بسم الله الرحمن الرحيم
وجهـــة نظــــر ؟!!
التاريخ حين يجاري الحقائق ينصف .. ولكن أين مقدار الحقائق في براثن التاريخ .. فمن كل مليون حرف يصدق حرف واحد .. ثم بحار وبحار من التلفيق والاجتهاد تغلف شذرات الحقائق .. أطر من الزيف والمبالغة المفرطة تحاط حول نقطة من الحقيقة .. وكاتب التاريخ مهما يدعي الحياد والنزاهة فهو بشر بعيوب الإنسان يجتهد فيصيب القليل ويخطأ الكثير .. كما أنه يخلط ويظلم كثيراَ .. ولا سيما في حالات البحث عن المجريات القديمة في أضابير التاريخ .. حيث الأخذ بمعالم الآثار والمعطيات التي تثرى العقول بالاجتهاد .. والعلة الكبيرة تكمن في ذلك الاجتهاد .. وفي الغالب فإن الاجتهاد يسبب الفرية الكبيرة في مسار الحقائق .. وتقع السخرية حين يستشهد الناس بأن التاريخ يشهد وهو الفيصل .. ولكن ليست شواهد التاريخ كلها بتلك البريئة الخالية من المآخذ .. فهي بالتأكيد ليست معصومة من التشكيك والتجريح والأخذ .. إنما هي أحداث تدون لتقارب الحقائق وليست هي طبق الحقائق .. أسفار وأسفار تتحدث عن مجريات هي قد تكون من محض الخيال .. ولو عاد أهل الأحداث في التاريخ إلى الحياة يوماَ لضحكوا كثيراَ من المفتريات العجيبة التي قيلت عنهم .. ومن الصفحات والصفحات المهولة التي قالت عنهم بغير حق ودليل وبرهان .. ولضحكوا كثيراَ من الصفات والنعوت التي ألصقت بهم .. ومن المجريات التي قيلت عنهم وهي بعيدة كل البعد عن الحقائق .. حيث أبطال في مواقع الخونة والجبناء .. وحيث أصدقاء الحميمة في مواقع العداوة والخصومة .. وحيث خصوم الحروب والعداوة في مواقع الوفاق والاتفاق .. وحيث ضباع الساحات في مواقع الأسود .. وأسود الساحات في مواقع الضباع .. خلط بذلك القدر الكبير المبالغ الذي يوجب التشكيك والظن مهما كانت الدقة والتحري والتنقيب .. والتاريخ حين يكون في عمق الأضابير فهو يحمل الصفتين .. صفة الجوهر التي تعني الحقائق من الأحداث كما جرت حقا وحقيقةَ .. وصفة المظهر التي تعني الملاحق بالتأليف والاجتهاد والزيف .. وشتان بين ذاك وذاك .. وتلك المكتبات تعج بالملايين من كتب التاريخ .. فكم يا ترى فيها من الحقائق التي تطابق الأحداث كما جرت حقاَ وحقيقةَ ؟؟ .. تلك الأحداث التي تطابق الواقع كالشن بالطبق ؟.. وكم يا ترى فيها من المؤلفات والمفتريات التي أجتهد أصحابها لتقول أنها هي الحقائق .. وفي جوهرها هي ليست بالحقائق .. وحتى أنها قد لا تكون قريبة من مشارف الحقائق .. بل هي اجتهادات يوجدها ميل الكاتب المؤرخ لرأي من الآراء أو لفكر من الأفكار .. فهو ذلك الإنسان المجتهد فإن أصاب فله أجر المثابرة والاجتهاد .. دون الجزم والتأكيد بكل حروف التاريخ .. ومتون التاريخ شماعة تعلق فيها كل إرهاصات التأليف من صدق وافتراء .. والعلة في كل ذلك أن أصحاب الأحداث في غياب مع الأزمان ولا يتواجدون للتأكيد أو التفنيد .
ــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش