بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

 

بسم الله الرحمن الرحيم

( قصــة ) جريمـــة النهـــر  !!

أيها النهر كم أنت غريب في خصالك ..  تهب كما تشاء ثم تأخذ .. تلهم من تشاء ثم تفسد .. وفي جانبيك تكمن غرائب الأسرار .. تمر مسيراَ ومخيراَ عبر القرى والمدائن .. وتخاطر حين تشاطر الأحداث مع الأشرار والأبرار .. وغلاف كتابك يحتوي ويساتر الصغائر والكبائر .. يوم مولدك من أرحام المزن فرحة ورقصة .. ويوم رحيلك لساحة المصب محنة وغفلة .. جوفك يحمل أسرار الخلائق فأنت الشاهد المتملق .. فكم يا ترى تلك الأسرار في حياة الأنهر ؟!! .. وأنت يا نهر في أحشاءك تكمن الغرائب والعجائب .. قصص توجدها الليالي وتسترها النوايا .. نراك دائماَ ترحل بالأسرار إلى النهايات .. حيث مصب الكتمان ومقبرة الأمانات .. تدعي البراءة رغم أنك تمثل الستار للكثير من موبقات البشر .. فلماذا تأخذ الأسرار معك إلى خزائن الصمت ؟؟.. وأنت تعلم جيداَ أن تلك الأمانات ملتفة حول عنقك إلى أن تبوح بها يوماَ حين يستلزم كشف الحقائق .. في منتصف الليل جاءوا بها عند ضفافك .. رجال في صور أشباح الظلام يمشون حثيثاَ في موكب صمت وغدر وكيد ومؤامرة .. خطواتهم كانت تلك الخافية الناعمة  .. وأصواتهم كانت تلك الهامسة الخافتة .. وبين أيديهم تلك الضحية البريئة اليافعة .. كانت تجاريهم مرغمةَ وهي تجهل النوايا والمصير .. جاءوا بها مع سابق ترصد وتخطيط وتعمد ..  ثم قتلوها بالقرب من مسارك يا نهر .. وكنت أنت الشاهد الوحيد في تلك الليلة  .. ولقد رأيت بأم عينك قسوة الإنسان للإنسان  .. كانت تلك الصغيرة تستجدي وتستغيث وتنادي وتسترحم في جوف ليل هالك مظلم .. لحظات تلطخ صورة الإنسان وتدهنها بدهان السواد في ليلة هالكة مهلكة .. ليلة صماء بكماء .. لم يرحموها حين كانت تستغيث وتسأل عواطف الأفئدة  ..  كما لم يلتفوا حول صيحات الاسترحام .. بل كتموا أنفاسها بقسوة تلك الأيدي الناقمة .. وأنهوا حياتها بجفاء قلوب هي تلك الناشفة الصلدة .. قلوب كصخرة الجلمود لا تراعي ولا تعرف نواميس الرحمة والغفران .. ثم تعمدوا وأقرنوا جسدها الغض بصخرة تمثل الثقل وتمثل غطاء الأسرار .. ربطوا الجسد مع الصخرة بإحكام ثم رموا جثة البريئة في جوف اليم .. عندها لم تسكت البريئة ولكنها تحدثت بدمائها ..  تلك الدماء التي أبت الخضوع والطاعة وتجاهرت حين أظهرت لونها الأحمر الفاقع فوق سطح الماء  .. جرت تلك الدماء الطاهرة مسافات تجامل النهر في مساره .. ثم وهنت واستكانت أخيراَ لتكون من مكونات النهر .. وباختفاء مظهر الدماء كانت اللحظة الخاتمة للمجريات الحزينة .. حيث أغلقت صفحة جريمة بشعة .. شارك فيها الإنسان والنهر .. مرت الأيام وأظهرت أن النهر كعادته تواطأ مع أهل الجريمة حين أخفى آثار البريئة في جوفه .. وتعمد أن يسكت إلى الأبد ..  ولم يسمح بأن تتحرر عدة الجريمة من قيودها وتطفح إلى السطح  .. لقد أحكموا حلقات المؤامرة .. وأجادوا تنفيذ المخطط ..  وسددوا كل منافذ الطوارئ التي تكشف الأسرار .. والنهر كان عوناَ حين التزم بالصمت حتى النهاية .
            قالت أنها بريئة .. وقد أرغمها ابن عمدة البلدة تحت تهديد السلاح .. وحاصرها تحت جبروت العضلات والمكانة والحصانة .. ورغم ضعفها وضعف حيلتها فقد قاومت كثيراَ .. وكانت تدرك جيداَ أن المحصلة كبيرة من الكبائر ..  وعندما عجزت كلياَ عن المقاومة سكتت مهزومة مقهورة ..  وحينها جرت مشيئة أهل الجاه .. وكان ما كان .. وقد وقع المحظور .. وعندما شبع ابن العمدة من غريزة الشهوة تركها مسجوعة تبكي وحيدة كئيبة .. مكثت ساعات وهي راقدة منهكة في موضع الخطيئة .. تفكر في مجريات الخيانة والغدر .. وتفكر في مصيرها ذلك المظلم المجهول .. لم ترضى بالمهانة والمذلة .. فأقسمت بالله بأن تبوح للناس بأحداث الظلم والظالمين .. وأن تفضح سيرة أبناء الذوات .. تحدثت بالواقعة المؤلمة أمام الجهات وأمام السلطات ..  كما اشتكت بأمرها لعقلاء القوم وأهل الحكمة والدراية .. ولكنها أخطأت حين أحسنت الظنون في عدالة القوم  .. كما أخطأت النية حين كانت تأمل الإنصاف من أهل العدالة والسلطات .. وما علمت أن العالم موبوء بالظلم والمظاليم .. عالم يساند ويساتر عربيداَ يفسد بسلطة الجاه  .. وهو ذلك التافه ابن العمدة .. ثم كانت الطامة الكبرى حين أرادت الجهات إسكات صوت ينادي بحق هو ذلك الحق الذي ينازع الفساد .. حكمت أيادي الظلم ببراءة الطاغي المعتدي .. وعاقبت المظلومة بعقاب الظالم .. أحكام جرت خلف الكواليس .. ونفذت عند مشارف النهر .. ثم كان النهر هو ذلك المعين الذي سكت ثم أخفى الحقيقة والآثار .. ومع ذلك فإن النهر ما زال يدعي البراءة ويدعي الطهر والصفاء .

ــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 188 مشاهدة
نشرت فى 11 أغسطس 2014 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

764,672