|تحتل أخبار تسريبات الوثائق التي أعلن عنها موقع الويكيليكس , الخبر الرئيس في كافة صحف وقنوات العالم الإخبارية في ظاهرة لا نملك القول فيها .. إلا أنها غير مسبوقة .
تكمن أهمية الظاهرة في حجم هذه الوثائق , والتي تقدر بالملايين , والمكان الذي تم تسريب الوثائق من أجهزته , ونقصد بالتحديد .. أجهزة الدبلوماسية الأمريكية ومن لهم علاقات بهذه الأجهزة حول العالم .
ما يهمنا في هذا الصدد ليس محتوى هذه الوثائق , على الرغم من أهمية هذه المسألة , ولكن الأهم هو التوقيت ونوعية المعلوملت التي سربت , وإختيار نوعيتها ضمن التوقيت المذكور ,وما هي الآثار المترتبة على هذا النشر الإلكتروني .. الذي طال العديد من الشخصيات السياسية المحورية حول العالم , مما شكل مادة جدلية للمهتمين لمعرفة طبيعة العلاقة بين هذه الشخصيات السياسية في بلادهم , وبين الولايات المتحدة الأمريكية , الدولة التي تتحكم بالبلاد وبالعباد في
قريتنا العالمية الكبيرة .
ولأنني من الأشخاص الذين لا يؤمنون بالصدفة في العمل السياسي الإستراتيجي , وأن مخططات الدول العظمى لحماية مصالحها ومصالح حلفائها حول العالم , لهو أمر مبرر
ومشروع , وذلك من خلال وجهة نظر الأقوى والأقدر , أقول .. أنني أؤمن بأن ما يحدث من خلال هذه الضجة الإعلامية , لهو عمل مخطط ومدروس بحنكة ودهاء منقطع النظير , كان قد
حدث في السابق , ويحدث الآن , وبأسلوب العصر والعولمة الحديثا العهد . ولفهم الأسباب التي أدت بي لهذا الفهم , قمت بطرح مجموعة من الأسئلة المشروعة , والمبنية على منهجية البحث والتقصي العلمي , وكانت كالتالي :
ما هو الويكيليكس ؟ متى تأسس هذا الموقع ؟ من هم المؤسسون ؟
ما هي الخلفية العلمية والعملية لهؤلاء المؤسسين ؟ أين يقع مقر هذا الموقع ؟
أين هذا الموقع وقوانين النشر والإعلام وعلاقة ذلك بسرية المعلومات وشرعية تسريبها ؟
من هو المتضرر من نشر هذه التسريبات ؟ من هو المستفيد من هذا النشر ؟ ما هي تداعيات هذا النشر على الجمهور المهتم وبشكل عام ؟
من خلال طرحي لهذه الأسئلة ومحاولة البحث والتقصي للحصول على الإجابات الشافية , وصلت للتحليل الذي ابتدأت به , وهو إنعدامية الصدفة ودقة التخطيط . ولن أقوم بالإجابة على
كل سؤال , على حدة , فالإجابات موجودة على الشبكة الإلكترونية العالمية , ويمكن الحصول عليها بسهولة ويسر من خلال عملية بحث بسيطة , ولكني سأقوم بإختصار بسيط لهذه المعلومات ,
مركزا على بعض النقاط التي تدعو للتساؤل والوقوف على تفسيرها وتحليلها . ظهر موقع الويكيليكس في عام 2007 وبعد تجهيز دام السنة تقريبا , والموقع غير ربحي ويهدف للمنفعة
العامة وإطلاع المهتمين حول العالم على معلومات تعتبر مادة سبق صحفي , وذلك لجذب الإهتمام ومخاطبة الفضول . مؤسسوا هذا الموقع من الذين لم يكملوا تعليمهم الجامعي , ولم يكن
لهم تاريخ صحفي أو إعلامي يذكر , إلا أنهم مسلحون بخبرة ممتازة في عمليات البرمجة وفك طلاسمها مما أهلهم أن يكونوا من الهاكرز ( قراصنة النت ) المهمين حول العالم .
