بستـان دوحة الحروف والكلمات ! للكاتب السوداني/ عمر عيسى محمد أحمد

موقع يتعامل مع الفكر والأدب والثقافة والخواطر الجميلة :

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الهـدوء الـذي يسـبق العواصـف     !

ارتحلت نوارس البحر بعد أن أوجدت قيمة حزينة .. والصمت نال المراسي حتى غدت كالقبور  .. وتلك السفن توقفت في إذلال خامدةَ .. وظلالها تتماوج بوتيرة عليلة فوق سطح الماء  .. سطح الماء الذي يشتكي من الفتور والوهن .. ثم هناك نسمات من وقت لآخر تمر خفيفة عليلة تداعب سطح الماء فيتموج السطح باستحياء .. ثم تتشكل تلك الرقصات الباهتة لظلال السفن  .. فأين الحياة والصخب في الأرجـاء ؟ .. وأين شطحات الرياح التي تعودت لحظات الشغب والإزعاج ؟..  وأين تلك الأمواج التي تعودت أن تناطح برؤوسها أسطح الصخور عند السواحل  ؟؟ .. وأين تلك السفن التي كانت تمخر ليلاَ ونهاراَ تشق بمقدمتها صفحة الماء كالرمح وكأنها تفتح سسته الفستان ؟؟ .. ولماذا استكانت وتوقفت في هدوء مبالغ  ؟؟  ولماذا خمدت في جوفها هدير الآلات ؟؟ .. وأين سكان الأعماق في البحر حيث المخلوقات التي عادة تلفت الأنظار وتحدث الأصوات لتؤكد بأنها موجودة هناك .. وأين تلك الفقاقيع التي توحي بأن بالأسفل هناك مخلوق يتواجد ؟؟ .. ذلك التواجد الذي يوحي بسر من الأسرار التي تطرب الأذهان ..  فهل تلك الصورة الآنيـة المتوافقة للبحر هي حقاَ حية نابضة  ؟؟ ..  أم هي مجرد صورة لبحر في لوحة فنان قد علقت على الحائط ؟؟ .. ولماذا فجأة ينهار عالم البحر بالصمت ؟؟ .. فهل تموت البحار بالصمت والإذلال ؟ .. أم هي لحظات ترقب لجلل في كفوف الغيب ؟ .. فعجيب أمر البحار في بعض الأحيان أحوالها تماثل أحوال القبور في الصمت .. وكل عوالم الموجود في الكون لها حركـة ولها بركـة  .. إلا عوالم القبور فهي فقط التي تلتزم بوتيرة الصمت في كل الأحوال .. والقبور لا تعرف المواسم بالتبديل والتغيير  .. وكل جديد في أبوابها مجرد لحظات بعدها يذوب الجديد في عوالم البرزخ ذاك السر العجيب .. أما البحار فهي تلك الكريمة في العطاء .. اللاعبة المتلاعبة في معظم الأحيان ..  الباذلة للنعم من فيضها .. وليس من شيمتها الالتزام بوتيرة الصمت .. إلا إذا كانت النوايا غير حسنة  .. فهي تلك المعربدة المزمجرة في معظم الأوقات .. وسكوتها يعني الإيحاء بقدوم أمر خطير  .. وذاك البحر إذا التزم الصمت فذاك هو المخيف  .. فهو يعرف الكثير عن أسرار الهدوء الذي يسبق العواصف   .. فإذا تكلم البحر واجتهد بالثرثرة فأعلم أن في الأمر سلام .. وإذا سكت البحر وبالغ في الكتمان فالويل في قوادم الأيام .. فالخير في عبث البحر وضحكه وغضبه وهياجه وأمواجه .. فتلك كلها من علامات الاطمئنان الذي يثري رفقة البحار .. والشر في سكوت البحر ووجومه .. فتلك من علامات التحذير التي توجب الحيطة ..  حيث بعد ذلك تكون الهجمة الكبرى والعواصف الهوجاء والتيارات العنيفة .. وقد تحدث كوارث كبرى يجتهد الناس في تسميتها .. ( سونامي وغير سونامي ) .
         وهناك في عوالم البشر ما يحاكي صفات البحار ..  ونفوس الإنسان تتصرف كالبحار .. تملك السعة وتملك المقدرة العجيبة في تحمل المشاق .. تساير الحياة بالقدر المتاح وتتحمل الظروف .. فأحياناًَ تبكي وأحياناَ تضحك وأحياناَ تعربد وتزمجر .. وإذا نزلت النوازل تصبر ثم تصبر .. وإذا بالغت المحن تتحمل ثم تكتم وتكتم .. ثم تخزن المعاناة في أعماقها .. وقد تدخل في مرحلة الصمت الكبرى التي تعني مرحلة الهدوء الذي يسبق الغضبة الكبرى .. فإذا جاءت اللحظة الحاسمة فإن تلك النفوس تنفجر كالبركان مرحبةَ بالموت بالكيفية المتاحة .. ومن العبث الشديد بعد ذلك محاولة الوقوف أمام تلك النفوس الغاضبة الثائرة .. والتجارب والظواهر ليست بتلك البعيدة عن الأذهان .. والعالم شهد الكثير والكثير من ثورات النفوس المكبوتة .. فهي عاصفة وقاتلة .. ولها حمم كحمم البراكين تأتي على الأخضر واليابس .. فإذن الهدوء التام الذي يضمر الفورة الكبرى ليس بذاك المرغوب .

ـــــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد 

 

 

 

 

OmerForWISDOMandWISE

هنا ينابيع الكلمات والحروف تجري كالزلال .. وفيه أرقى أنواع الأشجار التي ثمارها الدرر من المعاني والكلمات الجميلة !!! .. أيها القارئ الكريم مرورك يشرف وينير البستان كثيراَ .. فأبق معنا ولا تبخل علينا بالزيارة القادمة .. فنحن دوماَ في استقبالك بالترحاب والفرحة .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 285 مشاهدة
نشرت فى 24 أغسطس 2013 بواسطة OmerForWISDOMandWISE

ساحة النقاش

OmerForWISDOMandWISE
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

764,709