بسم الله الرحمن الرحيم
جناح من قصدير وجناح من أثير فكيف يطير ؟؟
تبكي العيون عندما تجف جداول العفة في السواحل .. وتشاهد تلك البذور التي تلح منادياً بالانقسام .. تلبية لسنة الفطرة في الإنسان والحيوان .. تلك السنة الواجبة الملزمة حتى لا تسكت وتخمد الطبيعة في مدارها .. جدل لا يقبل المنع أو الكبت أو القطع مهما يجتهد المجتهدون .. وعادةً تكون النظرة من الإنسان بفلسفة خادعة مترددة .. فهو تارةً يبتغي السمو فيرى تلك شائبة من الحقائق التي تفسد ألوان السماء الصافية النقية .. وينادي بأن يكتفي البشر بمباهج الروح والأثير اكتفاءً يعني التزهد المطلق .. وفي ظنونهم أن ذلك يجنب الكثير من ملامات الشوائب في السلوك والنشأة .. وهو اكتفاء يعني البقاء في مدار الجمود والموت .. وهو خيار مستحيل .. خيار من لا يملك الخيار حيث الفطرة الملحة المهلكة .. والفطرة مخلوقة ومستأصلة في كينونة آدم حين خلق .. وذاك اكتفاء ناقص حيث الروح التي تشتكي وتفقد الإناء .. وحيث الطبيعة التي تفقد مقومات البقاء والدوام في مواصلة مشوار آدم .. والحكمة العظيمة تكمن في نشأة آدم وخلقه .., وتكمن في ذلك السر العظيم في صورة الآية الكبرى التي تجمع المستحيلين .. فهو خلط يقبل الوارد الأمين وهو ذلك الروح الأثير حيث يتغمز الجسد .. ليمثل ذلك الجانب السامي في الإنسان .. بالقدر الذي يجتهد فيه ليقترب من سواحل الملائكة الكرام .. كما يقبل الوارد المهلك الذي يمثل ذلك الإناء القاتم من أساس الطين .. ذلك الجانب الذي يشترك فيه الإنسان مع الشيطان .. والإنسان هو ذلك المتردد الذي يميل تارةَ بإسراف شديد نحو المساقط والمهابط المادية وتارة باستحياء يميل نحو التسامي الروحي العالي .. وتلك المعركة قائمة منذ خليقة الإنسان حيث الخيار المهلك بالانحياز التام لعوالم المادة والطين .. أو الخيار المهلك بالتزهد المفرط لعوالم الروح والأثير .. ولكن مدى الحكمة يتجلى حين يتوسط الإنسان في المعطيات دون إحجام وتحريم كامل أو دون إسراف وإفراط كامل .. وتأتي المشقة والمعاناة في الإفراط الروحي المبالغ عند درجات من فلسفة التزهد والامتناع .. تلك الفلسفة التي تنافي الفطرة كلياَ .. وحينها تقاوم النفس تلك الفطرةَ الملزمة دون جدوى .. فالفطرة كامنة في الأعماق وهي من مكونات آدم عند الخليقة .. ولا بد لها أن تفلت يوماَ عاجلاً أم آجلاً لتلبي متطلبات الرغبة الجامحة .. وحيث الضرورة من وقت لآخر لمواصلة مشوار الحياة .. وفي الجانب الآخر فإن المشقة والمعاناة تأتي في حال السقوط المهلك بالاستجابة المسرفة المفرطة للرغبات والنزوات .. وفي تلك الحالة فإن جوانب المادة تغطي على كل معالم الروح والتسامي .. وبذاك القدر الذي يحط من مقام الإنسان ليقترب من مقام الحيوان .. وقد ينحدر الإنسان إلى أدنى من مقام الحيوان .. والمحصلة فإن الإنسان مهما تواجد هنا في الدنيا أو هناك في الآخرة فلا بد من خيار الخلط الذي يجمع متطلبات الإنسان الروحي والمادي .. خلط من أسرار الله العليا يلازم الإنسان في أبدية الجنان أو في أبدية النار .. وعبثاَ يجتهد الزهاد في تجريد الجانب المادي ليكون الجانب الروحي فقط هو المتسلط القائم .. فلا يكون ذلك الأمر بدرجة الكمال .. لأنه يعارض مكونات الفطرة ويعارض أسرار خلط آدم .. كما عبثاَ يجتهد الشيطان وأعوانه في تجريد الصالحين من أبناء آدم من نعمة الوارد الأمين .. فلا يكون ذلك أيضاَ بدرجة الكمال .. فهناك من ينال رحمة الهداية من أبناء آدم فينساق مع مباهج الروح السامية العالية المشوبة بالعبادة والذكر والدعاء .. ليقترب من نعمة السماء ويبتعد عن مهالك الأرض .. ويتخلص من الكثير من جوانب ونوازع المادة .. تلك المادة التي تعني الجانب الثقيل في مكنونات وخلط آدم .. والإقرار بضروريات الخلط في سيرة خلق آدم يعني الإقرار بالمنطق السليم .. ذلك المنطق الذي لا يجادل بالإنكار المطلق لجانب من الجوانب .. كما لا يجادل بالتفضيل المطلق لجانب من الجوانب .. وقد يكون مثل ذلك التفاضل والإقرار مقبولاً ومنصفاَ في حالة الملائكة حيث الوجهة الروحية الصافية الخالية من نوازع المادة .. أما الإنسان فهو ذلك المخلوق من خلط المستحيلين .. ولا بد أن تلتقي الوجهتين لإكمال صورة الإنسان .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش