بسم الله الرحمن الرحيم
الإنسـان ذلك المخـلوق !!
الإنسان .. ذاك المخلوق الذي يحمل المتناقضات .. أمره عجيب مع ربه الذي أوجده من العدم .. فهو تارة متكبر جبار .. وتارة متواضع منهار .. يخشى نفاذ الرزق فيركض ليناله حراماً أو حلالاً .. والرزق مكتوب له بقسم من الرحمن .. وأن الرزق لحق مثل ما أنهم ينطقون .. مأمور بالامتثال والطاعات .. ولكنه يداوم على المعاصي والمحرمات .. وقد يكون أشد عداوة لله .. والله في شأن أعظم من أن تناله العداوات .. وهو غني عن من سواه .. فلو صمد الأولون والآخرون في ديمومة عبادته تحت عرش الرحمن .. معفرين الجباه بالسجود والخضوع وبالطاعات ما زاد ذلك في ملكوت الله مثقال ذرة .. ولو أجتمع الأولون والآخرون اجتماع ند وحرب وتعاضد في نهج المعاصي والفجور ما نقص ذلك من ملكوت الله مثقال ذرة .. تعاظم شأناً وهو شديد المحال .. ينفق على الطائع وعلى العاصي إنفاق من لا يخشى النقص في خزائنه .. فلا يمن أحد بعبادته على الله .. ولكن الله يمن على العباد .. بل يمن على كل مخلوقاته بأفضاله وإيجاده .. والمحسن بالأعمال إنما يحسن على نفسه ولا إحسان منه لله .. فمن عمل صالحاً فلنفسه : يقول الله تعالى ( من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ) ( سورة فصلت آية رقم 46 ) . وقد يغفل قلب العبد كثيراً .. ويسرف في المعاصي .. ويجول ويخوض مع الخائضين .. متناسياً حكمة تواجده في الحياة حيث يقول الخالق : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ( سورة الذاريات آية رقم 56 ) . ومع ذلك يدوم عطاء الرب له بالرزق والنعم والإمهال .. رب عظيم بذاك القدر والإجلال .. وعبد ضعيف بذاك القدر من الإذلال .. ثم كان الإنسان أكثر شئ جدلاً .. يحاجج وما أوتي من العلم إلا قليلا .. وينازع ويقول ربي أهانني ولم يقدم من الطاعات شيئاً .. يتواجد في مواضع حيث منهي عن التواجد فيها .. ويتباعد عن مواضع حيث مطلوب أن يتواجد فيها .. وكم من لحظات عافية وقوة وسمع وبصر تمتع بها ولم يرفع الأكف بالحمد والشكر لله .. وكم وكم يترفل في نعم الله ثم يقضي الساعات والساعات ولم يكن منه لله فيها ذكر .. يصول ويجول في كون الله متناسياً أفضال الله عليه ويمر وكأنه غني عن الله .. وهو في أشد الحاجة إليـه .. ومع ذلك فالرزق من الله متلاحق والعطاء منه متواصل .. مخلوق ضعيف موكول أمره لله في كل صغيرة وكبيرة ولكنه يرى نفسه قوياً لا ينازعه أحد .. جاء للأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل .. يقول الله تعالى : ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) .
ومشيئة الله نالت زمراً من خلقه ليكونوا من المهتدين .. ونالت زمراً من خلقه ليكونوا من الضالين .. فنسأل الله العلي القدير أن يثبتنا على دينه .. وأن يوفقنا على طاعاته .. وأن يجنبنا عصيانه وتعدي حدوده .. ونقول أللهم أجعل ما بقي من العمر عبادة لك وسعادة .. وأختم لنا أعمارنا بالرضا وحسن المغادرة .. وأكسبنا خيار الأفضل في مراحل البرزخ حيث روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار .. ويوم لقاك أجعلنا فيمن تجاوزت عن سيئاتهم وأدخلتهم جناتك دون حساب أو عقاب .. ونحن نقر لك بتقصيرنا وكثرة ذنوبنا وتعاظم المعاصي في مسيرتنا .. ولكن رجاءنا في عظمتك وعظمة مغفرتك ومقدار كرمك يجعلنا نطمع في جنتك .. ويقيننا في رحمتك التي سبقت غضبك يجعلنا نتمسك بعروة بابك بشدة حتى لا تفلت أيدينا ونرمى في نار جهنم .
ــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسي محمد أحمد
ساحة النقاش