بسم الله الرحمن الرحيم
وفي الليــــل قتـلى !
أصــوات الليل !!!
أصبح الليل مشلولاَ بعد أن فقد النصف .. وبدأت خطواته تميل نحو سواحل الشمس .. وهو الليل قد أعطي الكثير والكثير من الصبر .. ثم أخذ ينكمش حجماً ويتضاءل حتى يخرج من كوة الفجـر .. ولديه الأسرى من خلائق الأسرار .. أجفان تنام في زنزانات السكون والوقار لتسترد الراحة للصدر .. وأجفان تلوذ بالليل ثم تشتكي من قلة النوم والسهر .. وبالجوار أصوات الليل تلك المستحيية من أضواء الشمس .. تقيم كرنفالاتها خلف ستار الظلام لأنها تقتدي بالستر .. وتلك مسارح الأصوات تلاحق الليل صياحاَ من لحظة الشمس حتى ساعة الصفر .. هنالك الأسرار والأسرار لمخلوقات تجاهر بالفخر .. ذلك العزف المنفرد لجندب أزعج الليل بطوله وقد بالغ في إطالة النشر .. ونعيق بوم تعود الإيحاء بالوقار رغم أنه يتململ بقلة الصبر .. ورفرفة أجنحة لوطاويط صماء تشق سماحة الليل بسرعة البرق .. وعقوقه ضفدعة أضنتها النداءات منذ مطلع الليل حتى مشارف الفجر .. تنادي رفيقاَ أبى أن يلبي ثم يجاهر بالطناش وبالصدود والجفاء .. ثم ذلك الصوت البعيد لكروان يشتكي الوحدة ويجاهر بالنداء .. يفقد الرفقة ويفقد الصبر ويفضح المشاعر بالبكاء .. قدم عرضاَ يليق بالمقام ثم يتعجب كيف لم يجد الاستجابة من الأحباء ! .. كان ينادي بصدق المشاعر وصوته يشق عباب الليل يطرب الخلائق بالأرجاء .. ولكن يبدو أن الرسالة لم تصل لأهلها عبر الفضاء .. أو أنها قد وصلت ولكن للآخرين رأي في ذلك اللقاء .. أو قد يكون ذلك القلب قد تبدل وأصبح يغرد مع سرب غير سربه من الرفقاء .. ولو صدق الحدس فإن الخل قد تنكر وخان عهود الوفاء .. تلك هي هواجس الليل .. وتلك هي المشاعر المبذولة من زمرة تعودت أن تعمر الليالي بالمناسك والإحياء .. فهي دائماَ تحطم سياج الوقار بأصواتها وتجاهر بالنداء .. وفي أصواتها وسيرتها نلتمس مرارة الأحوال حيث جفاء الأحباء .. وقد تعودت أن تشعل اللوعة في الأنفس التي تشتكي من الطناش والجفاء .
الآن بدأ الليل يرتحل .. وتلك الأصوات بدأت تتراجع وتنكمش ليختفي الأصحاب في الأوكار هروباَ من الأضواء .. وقد انفضت محافل الرقص والطرب والغناء .. وأسدلت ستائر المسارح التي كانت تزعج الفضاء .. وذلك الجندب بدأ الآن يتراجع ويتمهل في العزف ويتكاسل في العطاء .. يعزف بعد فترات متباعدة وقد تيقن أن عزفه لا يوافق الأهواء .. فالعيب قد يكون في اللحن أو في الأوتار أو في كلمات الغناء .. وأهل الليالي لا يتساوون في مقدار الحظوظ ومقدار الوفاء .. ففيهم من يحظى بالرفقة الحسنة حيث لحظات المودة والهناء .. وفيهم من يفني الليل بطوله مساهراَ ينتظر الخل فإذا بالخل لا يلبي النداء .. وفيهم من ينادي وينادي ثم تضيع نداءاته أدراج الرياح في الفضاء .. وفيهم من يعيش الأحلام في الخيال ويكتفي بطيف يغازل في الخفاء .. أسرار في غاية البراءة تحتفظ بها قلوب صغيرة عفيفة طاهرة عالية النقاء والصفاء .. وتلك سنة معهودة في خلائق الأرض حين تتخذ الليل ستاراَ يمثل الحجاب من أعين الرقباء .
ـــــــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش