بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

بسم الله الرحمن الرحيم

( قصـة قصيـــرة جــــداً )

لقـــــاء فـــي عيــــادة الأطبـــاء !!

الأيدي عادةً تحوي وريقات فيها طلاسم الهوية .. الرقم والاسم والعمر والسيرة والمسكن .. حروف قليلة شحيحة ولكنها تؤدي الغرض .. هنالك يلتقي الجميع والأبدان تشتكي العلل .. حيث للضرورة أحكام .. وتلك الوجوه عادةً تلتقي لأول مرة .. والمراسيم تقتضي أن يجلس الجميع خاضعين لشروط أهل الدار.. الكل ينتظر دوره في شغف ثم ملل .. عشرات وعشرات متجاورين .. ويفضل أن يجلس الجنس بجوار الجنس .. والاختلاط قد تفرضه الظروف .. وعادة تكون النظرات شاردة نحو المجاهل والآفاق .. حيث يعيب التحديق المباشر في الوجوه .. والحوار نادر بين الزوار إلا عند الضرورة .. والتحفظ الشديد مرده عدم المعرفة ثم شروط الحياء .. وقد يتحايل من يريد ليوجد تلك الضرورة .. ويتخذ حجة الاستفسار سلاحاً حتى يكسر حواجز التكلفة .. وهو ذلك المتحايل الذي يستفسر عن شيء وهو يدري الإجابة ! .. وفي نفسه حاجة كما في نفس يعقوب .. فتلك السانحة قد تخلق الجديد من العلاقة .. أو قد تكون سانحة طارئة تتلاشى بمجرد الإشارة والإثارة .. وعندها يدرك الصائد أن الصيد يعلم المكيدة .. وعدم الاكتراث هي الصورة السائدة الغالبة في أكثر الأحيان .. ولكن هنالك آخرون في الأرض يفقهون الكثير من أساليب الصيد في الظلام .. ويجيدون الصولات والجولات في عالم الصمت والسكون .. ولغة العيون هي لغة لأهلها الماهرين المؤهلين .. حيث الإبداع بالغمز والهمس والإنعاس .. فتلك معاقل الصمت الكلام فيها بالعيون والحواجب .. وأطراف الرموش هي أفصح من الشفاه والألسن .. والمجالس في عيادات الأطباء قد توحي بقدسية الصمت .. ولكنها قد تحوي الكثير والكثير من كلام الإشارات .. وتلك الوجوه قد تدعي الأسقام في الأبدان .. ولكنها قد تعاني الأسقام في الوجدان .. وفي تلك البيئة الطبية قد يجري الكثير من ألوان القصص .. فكان يا ما كان في يوم من الأيام .. ولا أقول كان يا ما كان في قديم الزمان .. جلس شاب في مقعده عند نهاية القاعة .. كما جلست شابة رشيقة في مقعدها عند النهاية الأخرى .. وقد تواجهت الوجوه من قبيل الصدفة .. وكانت هنالك المسافة بينهما .. تلك المسافة التي تفصل بالأمتار .. والتي كانت تكتظ بجموع البشر .. ورغم تلك المسافة الفاصلة فإن الإشارات بدأت تأخذ السجال .. وتترحل عبر الأثير المستتر.. وفي عجالة طارئة بودلت الرسائل والشفرات .. كانت لحظات الالتقاء سلسة كرسائل البرق في جوقة المطر المنهمر .. وتكلمت الأعين بلغة الهاتف الصامت المشفر .. حيث ذلك النوع من التنبيه الخالي من النغمات والاهتزاز .. فهو ذلك التنبيه بالإشارات .. إشارات الرموش التي تتراقص لإماطة الأسرار .. وتلك الإشارات بين الشاب والشابة تعدت حمى المحارم في غفلة الأعين والنظرات .. والكل يعلم أسباب التواجد في تلك الأروقة .. وهي أسباب تتوفر في أكثر المتواجدين .. قال لها : ( كفارة يا رشيقة القوام ، شفاكم الله ) .. فردت : ( كفر الله ذنوبكم وسيئاتكم ) .. الاستجابة الأولى كانت طيبة وهانئة .. وهي البادرة التي أذابت الجليد المتحجر المتصلب .. وهي الخطوة التي أزالت المحاولة من قائمة الخطر.. تلك البادرة التي دكت حائط برلين العاصي في لمح البصر .. ثم تلاحقت سجالات الحوار بالعيون والرموش .. حيث المزيد والمزيد من أسرار السيرة الذاتية .. بعدها كل الدلائل كانت توجب اللقاء خارج عيادة الأطباء .. ولكن لا بد أولاً من تلبية واجبات الشفاء والاستشفاء .

              فجأة نادى المنادي اسم تلك الشابة الرشيقة لمقابلة الأخصائي .. فوقفت تلبي النداء في عجالة .. ولكن ذلك الاسم قد أصاب الشاب بذهول شديد .. حيث أن الشابة تحمل اسما يتطابق مع اسمه في الآباء والأجداد حتى الرباعي !!.. كيف يعقل ذلك ؟؟.. والطامة الكبرى أنه يعلم أن أبيه قد تزوج بامرأة أخرى في مدينة أخرى ولديه بنات .. ولكنه لم يسأل يوما عن أسماء الأخوات من أبيه .. ولم يهتم بالأمر كثيراً .. فجلس في مقعده حائراً متعجباً .. ثم خرجت الشابة من حضرة الأخصائي .. فإذا بالمنادي ينادي اسم ذلك الشاب الحائر .. فالتفتت الشابة بدورها في ذهول شديد .. وهي تعلم أن لها أخ من أبيها يحمل نفس الاسم .. فتقدمت نحوه بجرأة .. ثم سألته هل أنت فلان ابن فلان وأمك فلانة بنت فلان ؟؟ .. وهل أنت من مدينة كذا وكذا ؟؟ .. ثم أفاضت في المعلومات بذلك القدر الوفير.. فكان يجيبها بنعم ثم نعم .. وعندها وقعت الأخت في أحضان أخيها وهي تزرف دموع الفرحة والسرور .. وسقطت إشارات العيون الفاضحة في مهدها .. ليكون الحوار بالألسن دون موجبات الخوف من أعين الناس .. ففي تلك اللحظة قد علم أنه أحق الناس بحمايتها .. أما هي فأصرت أن تنظر في وجه أخيها بتعمق شديد .. ذلك الوجه الذي يحمل الكثير من معالم الوالد .. ثم أصرت أن تقضي مع أخيها أكبر فترة متاحة حتى توثق عروة الإخاء .. وحتى تعلم المزيد من أخبار عائلة أبيها في المدينة الأخرى .. وهي التي كانت تتمنى طوال عمرها التعرف بإخوانها وأخواتها من أبيها .. ثم خرج الأخ والأخت من عيادة الأطباء واليد في اليد .. ثم ما زحته قليلا وهي تضحك وتقول : ( كيف تغازل أختك يا مجنون ؟؟ ) .

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 281 مشاهدة
نشرت فى 27 سبتمبر 2017 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

760,975