والغريب في الأمر أن هؤلاء المؤسسين كانوا من دول شتى , الصين .. أستراليا .. الولايات المتحدة .. جنوب أفريقيا .. ومن مجموعة من المتخصصين في الرياضيات والصحافة وناشطي
المجتمع المحلي , على الأقل هذا ما ذكر في محركات البحث العديدة . حاز الموقع خلال عامي
2007 - 2008 على جوائز عديدة من صحيفة الأيكونوميست ومنظمة أمنستي الدولية حول تقارير
سربت عن مواضيع تخص حقوق الإنسان في كينيا , ثم تلى ذلك نشر وثائق عن أفغانستان والعراق وفي معظمها كانت تتحدث عن قوات التحالف الدولي في تلك المنطقتين , وبالتحديد القوات
الأمريكية , واستقطبت بالتالي مزيدا من الإهتمام وتركيز الضوء عليها .
المثير أن هذا الموقع كان قد أعلن إفلاسه أواخر العام 2009 , ليعلن أيضا نيته بالتوقف بسبب النقص في التمويل والتبرعات التي ترده من خلال مواقع التبرع والدفع العالمية الشهيرة , إلا
أن إدارة الموقع , وبشكل مفاجئ , أعلنت في بداية سنة 2010 إستمرارها في العمل , كونها قامت بحل أمور التمويل والدم النقدي ؟؟ هكذا وبدون أي تفسيرات أو تلميح حول الجهة الداعمة
والممولة ....!!! استطاعت ويكيليكس إستحواذ الإهتمام العالمي بشكل أكبر وأعظم حينما أعلنت إدارتها أنها حازت على أكثر من مليوني وثيقة سرية تخص المراسلات الدبلوماسية الأمريكية بين سفاراتها والمركز , والتي تحوي محادثات تمت بين سفراء وموظفي سفارات أمريكية وبين
شخصيات سياسية مهمة في بلدانها , مما أثار فضول المهتمين حول العالم ومنهم بالطبع عالمنا العربي , الذي يعاني الأمرين في سبيل الحصول على المعلومة , مكبلا بالكثير من القوانين
والإجراءات القانونية التي تعيق هذه المسألة , مما جعل موقع الويكيليكس والجهات التي تبنت المساهمة في نشر محتويات هذا الموقع , والقيام بترجمة هذه الوثائق ونشرها فورا ودون رقابة
أو تقصي لحقيقة ومصداقية هذه المعلومات , أمرا مثيرا ومشوقا ... ومستغربا للبعض الآخر .
احتوت هذه الوثائق معلومات كثيرة عن آراء لسياسيين حول العالم عن رأيهم في مسائل تخص بلدانهم وبلاد الجوار , وكان جل هذه المعلومات يخص المنطقة العربية وسياسييها والمشاكل
والملفات العالقة هنا وهناك , وفيما يختص بالملف الأيراني والعراقي وأحزاب لها علاقة كحزب الله وحركة حماس ... وهكذا , الكثير من هذه المعلومات التي لا تكاد تكون سوى دردشات وصالونات سياسية جمعت سفراء وسياسيين .. وكما أسلفنا . الملفت للنظر .. أننا لم نقرأ أو نسمع عن دردشات جمعت سياسيين إسرائيليين مثلا !! ولا نعلم بالطبع أننا سنقرأ ما يخص هذا الموضوع لاحقا !!
المثير أيضا .. أننا لا نرى إلا شخصا واحدا يمثل هذا الموقع وهو .. جوليان أسانج .. القرصان الإلكتروني السابق والذي حوكم سابقا في بلده أستراليا , والذي يتحدث أمام الإعلام المرئي
والمسموع وبشكل واضح وصريح , في شكل درامي يحمل مواصفات التشويق والإثارة معا , ليصبح بطلا دوليا وشخصية إعلامية بارزة تتحدث عنها كل وسائل الإعلام حول العالم ..
وهكذا يصنع الإعلام بطلا آخر ...!!!!
