ومن خارج المملكه، حيث نجد في السوق اسماكاً مستورده من الهند وباكستان، مبدياً استغرابه من هذه الظاهره، متسائلاً: هل يعقل ان ادخل سوق السمك في جده لشراء اسماك الهند؟، وما سبب غياب الاسماك المحليه الطازجه؟، وهل اصبحت مياه البحر الأحمر عاجزه عن تزويدنا بما تعودنا عليه واباؤنا واجدادنا من اجود انواع السمك واكثرها تميزاً؟، وهل اصبحت اسماك البحر الاحمر مهدده بالانقراض؟.
وتحدث "انور الغامدي" قائلاً: "انا من روّاد سوق السمك وعشّاق الماكولات البحريه، وكان البحر الاحمر يجود علينا بافضل انواع السمك واكثرها جوده، ولكن مع الاسف الشديد بدانا نلحظ في الاونه الاخيره تغيراً كبيراً في نوعيه الاسماك المعروضه في السوق وكمياتها، واسعارها، ودرجه جودتها"، مضيفاً ان سوق السمك يعج في الوقت الراهن بانواع مجمده مستورده من خارج المملكه، والتي يحاول الباعه خاصهً الاجانب منهم التلاعب وادعاء انها اسماك محليه وطازجه، مؤكداً علي ان تلك الحيله تنطلي علي من لا يملك الخبره والمعرفه الحقيقيه بالسمك وانواعه، مشيراً الي انه اصبحنا لا نري الاسماك الطازجه الحقيقيه الاّ نادراً وباسعار تفوق الخيال، خاصهً وان الصيادين المحليين اصبحوا قله.
واكد "عبدالله بن السيد شمعه" -رئيس طائفه صيادي ودلالي اسواق الاسماك بمحافظة جدة- علي ان نقص الاسماك ظاهره عالميه، اذ لم تعد الاسماك متوفره بكميات كبيره كما كانت في السابق، مرجعاً نقص الاسماك الي اسباب اساسيه عديده، اولها كثره "الأبوات" الخاصه بالمتنزهين، والتي اصبحت تتواجد باعداد هائله في شواطئ جده، حيث يعمد سائقو هذه "الابوات" الي رمي "الخطاطيف" لتثبيت الابوات وتركها بعد ذلك بسبب سعرها الزهيد، واستبدالها في المرات القادمه بخطافات اخري جديده، مما يترتب عليه تدمير الشعب المرجانية من جذورها، والقضاء علي الغطاء النباتي الذي تقتات عليه الاسماك، مشيراً الي ان تراجع كميات الاسماك المحليه واكبته زياده كبيره في الطلب علي الماكولات البحريه، ما جعل السوق عاجزا عن مجاراه هذه الزياده في الطلب.
واوضح "شمعه" انه يظل البحر الاحمر محدود المساحه بخلاف المحيطات المفتوحه، اضافهً الي ما يحدث من اختراقات وتجاوزات لصيادي بعض الدول المجاوره مثل مصر والسودان، مضيفاً ان عامل التلوث البيئى يلعب دوراً كبيراً في النقص الحاد في كميات الاسماك، الي جانب زياده الصيد الجائر من قبل الشركات العالميه، وكذلك عمليات الردم التي تشهدها سواحل المملكه، مطالباً الجهات الحكوميه ذات الاختصاص بسرعه التدخل لوضع حلول جذريه لعلاج هذه الاسباب المؤديه الي فقد الثروه السمكيه، والحرمان منها، منوهاً الي ان الاسواق المحليه اصبحت تعج حالياً بالاسماك المجمده المستورده من الخارج، وخاصهً من الصين ونيوزيلندا واستراليا وامريكا والهند وباكستان، مؤكداً علي ان الاسواق اصبحت في الوقت الحالي غير قادره الاّ علي توفير نحو (15%) فقط من الاسماك المحليه والبقيه مستورده، وذلك لتلبيه الطلب المتزايد علي الماكولات البحريه.
زبون ينظر الي الاسماك المعروضه
وكشف "شمعه" عن انقراض انواع من الاسماك فعلياً، فيما اصبحت انواع اخري مهدده بالانقراض مثل "البوار" و"الناجل" الذي كان يرد الي السوق يومياً بمعدلات تتراوح من (80- 170) طناً، وتناقصت هذه الكميات الان بشكل كبير جداً، وبالكاد تصل الي نصف طن (500)كيلوجرام، محملاً الجهات المعنيه المسؤوليه عن هدم مهنه الصيد العريقه، وعزوف الصيادين السعوديين عنها، مما ادي الي نقص كميات الاسماك الطازجه التي تدخل السوق، وذلك بعد اصدار قرار بتقليص حجم مراكب الصيد من (20م) الي سبعه امتار فقط، ما قلّل قدره هذه السفن علي الابحار الي مسافات طويله وجلب افضل انواع السمك، مؤكداً علي ان القروض التي منحت للصيادين كانت ايضاً احد اهم الاسباب التي ادت الي عزوف المحترفين عن المهنه، حيث اصبح الباب مفتوحاً علي مصراعيه للجميع، من دون ان يمتلكوا الخبره الكافيه لممارسه هذه المهنه، ما ترتب عليه فشل معظم القادمين الجدد وهجرهم لمراكبهم.
