بسم الله الرحمن الرحيم
مـرض التقوقع في زوايــا التعصــب !!!!
لقد أتاح الله للإنسان حرية الحركة في الاتجاهات الخمسة ... ( يمين وشمال وغرب وشرق ثم فوق ) ... مع اتجاه سادس متاح بمشقة .. وبعد ذلك لا توجد حكمة في أن يحشر الإنسان العاقل نفسه في زاوية ضيقة ثم يبدأ في الدفاع عن تلك الزاوية !! .. وعجيب أمر ذلك الإنسان .. يرغب أن يحشر نفسه في زاوية ضيقة فيحارب من أجل الحصول على حق كان متاح له من قبل وبحرية تامة ... ثم يكافح ويناضل باجتهاد وعناد بليد !! ... هي قد تكون فطرة كامنة في نفوس البشرية منذ ملايين السنين .. وتختبي في متاهات الجينات .. فيختار القوقعة في داخل الخلزونيات بمحض إرادته .. ثم يبدأ في الدفاع عن تلك الزاوية باستماتة وتطرف شديد !!... وهو ليس مجبوراً أن يوجد ويكون له حمى خاص به ليدافع عنه فكرياً .. ولا نقصد هنا الدفاع عن موجودات الدنيا الفانية ... ولكن الدفاع عن الأفكار الإنسانية وهي وليدة تجارب ... قابلة للخطأ أو الصواب ... أما المعتقدات الذاتية فهي إما معتقدات منزلة من رب العرش العظيم .. وهي لا تحتمل أية اجتهادات بشرية بالتعديل أو النقض أو المناقشة ... ومع ذلك فالخيار متاح للإنسان بالقبول مع الثواب أو الرفض مع العقاب .. والأديان السماوية كلها تدعو لتوحيد الله مع مساحات متاحة للرفض أو القبول .. بالرغم من أن الله سبحانه وتعالى كان في إمكانه أن ينزل على الإنسان آيات ملزمة تظل الأعناق لها خاضعة .. ولكن حكمته قضت أن يكون للإنسان خيار الرفض أو القبول مع بيان نتائج العمل في الآخرة بالثواب أو العقاب .. أما النوع الثاني من المعتقدات فهو وليدة أفكار بني الإنسان .. وما أكثرها .. وتلك هي التي تجعل من معظم البشر أن يحشر نفسه في زوايا ضيقة من أجل الدفاع عنها ... ثم الاستماتة حتى آخر رمق .. وبتطرف وعصبية !! والعالم فيه الملايين من النظريات والمعتقدات والأفكار البشرية .. وهي نتيجة طبيعية وحتمية متى ما كان الإنسان يفكر ... ولكن الشئ الغير طبيعي والغير منطقي أن يحشر الإنسان نفسه في بوتقة فكر اجتهادي معين لمفكر .. أو معتقد تعبدي بشرى من جماعات ... ثم يظل يصوب الخطأ أو الفكر حتى آخر رمق !! .. وتلك كانت وما زالت مصيبة معظم البشر .. وخاصة في الأوساط ذات الثقافات المتواضعة أو الضعيفة .. ومتى ما رقي الإنسان فكراً وعلماً وثقافة يبدأ في التحرر والخروج من تلك الزوايا ... وينطلق في رحاب حرية الفكر السليم ... والبحث عن كل ما هو متاح من باكورات الفكر الإنساني دون أن يقدس ذلك الفكر بتطرف ... يل يأخذ المفيد منه ثم يبدأ البحث في اتجاهات أخرى .. ومتى ما رأيت إنساناً يتوقف عند زاوية من الزوايا الفكرية أو الإعتقادية الخاطئة ثم يتقوقع عندها فأعلم أنه قد أفلس فكرياً .. والعاقل الواعي فكرياً لا يجرب المجرب ولا يقيس المقيوس ولا يقدس فكر بشري يحتمل الخطأ أو الصواب ... ولا يقف عند نقطة تجارب الآخرين ثم يكبل ويقيد لديه الزمن والفكر .. فهو موجود جسدياَ وميت فكرياً .. ولكن الفطن الذكي اللبيب هو من يبدأ الخطوة من قمة تجارب الآخرين في الفكر السليم ثم يأخذ المفيد منه ليسعى إلى فكر آخر أفضل .. ومع ذلك فإن الزمن والتاريخ يقولان أن الإنسان منذ القدم كان بطبعه وما زال يحب أن يتوقف عند فكرة معينة ثم يتوقع عند نقطة ويتوقف عن قبول المزيد .. !! ثم يتعصب ويقاتل بطريقة فيها الكثير من علامات الاستفهام الذي يحير أولي الألباب .
ــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش