بسم الله الرحمن الرحيم
الآيــات الكبـــرى في الإنســـان !!
العقل الإنساني يملك المساند ويتيح للآخرين من التسلق والوقوف على مسافات تمكن الحكم والقياس .. فهذا عاقل وذاك مجنون وذاك خبير وذاك جاهل وذاك غبي وذاك كذا وكذا .. فعقول الناس يمكن الحكم على قوتها ودرجاتها .. بل أكثر من ذلك يمكن الاجتهاد في تطويرها وزيادة مقدراتها بالتعلم والثقافة .. فيقال ذاك عالم صاحب عقل كبير .. أو ذاك جاهل صاحب عقل صغير .. أما خاطرة الإنسان فهي تلك المعضلة التي تمثل المستحيل البعيد .. والخاطرة هي ( السريرة ) .. وهي خاصية عميقة جداَ وبعيدة المنال .. ومن فوارغ الجدل أن يجتهد أي مجتهد في كشف أغوار الخواطر .. فذاك عمق مقدس يمثل خزانة أسرار النفس .. ولا تكون إلا لصاحبها .. وهي الخاصية العجيبة التي أوجدها رب العرش العظيم لتكون مساحة خالصة لصاحبها دون الآخرين .. فلا يقدر شخص أن يشارك آخر في خصوصية الخواطر .. وذلك مهما تقاربت عروة الصلات بالدم أو الرحم أو الرفقة المتلاصقة أو العشرة والأهلية .. وقد يجتهد المجتهدون بالتكهنات للوصول ومعرفة ما يجول في خواطر الآخرين .. ولكن تلك الاجتهادات لا يجانبها الصواب ولو بالقدر القليل ومهما كانت قوة ودقة تلك التكهنات .. وأمهر علماء النفس يعجز عن كشف ما يضمره الإنسان في أعماقه الخاصة .. بل الشائع أن علماء النفس يضعون فرضيات جزافية لصور اجتهادية يظنونها الأقرب للصواب المحتمل .. وهي قد تكون بعيدة جدا عن الواقع في عمق الخاطرة .. و( الخاطرة ) هي السريرة العجيبة الفريدة في الإنسان التي لا تقبل التعدي والوقوف عندها من الآخرين .. ولا يعلم أسرار السرائر إلا الله الخالق البارئ .. فهو الخالق الذي أوجد في الإنسان الكثير من الآيات .. وهناك من الجوانب التي تقبل المشاركة والتدخلات البينية .. كما تقبل التبادل والأخذ والرد بين إنسان وإنسان .. من عواطف وملامسات وخلافها .. إلا خاصية الخاطرة ( السريرة ) فإنها ملكية خالصة للإنسان صاحب السريرة .. وهي خاصية مراقبة ومسورة بأسوار لا تجوز للآخرين اجتيازها .. وسبحان رب العرش العظيم الذي أراد بحكمته أن يخصص للإنسان ساحة لتكون خالصة له دون الآخرين .. فيكون فيها هو السيد على أحكامه وعلى قراراته .. وصاحب الخاطرة في تلك الساحة هو حر يملك المجال المطلق للتحرك .. فهو المسئول الأول والأخير عن إرهاصات خواطره .. وذلك الخيار هو خيار الابتلاء في اتخاذ المواقف من الأفعال والأقوال والنوايا كيفما تحكم به السريرة .. والحكمة الربانية تستوجب العدالة في محاسبة نفس تخطو خطوتها من تلقاء نفسها .. تلك الخطوات التي تنتجها السريرة على مسئولية صاحبها .. ودون أن تقول عند الحساب كان هناك من يشاركني في السريرة .. فهو مسئول مسئولية كاملة عن خطوات سريرته .. والنفس لا تتحمل وزراَ إلا ما كان منها .. والذي يكون منها لا يكون إلا بإرادة حـرة في الخيار .. فهو يملك في ساحة ( خواطره ) خيار الإقدام أو الامتناع .. وهناك يوم سوف يكون لكشف السرائر ( يـوم تبـلى السـرائر ) أي يوم تختبر سرائر الناس .. فيظهر منها يومئذ ما كان في الدنيا مستخفياً ومستحيلاَ عن أعين الآخرين .. وبعيداَ عن مشاركة الآخرين في خطوات القرار .. ومن آيات الله الكبرى في الإنسان فإن موضع الخواطر في الإنسان هو من الأسرار الغيبية الكبيرة .. ولا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى .. والبعض يشير بأن موضع الخواطر في الإنسان هو في القلب .. والبعض يشير بأن موضع الخواطر هو في الصدر .. والبعض يشير بأن موضع الخواطر هو في الذهن .. والعلم في ذلك عند الله سبحانه وتعالى .. والذين يشيرون بأن الموضع هو القلب فيجب أن يكون لكلمة القلب معنى أوسع وأشمل حيث الكينونة التي تشكل أسرار الإنسان .. سواء تواجدت تلك الكينونة في الصدر أو في الذهن .. مع عدم ربط كلمة القلب بتلك المضغة التي تضخ وتنظم دورة الدم في جسم الإنسان .. فتلك المضغة تدخل ضمن حواس الإنسان العادية التي تقوم بواجب من الواجبات الوظيفية في جسم الإنسان .. وهي ذات خصائص مادية قائمة على الخلايا البشرية .. ووظيفة تلك المضغة محددة ومعلومة للغاية .. ولكن أسرار السرائر تتعدى المفهوم المادي الحسي كثيراَ .. فيجب عند الإشارة وربط موضع السريرة بالقلب أن يتعدى المفهوم مفهوم تلك المضغة الصغيرة التي رسالتها هي القيام بتنظيم الدورة الدموية في جسم الإنسان .. ليكون القلب بمعنى أكبر وأشمل في الصدر أو في الفؤاد أو في الذهن .
وبما أن أسرار الخواطر من المكنونات الخاصة جداَ والبعيدة عن التداول البيني فإن أي حدث يكون مشابهاَ في التفكير أو الواقع بين إنسان وإنسان يفسره البعض بأنه نوع من توارد الخواطر .. أي تطابق خاطرة إنسان مع خاطرة إنسان آخر .. ولكن ذلك التوارد هو في الغالب حركة عشوائية تقع في مساحات حرة بالغة الحرية وبعيدة المصداقية .. مثل موجة بحر في مكان ما من محيط العالم تشابه موجة أخرى في مكان آخر من المحيط لتكون الصورة مطابقة متقاربة .. ولكن التطابق يكون أسبابه حركة ذلك الريح الذي يأخذ نفس القوة ونفس الاتجاه .. بالرغم من أن التطابق قد يفقد نفس الزمان ونفس المكان .. وقد يحدث التطابق في نفس الزمان ونفس المكان ولكن دون إرادة مشتركة .. فإذن توارد الخواطر لا يعني مشاركة الخواطر مع بعضها وتعاضدها في إحداث الحدث .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش