إن إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر تحتمل افتراضين؛ إما أن نعتبر أن كلا منهما يوجد باستقـلالية عن الآخر و هـذا الموقف عند الفلسفة الكـلاسيكية و كمثال على ذلك موقف ديكـارت و برجسون، و إما أن نعتبر أن العلاقة بينهما علاقة تلاحم و تداخل بحيث لا يمكن أن نفصل أحدهما عن الآخر، و هذا الموقف نجده لدى الفلاسفة المعاصرين و اللسانيات الحديثة. و تتخذ إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر الصيغة التالية: هل للفكر وجود سابق على اللغة ؟ أم أن الفكر و اللغة متلازمان ؟ بحيث لا يمكن أن نفصل أحدهما عن الآخر. نجد الموقف الأول الذي يعتبر كلا منهما مستقلا عن الآخـر عند كـل من ديكـارت و برجسون. ينطلق ديكارت من اعتبار الفكر جوهرا لا ماديا هو مبدأ كل وجود، و لهذا فهو سابق على اللغة التي تعتبر من طبيعة مادية، و لهذا يعتبر ديكارت أننا في حاجة إلى أداة لإخراج الفكر إلى حيز الوجود و جعله مدركا من قبل الآخرين، و هـذه الأداة هي اللغة، أما بـرجسون و إن كان يتبنى نفس الموقف الذي يتخذه ديكارت من علاقة الفكر باللغة إلا أنه يعتبر أن هذه الأخيرة عاجزة عن الإحاطة بكل موضوعات الفكر. إن برجسون يعتبر أن اللغة الإنسانية باعتبارها علامات و رموز ذات طبيعة مادية و أنها لا تغطي موضوعات العالم المادي إلا من خلال نقل الكلمة لتدل على أكثر من شيء. لقد اعتبر برجسون أن اللغة الإنسانية عاجزة عن الإحاطة بكل موضوعات الفكر و هي على نوعين: المادة الجامدة و المادة الحية. إن العقل البشري حينما يتعامل مع المادة الجامدة يمكن أن يحقق تقدما معرفيا كما هو الحال في العلوم التجريبية، غير أنه حينما يتعامل مع المادة الحية فإنه يتعامل معها بنفس الطريقة التي تعود على التعامل بها مع المادة الجامدة، الشيء الذي يؤدي في نظره إلى قتل عنصر الحياة فيها و لهذا يدعو برجسون إلى توسيع مجال اللغة ليشمل لغة الحدس، و هي لغة خاصة غير قابلة للنقل ذلك أنها تعتمد على التجربة الذاتية الخاصة، فمثلا لكي ندرك ما هو الحزن أو الفرح لا يكفي أن توصف لنا هذه الحالة لأن الوصف سيكون غير أمين، و لهذا لابد أن يعيش الإنسان التجـربة بنفسه، ضد هـذا الموقف الـذي يفصل بين اللغة و الفكـر نجد موقف الفلسفة المعـاصرة و اللسانيات الحديثة التي تؤكد على أن الفكر لا وجود له إلا في شكل لغوي، و لا وجود للغة خالية من المعنى و الدلالة. نجد هذا الموقف عند دي سوسير و إيميل بنفنسن و مرولوبوتي و كريستيفا، إلا أن كلا منهم يدافع عن هذا الموقف من زاوية خاصة، فبالنسبة لدي سوسير يعتبر أن العـلاقة بين اللغة و الفكر هي علاقة تلاحم و تداخل و يشبه هذه العلاقة بورقة العملة النقدية، بحيث لا يمكن تمزيق الوجه الأول دون أن يتمزق الوجه الثاني. أما مرلوبوتي، فينظر إلى العلاقة بين اللغة و الفكر من زاوية أخرى: علاقة اللغة بكل من الفكر و الكلام، فلا وجود لفكر قبل اللغة، إنهما متزامنان ففي الوقت الذي يصنع فيه الفكر اللغة فإن اللغة تحتوي معاني ذلك الفكر و ينتقد الموقف الديكارتي الذي يفصل الفكر عن اللغة، فاللغة في نظره لا يمكن أن تكون أداة للتعبير عن الفكر و ما يدل على ذلك هو أن التفكير في صمت هو في الواقع ضجيج من الكلمات، فالتفكير الداخلي هو لغة داخلية. إن الوجه الآخر لإشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر هي إشكالية التواصل بمعنى هل تعبر اللغة عن الأفكار بشكل شفاف و واضح، أم أن اللغة مجرد وسيلة للإخفاء و الكتمان ؟. يعتبر جاكبسون أن كل عملية تواصلية أو حدث كلامي يتكون من 6 عناصر، هناك السيـاق و يشير عـادة إلى الظـروف و المناسبة التي يتم فيها هذا الحدث الكـلامي، المرسل و المرسل إليه و بينهما رسالة أي المعلومات المتبادلة، الاتصال أي عملية التوصل المباشر بتلك المعلومات المرسلة بطريقة شفوية أو كتابية. و أخيرا ما نسميه بالسند و هو ما يمكن من فك رموز الرسالة. إذا توفرت هذه العناصر الستة المكونة للعملية التواصلية، فإن جاكبسون يعتبر أن اللغة تقوم بعملية التواصل بشكل شفاف و واضح لكن هل فعلا تكون اللغة دائما شفافة و واضحة أم أنها مجرد وسيلة للإخفاء و الكتمان. 

                Nesrine

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 36 مشاهدة
نشرت فى 14 ديسمبر 2011 بواسطة PROFDR370110

عدد زيارات الموقع

20,769