الصيد الجائر وصل الي درجه «الانقراض» وحصه السوق 15% واستيراد «المجمد» لسد العجز
وواجهت "الرياض" "م.جابر الشهري" -وكيل وزاره الزراعه المساعد لشؤون الثروه السمكيه- باستفسارات المستهلكين حول حقيقه نقص وندره انواع كثيره من الاسماك في اسواق السمك في المملكه، وخصوصاً في مدينه جده، حيث قال: "شح السمك ظاهره عالميه، وليست خاصه بالمملكه فقط، بل ان بعض صيادي الدول المجاوره وعلي وجه الخصوص مصر والسودان، يدخلون الي المياه الاقليميه للمملكه للصيد فيها"، مرجعاً هذا الشح الي عوامل عده، من ابرزها واهمها الصيد الجائر للشركات الكبري العالميه، والتي لا تراعي معايير وضوابط المحافظه علي البيئه البحريه من حيث إدوات الصيد وكمياته، وكذلك كثره الطلب علي المنتجات البحريه، في حين لا يوجد اي ارتفاع في المصائد التقليديه للاسماك في البحار والمحيطات، اضافه الي التغيرات المناخيه التي طرات علي العالم، والتلوث البيئي الذي نشهده في هذه الاوقات، ما جعل ما يرد علي الاسواق لا يلبي طلبات واحتياجات المستهلك، مشيراً الي ان وزاره الزراعه لم تقف مكتوفه الايدي تجاه هذه الظاهره، وانما سعت وبجهود حثيثه لمعالجه الوضع، بل وتعويض الاسواق عن النقص الكبير في الاسماك المحليه، عن طريق اعداد دراسه علي اعلي المستويات ل"كفاءه الادوات والمعدات المستخدمه في المملكه"، لمعرفه ادوات ومعدات الصيد المستخدمه حالياً وغير المستخدمه، وكذلك بعض المستورده المتوقع ملاءمتها لظروف المملكه، بهدف وضع مواصفات قياسيه لها، ونظام للاتجار بها، لحمايه المخزون السمكي من الاستنزاف.
وذكر "م.الشهري" ان الدراسه قائمه لتحديد انواع الشباك وادوات الصيد التي تسبب الصيد الجائر وتقضي علي صغار الاسماك، وتجرف البيئه النباتيه البحريه التي ينمو عليها السمك، مضيفاً انه للحد من هذا الصيد الجائر، امتنعت الوزاره عن منح رخص جديده للقوارب، والاكتفاء بالرخص الموجوده حالياً، مؤكداً علي ان الوزاره تبنت نهجاً جديداً لتعويض النقص الحاد في الاسماك عن طريق استزراع السمك، متوقعاً ان يسهم هذا النهج في تلبيه احتياجات الاسواق في المملكه والتصدير الي الخارج، عبر اطلاق "المبادره السابعه"، بمشاركه صندوق التنميه الزراعيه، وبالتعاون مع القطاع الخاص ممثلاً بشركات الاسماك الكبري ورجال الاعمال من اصحاب مشروعات الاسماك في المملكه، وكذلك الصيادين، منوهاً الي وجود فرق عاليه المستوي، وبمشاركه مكاتب استشارات عالميه، تخطط وتعد لتنفيذ هذه المبادره، لتنتقل المملكه الي مرحله جديده في صناعه الاسماك، وهي الاستزراع السمكي.
وكشف "م.الشهري" عن تفاصيل هذه المبادره، موضحاً انها تتضمن انشاء مشروعات ضخمه علي ساحل البحر الاحمر، يتوقع ان تحقق المملكه بواسطتها انتاجاً عالياً جداً، بحيث يقفز الانتاج المحلي من (100) الف طن الي (900) الف طن في العام، مشيراً الي انه من المامول ان تبدا المبادره السابعه في التنفيذ هذا العام، علي ان يتم الانتهاء منها في العام 2029م، متوقعاً ان توفر هذه المبادره فرص عمل لاعداد كبيره من ابناء الوطن من الجنسين، ذاكراً ان الوزاره تطمح الي دخول استثمارات بالاف الملايين في صناعه استزراع السمك علي شواطئ البحر الاحمر والخليج العربي، وبهذا سنحقق الاكتفاء في السوق المحلي، ونصل الي مرحله التصدير الي الخارج.
اعدته للنشر : م/ ناديه حمد