بسم الله الرحمن الرحيم
عالم المـاديات وعالم الغيبيات
العقل هو المعيار الفعلي في قبول ورفض وقياس المعطيات .. فإذا كانت تلك المعطيات في عالم الماديات فهو مجال متاح للعقل أن يقيس ويختبر وينقب .. ثم يصل إلى نتائج القياسات الفيزيائية والكيميائية والخواص للأشياء .. والعقل في ذلك قطع شوطاً كبيراَ في مراحل حضارية طويلة للإنسانية .. أما تعامل العقل الإنساني مع عالم الغيبيات فكان دائماً أمام خيارين .. إما التعامل مع الغيبيات بنفس معياره في عالم الماديات .. أو الاستسلام لواقع مجهول ولكن موجود .. وفي الحالة الأولى أثبتت التجارب أن كل المعايير والقياسات في عالم الماديات لا تنجح إطلاقاً كمعيار علمي ومنطقي لعالم الغيبيات .. لأن عالم الغيبيات مغيبة عن العقل كلياً بل أن العقل في حده الأقصى دون طموحات الغيبيات .. وفي جزء منه هو مادة في الأساس .. والعقل في عالم الماديات توصل بالدراسة والتمحيص بأن أعلى سرعة متوفرة حتى الآن هي سرعة الضوء ويعادل تقريباَ ( 300 ألف كيلومتر في الثانية ) ( 299792.458 كم /ثانية ) .. وهي سرعة كبيرة جداً بحيث أن الضوء في الثانية الواحدة يستطيع أن يدور حول الكرة الأرضية 8 مرات تقريباَ .. وهكذا استطاع العقل أن يقيس مواقع بعض الأجرام السماوية .. ووجد أن أقربها إلى الكرة الأرضية تبعد بمئات السنين الضوئية .. ذلك أقربها أما أبعدها نسبياً فتبعد عن الكرة الأرضية بآلاف المئات من السنين الضوئية .. مما يستحيل معه لأي كائن مادي مها كان أن يسافر إلى تلك الأجرام ثم العودة للأرض قبل مئات الآلاف من السنين .. بل وأكثر من ذلك كثيراَ .. وتلك قياسات متاحة ومقبولة في عالم الماديات .. ولكن في عالم الغيبيات يختلف الأمر كلياً .. ونحن عرفنا أن الجن بموجب منطوق القرآن الكريم كانوا يقتربون من السماء ثم يتخذون مقاعد للسمع ثم يعودون للأرض ليتحدثوا بأخبار السماء زيادة أو نقصاناَ .. فإذن إذا أخذ العقل قياسه المادي في ذلك سوف يصل إلى حقيقة أن الجن لديهم سرعات كبيرة جداَ تعادل ملايين المرات لسرعة الضوء .. ولكن هنا الخطأ ليس في المقدار والكم ولكن في المعيار نفسه .. ففي عالم الغيبيات المسافات لا توجد وإن وجدت ليست بذلك التعريف في عالم الماديات حيث أن المسافة هي البعد بين طرفين أو أكثر من المادة .. وكذلك الزمن ليس بنفس المقياس في عالم الماديات .. والزمن في عالم الغيبيات أمره في غاية الإبهام للعقل .. وفي جزء من الليل اسري بأفضل الرسل عليه أفضل الصلاة والتسليم ثم عرج به ليمر بالسموات السبع وحتى سدرة المنتهى ثم تقدم .. وقابل في ليلته تلك بعض الرسل وتحدث مع البعض ثم رأى الكثير من آيات الله .. ثم عاد إلى فراشه والليل ما زال يتمثل !! وهنا يقف العقل عاجزاً عندما يتبين له أن كل قياساته المادية لا تفيد .. وأن العقل بفطرته وتكوينه يريد أن يقيم قياساَ لأمور فوق طاقته من الأساس .. وسبحان الله الخالق البارئ .. وصدق الله حيث يقول ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .
ــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش