بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

بسم الله الرحمن الرحيم

(   قصــة قصيــــرة   )

المـوت قبــل موســم المــوت  !!

ذلك الشيخ المسن يتجول حائراَ غريباَ فوق تلال الوحدة .. وتلك النظرات ترتد إليه خائبة لا تبشر بالمفيد .. حيث طلاسم الوجوه التي تفتقد معالم الألفة والعشرة .. وحيث معالم الحياة التي لا توافق إشارات الماضي .. يرتاد بالنظرات العميقة كل مظاهر الحياة من حوله .. فإذا بتلك المتاهات من ويلات الشك والظنون .. يلتفت يمينا ويسارا ثم يطرح السؤال على نفسه تلو السؤال .. ويخرج مقهوراَ عن مناسك الاتزان حين لا يلتزم بالوقار .. فذلك الإرباك والالتفات لا يليق بالمسنين من أمثاله الكبار .. ومع ذلك فهو لا يتريث ولكنه يحدق في أعين الناس .. ثم لا يتمكن أبداَ في إيجاد ضالته .. فتلك الوجوه ليست هي المطلوبة المرغوبة .. وتلك الطرقات ليست هي الطرقات المعهودة .. وتلك المنازل ليست هي المنازل المألوفة .. وتلك الاتجاهات والوجهات ليست هي المعتادة .. فكيف تلاشت حياة الماضي ؟!! .. وكيف غدرت به تقلبات الحياة ؟ .. وهو ذلك الملتزم الأمين الذي لم  يفارق الديار يوماَ منذ سنوات وسنوات !! .. لقد كان الموت سخياَ حين تخلف عن الميعاد .. ولكن أين السعادة والسخاء في حياة تفتقد المذاق ؟؟ .. حياة جرداء قاحلة خالية من معالم الأخلاء والرفاق .. وتلك هي سنة الحياة حين ترتاد المواسم .. فتلك مواسم الحلاوة في عمر الإنسان .. كما أن تلك مواسم المرارة في عمر الإنسان .. فالحياة فيها مراحل تكتسي بألوان المباهج والحبور .. وعندها يتمنى المرء أن يعيش أبد الدهر .. وفيها تلك المراحل التي تؤكد أن الموت ضرورة تتمناه الأنفس بشغف شديد .. وتلك حقيقة قد يرفضها المترفون والأقوياء والأصحاء .. ولكن لا بد من ذلك الإقرار في ذات يوم .. ففي مراحل تحلو الحياة في غياب الموت .. وفي مراحل أخرى يحلو الموت حين تكون الحياة ذلك الجحيم .. وشيخنا قد عبر الحياة بطولها وعرضها .. وهو الآن يقف عند ميناء الرحيل في انتظار سفينة الموت .. وتلك وقفة موجعة مؤلمة لمن يدرك الأسرار .. وفي وقفته تلك يشاهد سفن الأقدار وهي تفرغ حمولتها من القادمين من مواليد الأرحام .. هؤلاء المواليد الذين يحطون الرحال من أجل الحياة والناس من حولهم يرتحلون .. وعندها يسخر المسافر من قادم جديد يجهل الأسرار .. وهو ذلك القادم المبتهج الشغف لتجربة الحياة .. كما أن سفن الأقدار نفسها هي التي تأخذ معها المسافرين في رحلة الموت والمجهول .. وشيخنا ينتظر الدور .. ويتمنى لحظة الموت والرحيل .. ولكن  هيهات هيهات فإن الخيارات أبداَ في يد الأقدار .
         فجأة تنبه الشيخ لصوت ذلك الطفل الذي يمسك بأنامله ويقول له : ( جدو تعال لنأخذك إلى البيت ) .. نظر في وجه ذلك الطفل ملياَ وهو بين الشك واليقين .. فيا ترى من هو ذلك الطفل ؟؟ .. ثم حاول أن يقاوم ذلك الطفل الذي يشد يده ليأخذه إلى البيت .. ولكنه أطمئن قليلاَ حيث أن معالم الطفل توحي بالمصداقية والبراءة .. وأنه قد يكون من أحفاده أو قد يكون من أفراد أسرته .. ثم على مضض بدأ يطاوع الطفل في محاولات العودة .. ويسير معه حيث يريد .. وهو في أعماقه يتعجب من مآل الأحوال .. فكيف تبدلت الحياة وتغيرت بتلك الدرجة التي تجعله ينقاد لأوامر طفل صغير ؟ .. حياة قاسية يفتقد المرء فيها معاني القيمة والمكانة .. وهي حياة لم تكن يوماَ في الحسبان .. فأين ذلك الماضي حيث أزمان السطوة والقرار ؟.. وقد فقد الكثير من مزايا الهيبة والسيادة التي كانت من قبل .. حيث يتلقى الآن الأوامر من الكبار والصغار .. وهي تلك الأوامر التي توصي بمراقبة الجد بالمرصاد .. والكل يحرص في تتبع حركات وسكنات ( الجدو ) .. وتنادي الأصوات بمراقبة ( الجدو ) حتى لا يخرج من الدار ويتوه في الطرقات ..    ( جدو ) أجلس ولا تتحرك .. ( جدو ) كل من هذا الطعام ولو قليلاَ .. ( جدو ) أشرب من هذا العصير ..   ( جدو )  أرقد ونم قليلاَ .. ( جدو ) ألبس هذا ولا تلبس هذا .. ( جدو ) أفعل هذا ولا تفعل هذا .. فهكذا تلك أحوال ( جدو ) الذي وجد نفسه في نهاية المطاف مجرد إنسان يتلقى الأوامر من الصغار والكبار .. وهو ذلك الإنسان الضعيف الذي لا يملك الحق في اتخاذ القرارات .. وكم وكم يجتهد ذلك الشيخ وهو يريد أن يفصح بما يجيش في صدره .. ولكنه يعجز في إيصال المفهوم .. حيث الناس من حوله لا يجيدون قراءة أفكاره .. ولا يفهمون تلميحاته .. وعندها يتراجع الشيخ مخذولاَ عن محاولاته .. ثم يتمنى الرحيل عن هذه الدنيا .. وعن تلك الديار التي أصبح فيها غريباَ .

  ــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد

 

 

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 174 مشاهدة
نشرت فى 15 أكتوبر 2015 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

801,968