بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

أي ربيـع ذاك الـذي يفقــد الخيـرات ؟؟

كان يفقد القياس من أطلق الربيع على ثورات الشعوب .. وهو قد بالغ في التفاؤل بالدرجة البعيدة التي لامست أحلام بنات الخدور ..  والظن منه كان تحقيق أحلام هي في حقيقتها وجوهرها من أحلام اليقظة التي عادةَ تتحطم عند صخور الواقع .. وحين اشتعلت ثورات الربيع  كانت الناس قد بلغت مراحل بعيدة من الشقاء والمعاناة ..  مما تعني أن الساحات كانت مشبعة بكثافة بحالات اليأس والقنوت .. وكانت تقبل أية إشارات أو أحلام تعني الخروج من أعناق الزجاج ومن أنفاق الظلم والظلام .. فكانت ثورات الربيع العربي .. تلك الثورات التي كلفت الكثير من الأرواح الطاهرة النفيسة .. وكلفت الكثير من حالات الدمار ..  والجدل لم يقف عند حد الخلاص من سطوة الجلادين والجبابرة والمتسلطين .. ولكن أخذت الأحلام بعداَ من الخيال الذي يتنافى مع المنطق أو العقل أو الواقع  .. فإذا استثنينا نقطة التخلص من الطغاة والخروج من عنق الزجاجة كمرحلة نصر يستحق الاحتفال والأعياد فإن الباقي من الأحداث كلها نكبات واكبت الأيام .. وحسرات على شعوب تعاني الأمرين في غياب الاستقرار والنماء والرخاء ..  وحتى هذه الساعات فإن أشجار الربيع العربي لم نجد لها تلك الثمار الطيبة التي كانت مؤملة وكانت مرجوة .. والأحوال خالفت السنة التي تعقب عادةَ مواسم الربيع بالخيرات  ..   ونسأل الناس هناك كيف أحوالكم الآن  ؟ .. فيقولون نحن فقدنا الكثير حتى من ثمار الماضي .. تلك الشحيحة التي كانت متاحة رغم قلتها ..  والآن نحن نحصد الحنظل والعلقم بالجملة والقطاعي في ظلال الربيع !! ..  وتلك أقوال أصبحت شائعة بالوفرة في بلاد الربيع العربي .. والنفوس هناك تشتكي من الصدمة القوية التي أفرزتها الأيام بعد ذاك الربيع الذي أصبح هماَ وغماَ ..  والمحصلة أن الناس قد بالغت في أحلامها القرمزية .. وان الثورات لا توجد الإوزة التي تبيض الذهب ..  إنما الثورات تعني مرحلة ضرورية تماثل الجهاد الأصغر للخروج من مرحلة إزالة الرموز الفتاكة والدخول في مرحلة أخرى تماثل الجهاد الأكبر وهي مرحلة البناء والتعمير  ..  ولا يكون ذلك إلا بالإقرار بواقع الأحوال على الأرض .. تلك الأحوال التي لا تبنى بالأحلام والشعارات والفورات .. إنما تبنى بالتخطيط والبذل والعطاء ونكران الذات .. فإن أثمرت أشجار الربيع حنظلاَ وعلقماَ فهي محقة في عطاءها .. لأنها جاءت وساحاتها خالية من العقول الكبيرة التي تجيد التدبير وخالية من الحكم .. وهي ساحات مليئة بالأحلام التي تراود الأذهان .. تلك الأذهان التي تجيد الرسم في الهواء .. فساحات الربيع العربي لم تنال حقها الحقيقي من الجهد والعمل والكفاح الذي يعني التخطيط والمثابرة والبذل .. ولكن تلك الساحات أصحبت تمثل الشعارات الجوفاء الرنانة التي لها خوار مثل خوار عجل بني إسرائيل .. والناس نامت في ظلال الشعارات التي هي في حقيقتها نوع من السراب الخادع .. والتي تخدر النفوس بأحلام اليقظة ..   تلك الأحلام التي تمثلها أشجار الربيع ..  والظن منها أنها سوف تحصد في النهاية نعيم الثمار ..  ولكن هيهات هيهات أن تفي ثمار الأحلام .. ومضى قرن من الزمان وبعض الشعوب ما زال يؤمن بمصباح علاء الدين السحري الذي يلبي الأحلام ..  فنقول لهؤلاء وأمثالهم أفيقوا يا عالم من أحلام اليقظة واجعلوا الواقع خاماَ يستحق الصقل .. واجعلوا المستقبل جهداَ يستحق العمل والإنتاج .. وأقرنوا الشعارات بالواقع والعمل دون القول .. أزرعوا الأرض بالخيرات إذا كانت الزراعة ممكنة .. أو أصنعوا الحوائج إذا كانت الصناعة متاحة ..  أو نقبوا في الأراضي إذا كانت الأراضي تبذل وتعطي .. أو أفعلوا أي أمر يفيدكم ويفيد العالم من حولكم  .. واتركوا ما دون ذلك من هوامش الأحلام .. فأنها لا تتحقق بمسميات الربيع الرنانة .. والشواهد على أرض الواقع كثيرة .. فتلك دول العالم المتقدمة من حولكم تغطي حاجات الشعوب بإنتاجها في كل المجالات .. ومصانعها دائرة ليلاَ ونهاراَ طوال الأربعة والعشرون ساعة ..  وهي لا تنتظر الرخاء بالشعارات الجوفاء .. ولا تحلم بمسميات الربيع أو الخريف أو الصيف أو الشتاء .  

ــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 89 مشاهدة
نشرت فى 16 يناير 2014 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

802,013