من الواضح أن هذه التسريبات حققت هدفها عالميا وعربيا , فالإعلام العربي إنشغل بها أيما إنشغال , في موازاة لأمور أكثر أهمية تحدث هنا وهناك , كالإنتخابات النيابية في مصر ,
حصار غزة , التشكيل الحكومي في العراق , المسألة اللبنانية المتوترة , الإستفتاء الإنقسامي في السودان , وبالطبع الموضوع الإيراني .
النتيجة , المزيد من التشكك في مصداقية سياسيي هذه الدول , وتعميق الفرقة والتشرذم بين هذه الدول .. وفي هذه الدول , من ناحية أخرى , تسليط الضوء على التجاوزات الأمريكية العسكرية في العراق وأفغانستان , وشبهة تواجدها في المنطقتين , هذا في موازاة أزمة إقتصادية أمريكية خانقة , بل وأزمة سياسية للحزب الديمقراطي الحاكم , الذي يفقد شعبيته يوما بعد يوم .
إلا أن المثير في الأمر , أن هذه التسريبات , فيما يخص أمريكا , يتخذها الحزب الديمقراطي كذريعة لفشل الحزب الجمهوري في إدارته , سواء في العراق أو أفغانستان , كيف لا وهو الذي
ورط الولايات المتحدة في هاتين الحربين اللتان لا يتفق عليهما الحزب الديمقراطي , على الأقل بالأسلوب والإستراتيجية البعيدة المدى .
هنا تتحقق الفائدة العظمى من هذه التسريبات .. حجة قوية للحزب الديمقراطي بأنه على حق وأنه لابد من إدارة هذه المسائل حسب طريقته ورؤيته , دونما أي إتهام من الجمهوريين سوى
إخفاق للديمقراطيين بعدم حماية هذه المعلومات التي تم تسريبها ...؟؟؟ الفوضى عنوان المرحلة ..
خلق حالة من الفوضى التي تعيد ترتيب التحركات التالية , سواء في الولايات المتحدة أو عند حلفاءها في العالم والشرق الأوسط , وخلق مبررات جديدة , ضمن حالة التوتر الحاصلة من
خلال تسريب هذه المعلومات والتخوف المتأتي مما سينشر أو يسرب لاحقا .... إن كان هذا الأمر
سيحث فعلا ؟؟؟؟؟؟ الولايات المتحدة الأمريكية قامت بحجب الموقع بأمريكا , وتحاول دول
عدة فعل الشئ ذاته ....
جوليان أسانج يهرب إلى سويسرا أو آيسلاند لضمان حريته في النشر , رغم أن مقر النشر الإلكتروني يقع تحت الأرض في ملجأ مخصص للحروب في السويد !! وتتوالى الأحداث ..
السويد تحاكم أسانج بتهمة التحرش الجنسي أو الإغتصاب التيرفعتها على أسانج سكرتيرته الخاصة .. التي اتضح أنها كانت تعمل سابقا لدى وكالة الإستخبارات الأمريكية ...!!!
أسانج يقيم في بريطانيا .. السلطات البريطانية تلقى القبض عليه ضمن إطار القضية المقامة عليه في السويد ... بريطانيا لم تسلم أسانج للسلطات السويدية حتى هذه اللحظة ... !!
ناشطوا المجتمع المحلي والإعلاميون في العالم يتظاهرون للإفراج عن أسانج ..
ترى هل سيحاكم أسانج بالتهمة الموجهة إليه ؟ ..
أم أنه سيختفي إعلاميا وقانونيا .. معتقلا في بريطانيا ؟ .. هل هو معتقل فعلا ..
أم أنه تحت الحماية .. ؟؟
النتيجة ... فيلم مثير ومشوق من طراز .. فيلم ماتريكس .. الهولويودي الشهير ...
ولا يسعني أن أقول في النهاية سوى ... برافو للكاتب والمخرج
المصدر: مقالات الهدف - http://www.al-hadaf.org
نشرت فى 17 ديسمبر 2010
بواسطة Naseem
عدد زيارات الموقع
330,787
ساحة النقاش