بسم الله الرحمن الرحيم
فلنكتفي بذلك القدر الذي يرضي الجميع !!
كم هي القيمة عظيمة حين يكون الوفاق في خنادق الإخاء .. خنادق تجمع القوم بعروة العقيدة والمحبة والمصير .. الناس فيها لا تتحاسد ولا تتباغض حين تتباين السروج والمقامات .. والعبق أينما فاح في ساحة نال أهل الساحة بالراحة .. والعيد لا يكون عيداَ بالإنفراد .. ولكن العيد دائماَ بمعية الجماعات .. والسعيد هو من يشارك الآخرين في السراء والضراء .. يفرح حين يفرح القوم .. ويحزن حين يحزن القوم .. وحين يتسامى مقام طرف من الأطراف فهو ذلك الشرف الذي يلامس الجميع بالهناء والمقام .. مؤهل وكنز يزيدهم فخراَ واعتزازاَ .. ولا يكون ذلك إلا إذا طابت النفوس بالفطرة وفاضت بالمحبة .. فالاتحاد والوفاق بين الشعوب نعمة عالية لمن يعقل .. والشتات والفرقة هو ذلك الجدل القبيح الذي لا يسعد أحداَ .. ولكن المؤلم في هذا العصر أن سمة الشتات والتناحر هي السائدة في كل شبر في ديار الأمة .. والدول العربية تمر اليوم بمرحلة زلزلة قوية عجيبة .. مرحلة كلفت الأمة مئات الآلاف من الأرواح الطاهرة البريئة .. وما زال الكثير من الساحات تشهد حالات التناحر وتنزف بشدة .. وهي فتنة كبرى بالمعنى الكبير .. والوقت ليس هو الأنسب في التنقيب عن الأسباب .. فالأسباب ثقل يهلك الأضابير .. ولكن حان الوقت لوقفة الشعوب مع أنفسها ومع ذاتها .. فلما تجري المجريات بذلك المنوال الفوضوي الفالت الهالك في الكثير من الساحات ؟؟ .. والآلام تعصر النفوس حين يكون الفوضى هو اللغة السائدة في الكثير من البلدان .. ذلك الفوضى الذي يجلب الإحساس بأن العقول السديدة قد يئست واستكانت وأصبح الزمام اليوم في قبضة الجماعات والفئات المتطرفة .. والمتعمق في مطالب تلك الفئات يجد أنها مطالب توجد الشروخ في جسم الأمة وتزيد من حدة الشقاق .. فهي مهزلة ما بعدها مهزلة حين تنادي بالأدنى دون الأعلى .. تنادي بالخصوصيات المغرضة دون العموميات المفيدة .. وتخلق تلك الزوايا الضيقة التي تعني منتهى الإفراط بالأنانية !!.. والكثير من تلك الفئات والأقليات تحمل الأفكار والنظريات الضحلة التي تعني مصالح الأفراد دون الجماعات .
والساحات اليوم تشاهد نوعاَ من الإفرازات العجيبة التي حيرت العقول الكبيرة ناهيك عن العقول العادية .. وتلك الظاهرة هي ظاهرة انهيار الجيوش النظامية الكبرى في ساحات المعارك أمام الشراذم في الكثير من البلدان .. تلك الظاهرة التي حيرت عباقرة العسكرية في هذا العصر .. ولكن جاءت التحليلات العسكرية بأن الأرضيات السائدة في المجتمعات هي التي تدير المعارك في تلك الساحات وليست المهارات العسكرية .. وهنالك نظرية عسكرية تقول : ( أن أكثر الأشياء التي تقلق القيادات العسكرية هي حالة التمرد المبطن وليست حالة التمرد الصريح !! ) .. فالتمرد الصريح علاجه أسهل كثيراَ ومقدور عليه .. ولكن الخطورة تكمن في ذلك التمرد المبطن !! .. وهنا يأتي دور نفسيات المحارب في السيرة .. والإشارة تؤكد أن المجتمعات العربية عانت ما فيه الكفاية حتى انتقلت تلك المعاناة للأبناء في الصفوف العسكرية .. فالوطن قيمة عزيزة حين يكون سقفاَ وارفاَ هنيئاَ وفياَ صالحاَ .. ويكون خصماَ مجافياَ حين يوجع بكثرة المعاناة والويلات .. بل قد يكون الوطن طارداَ ومشرداَ لأهله وعشيرته .. ومع ذلك فإن حسابات تلك الحروب الجانبية هي خاسرة في كل الأحوال .. وذلك الجدل في الساحات لا يفيد نصراَ أو خسارة .. فالأمة في المحصلة هي الخاسرة التي تفقد الأرواح .. وجاء الوقت في كل تلك الساحات التي تشاهد التناحر والحروب أن تفكر بصوت العقل وتتوقف عن تلك المهازل الكريهة التي أضعفت هيكل الأمة .. وأضاعت هيبة الأمجاد في السيرة .. ولا يكون ذلك إلا في حال التنازل عن منطق السلاح والقوة .. واللجوء لمنطق العقل والحكمة .. حيث الجلوس في طاولات الحوار الحضاري التي تعني مظهر التقدم والرقي .. ثم المرونة اللازمة بالتنازلات التي تقارب الأطراف لنقاط الوفاق والاتفاق .
ــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش