بسم الله الرحمن الرحيم
فقـدت الكلمـــة في لحظــــة غفــــــــلة !!
قــــــــــال :
يا ليتني لم أفصح عن ذلك المكنون في الصدر .. ويا ليتني لم أفرط في ذلك المخزون .. فتلك كانت زلة لسان في غير موسمها .. وقد سقط السند عن سلة الحرص في غفلة العيون .. فتسابقت الأيدي في تناوله وتخطفه .. وكان ظني أن الكلمة مازالت تحت الغطاء في أمان .. ولكنها تواجدت في تناول الأيدي والأفواه .. فتلك العيون الخائنة كانت تترقب خلجات المزن لتسرق قطرات الندى قبل سقوطها على الأرض .. وكانت تقول في نفسها متى يتعثر ذلك القائل حتى ينال أشد العقاب ؟.. ويكفي أن حرفاُ واحداُ حين يصدر سوف يكون جديراُ في تطهير الأوراق والمستندات !.. وفي حين غفلة فقدت تلك الكلمة من ضمن المحتويات في سلتي .. ثم بحثت عنها يميناُ وشمالاُ فلم أجدها في عهدتي .. وحين سألت عن ضالتي وجدتها في كفوف الآخرين .. وجدتها تبكي وحيدة وقد مزقتها الأيدي بكثرة الإشهار !.. وما كنت أتخيل يوماُ أن الكلمة سوف تحال للمحاكمة والقضاة ثم تنال تلك الإدانة بالإجماع !.. ثم كانت بعد ذلك التراشق بالألسن كالتراشق بالحجارة والحراب .. وكل ذلك الأمر قبل أن تدعي الكلمة تلك النبوة !.. فكيف إذا أدعت النبوة وقالت قولها في وجه النهار .. ولكن كانوا يبحثون عن أسباب تبيح للكلمة أشد العقاب .. وقد وجدوا تلك المبررات في كلمة تعني فصل الخطاب .. لقد مزقوا تلك الكلمة إرباُ بالقدر الذي يطابق القياسات ويمشي معهم في مشوار الحساب !.. وجعلوها توافق تلك الأمزجة والأهواء .. وتلك صورة تؤكد خبث الخلائق حين يريدون الأذية بالأبرياء .. أمم تعشق التجريح بالذم قبل ذلك المدح والثناء .. كما تعجبها ذلك الترحال بالأقوال عبر السهول والقفار .. وتجيد المكر والدهاء بذلك القدر الذي يطابق القياسات بالأمتار .. وتلك الكلمة قد مثلت لغماُ يمشي فوقه الكثير من هؤلاء الأبرياء الأحرار .. والعلل لا تكمن في ذات الكلمة ولا تكمن في ذات الأبرياء ولكن تكمن في هؤلاء الخبثاء .. ومع كل ذلك فإن الذي جرى قد جرى بفرية الاستهتار .. ولا يمكن للزمن أن يعود أدراجه للوراء .. والمثل يقول أن القذائف التي تغادر أفواه البنادق لا ترتد بعد الإطلاق .. ولكنها قد تصيب وتخرس الآذان بأصواتها تلك والأصداء !.. وكل من يتواجد في الساحة قد يصاب بالصمم في أكثر الأحيان .. ولذلك فإن العاقل هو من يفكر ملياُ قبل أن يطلق العنان للسان .. ومن الخطأ الجسيم أن تتواجد الكلمة في الأرحام من الأساس .. فتلك الأسرار لا تكفي أن تصان بمجرد الغطاء .. إنما الأسرار تصان حين يتجرد المرء عن تلك النوايا في السراء والضراء .. وفي هذا العصر العجيب فإن الخلائق تستطيع أن تقول عنك قبل أن تقول أنت حرفاُ في الكتمان !.. قال أحدهم ساخراُ : ( لقد قلت قولاُ في المنام ثم صحوت من المنام لأجد من يردد قولي مجاهراُ في الأعيان !! ) .. فكأني لا أملك تلك السريرة ولا أملك خاصتي من الأسرار !.. فذاك العصر هو عصر يتلاعب بالخصوصيات ومقدسات الأفكار .. فيا عجباُ ويا عجباُ من عصر فيه يسرقون الكحل من أعين الأبرياء .
ساحة النقاش