واقع الأحوال أبى أن يرتدي ثياب المعقول والممكن .. وقد تعاظمت مشقة الحياة .. وحينها هرب العقل بعيداً ليلتمس دربا في الخيال .. وتلك نافذة تبرر الكثير من الأقوال والأفعال !.. وهنا ما زال القائل يردد الحدث .. وقوله يفقد الأثر والانفعال .. وتلك كلماته ترحل عبر العدم في لمح البصر .. وتختفي قبل التواجد في الوجود !.. كالنقش فوق صفحة البحر بمداد الماء .. وكالإشارة في الظلام الدامس في حضرة الأكفاء .. لوحة مبهمة المعالم والتفاصيل .. الراسم لها مجرد فكرة عبثية المقام .. وفوضوية الاحتشام .. والصفحة لها مجرد بساط من البراءة الضالة !.. والحدث كأنه لم يحدث في لحظة من اللحظات !.. إشارات تؤكد أن القائل يشتكي الخلل في العقل .. وتلميحاته مبهمة نكرة تفتقد الحيثيات .. كما أن السامع للحدث هو أطرش بدوره وأبكم ولا ينتقي الكلمات !.. والأمر برمته يماثل خداع السراب زيفاً .. ذلك السراب الذي يخدع الأنظار بهياكل الأنهار والبحار والأشجار !.. وفي عمق السراب نشاهد كذلك هياكل الأنعام والجمال والحمير والبغال والأبقار.. والذي يلاحق السراب لا يلتقي بالواقع أبد الدهور !.. وشخصيات السراب أوهام تبكي لعدم الحقيقة .. والمحصلة مجرد نعيق في وديان الخراب .. ومجرد صيحات من الهراء تنتهي بأهلها عند عنابر المصحات .. ورغم كل ذلك فلا بد للقصة أن تروى في يوم من الأيام .. وأن يواصل القائل تلك الترهات .. ويقول ما يقول .. جلس عابساً متجهماً وقال : عجبا لقد حضرت بالأمس حفلة رقص وزفاف وعجاج .. كانت الناس فيها كالنمل في التعداد .. تمازجت فيها ألوان القزح بقدر يدهش الألباب !.. والأحضان كانت لا تخلو من رفقة تمثل الحسان والأحباب !.. كنا سكارى نتمايل رقصا بغير خمر أو شراب !.. وقد دامت الأفراح لساعات وساعات قبل أن تغلق الأبواب بحجة الضباب .. لقد أتى الآتون للحفلة ركباناً ورجالاً من كل الجهات .. وتغنى المنشدون فيها بكل ألوان النغمات .. ورقص الراقصون فيها بكل أشكال الرقصات .. وقد جرى فيها الكثير والكثير من المفاجآت .. لقد رأيت في الحفلة فلانا وفلاناً.. وبالقرب منهما رأيت العديد من أصحاب الهيلمان والصولجان .. وكذا رأيت في الحفلة الحسناء ست البنات .. والمفاجأة الكبرى تمثلت حين رأيت دبلة الخطوبة في أنامل تلك التي تقول عنها الشائعات .. كانت تتفاخر تيهاً ودلالاَ وهي ترقص بين الراقصات .. وتشير بالدبلة وتلوح بها للناظرين لها من كل الجهات .. وكأنها تريد أن تكتم أنفاس الشامتين والشامتات !.. وتخرس ألسن القائلين والقائلات !.. لقد التقى الكل في أحضان تلك الليلة العجيبة البهية الراقصة .. وكانت لحظات هناء وبهاء نادرة الحدث في الأوقات والأزمان .. والحفلة قد خليت من كل ألوان البكاء والأنات .. وتلاشت فيها علامات الدموع في الأحداق .. كما رحلت عنها علامات الانزعاج في الوجوه والوجدان .. توحدت فيها هيمنة السعادة التي غمرت القلوب .. وحينها تمايل الجميع رقصاً في انسجام ينفي أي لون من ألوان الشقاء .
هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .
نشرت فى 27 فبراير 2018
بواسطة OmerForWISDOMandWISE
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
801,800
ساحة النقاش