جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحيـــاة وملاحقــــــة الســـــراب !!
هي خطوات قد تتوافق في الوتيرة لدى كل الناس .. نمط في الأساسيات واختلافات في القياسات .. البداية هي البداية .. ثم المشوار هو المشوار .. والنهاية هي النهاية .. والسيرة هي السيرة .. كانت البداية ذات يوم .. حين جرى قرار الأقدار الذي يختار المكان والزمان .. وليس قرار صاحب الشأن الذي لا يملك الخيار .. ويعبث العابثون حين يسألون هل الإنسان مسير أم مخير ؟؟ .. ولا يقع في الكون أمر يخالف الأقدار .. والحدث يقع فوق البسيطة في كل لحظة وثانية .. صيحة مولود ثم فرحة أهل .. يصرخ المولود وكأنه على علم بالمآل .. بينما يفرح الأهل وهم على جهل بالمصير .. وبعد ذلك تتوالى المراحل .. الرضاعة والفطام والنشأة .. والأخذ والعطاء .. ثم الطموح والجموح .. ثم المرح والفرح .. واللعب والطرب .. وقد مشينا نحن ذلك المشوار بنفس الوتيرة والنمط .. حيث ولدنا ورضعنا ونشأنا وترعرعنا .. ثم رقصنا وفرحنا .. وضحكنا وبكينا .. في بداية الحياة والمشوار كنا نجهل الكثير والكثير .. وكنا نظن أن الحياة هي تلك الأبدية التي تعني الديمومة .. نجهل الكثير عن الموت هادم اللذات .. ولا نكترث كثيراً لتواجد القبور حول الديار .. وقد نشاهد نعشاً يشيع ثم نظن أن الموت خاص بأهله !.. وفي تلك المراحل من الأعمار يغيب الناصحون لحكمة مجهولة .. ويختفي المرشدون أهل الوعظ والإرشاد .. ولا يوجد ذلك الحريص الذي يحكي قصة أبونا آدم الذي أخرج الذرية من فيض الجنان .. كنا أطفالاً صغاراً نجهل مقدار البلاء والامتحان والمصير الذي ينتظر الأحياء .. والدنيا كانت تتراقص أمامنا بألوان الزينة الزاهية .. وكانت بداية الحياة حلوة غضة شهية .. تمثل غاية الأمنيات التي تغري بالضحك والحبور والسرور .. وحين نضحك كنا نظن أن الضحكة هي الديمومة والوتيرة .. وحين نبكي كنا نظن أن الدموع هي الخاتمة والأخيرة .. بدايات للحياة تمثل الواحة الخضراء في مشوار العمر المديد .. وهي بدايات تتخذها الدنيا كمنصة انطلاق .. حيث تتصيد القادمين للحياة وتخدعهم بمعازف الإغراء .. وتقول للبراعم والصغار والشباب أنتم ربيع الدنيا !.. أنتم لها ولا أحد سواكم .. أنتم الصبا وأنتم الشباب والفتوة .. أنتم وقود الحياة حين يراد الوقود .. وبحيلة ماكرة فإن الدنيا تفرش بساط الأمنيات تحت الأقدام .. ثم ترخى أستار الغفلة والنسيان .. وفي تلك الأعمار الندية الشابة فإن النفوس عادة تكون في غفلة النسيان .. تلك النفوس التي لا تضع الموت في الحسبان .. ولا تملك وقفة تأمل وحكمة توزن الميزان .. ولا تضع في حساباتها احتمال الخسران .. فهي نفوس ترتع وتلهو وتلعب وكأنها بمثابة السكران .. لا تنظر في المؤشر الذي يتواجد في عداد الأعمار .. ذلك المؤشر الذي يبدأ في الاختصار منذ ساعة المولد وحتى ساعة الإقبار .. وكل ثانية تمر في حياة الإنسان تعني النقص في طول الأعمار .. والمحير للألباب أن الأقدار تلتزم بشروطها بينما أن الإنسان يغرق في غفلة النسيان !. وهو ذلك الكائن الذي يلاحق السراب من المهد للحد .
تتوالى مراحل الأعمار .. ثم يتقلص ربيع العمر رويدا ورويداً .. وتبدأ أشجار الشباب في إسقاط أوراقها .. وعلامات الخريف تلوح في الآفاق .. ثم تلك الإشارات بقدوم مواسم جديدة .. وهنالك ملامح تتحول في الإنسان .. وهي ملامح غير مرغوبة وغير مطلوبة .. فيا عجباً ويا عجباً من بياض كان محبوباً ليصبح غير مرغوباً !.. ويا عجباً ويا عجباً من سواد كان ممجوجاً ليصبح نادراً ومطلوباً !.. وتلك الأوصال في الإنسان تبدأ في الشكاوى في غير عادتها !.. كما أن الحواس تفقد مهاراتها ومقدراتها يوماً بعد يوم .. وحينها تسأل الأنفس ذاتها سراً وتقول : ( ما الذي يجرى ؟؟ ) .. ولكن مثل ذلك السؤال لا يطابق عقل العقلاء .. فتلك علامات تؤكد أن الأمر قد دنا .. وأن الوقت قد حان لحزم الأمتعة .. والكيس الفطن هو من يعد العدة من أجل الرحيل للآخرة .. فهي علامات تماثل أجراس التنبيه عند اللزوم .. ومن قبيل الحكمة والاتعاظ يحكى أن رجلاً طلب من ملك الموت ( عزرائيل ) أن لا يقبض روحه فجأة .. بل يمهله ثم يرسل إليه رسولاً يبلغه بالأمر قبل اليوم والساعة .. وذلك حتى يستعد لمواجهة الموت .. فوعده ( عزرائيل ) بذلك .. وقال له سوف أرسل لك رسلاً وليس رسولاً واحداً .. ثم مضت سنوات طويلة بعد ذلك .. فإذا بملك الموت يحضر فجأة ذات يوم ليقبض روح الرجل .. وعند ذلك احتج الرجل وقال لملك الموت كان بيني وبينك عهد ووعد بأن لا تقبض روحي إلا بعد أن ترسل لي رسولاً قبل هذا اليوم ؟! .. فقال ملك الموت لقد أرسلت لك رسلاً يؤكدون اقتراب هذا اليوم .. فحين ظهر الشيب في مفرق رأسك كان ذلك يمثل رسولاً .. وحين ضعفت نظرات عينك كان ذلك يمثل رسولاً .. وحين أصابك الوهن بعد القوة كان ذلك يمثل رسولاً .. وحين فقدت حواسك المهارات كان ذلك يمثل رسولاً .. وحين ضعفت أوصالك كان ذلك يمثل رسولاً .. وحين تساقطت أسنانك واحدة تلو أخرى كان ذلك يمثل رسولاً .. وحين انحنى ظهرك يشتكي من قلة الاستقامة كان ذلك يمثل رسولاً .. وحين رحل الأنداد والرفاق عنك واحداً تلو الآخر كان ذلك يمثل رسولاً !. فهل كنت تتوقع مني رسلاً أكثر وأيقن من ذلك ؟؟.
هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .
ساحة النقاش