نظرية التعلم الاجتماعى (1) :

تعد نظرية التعلم الإجتماعى من النظريات الهامة التى تفسر مصدر الضبط ( الداخلى الخارجى لدى الآنسان ) وقدمت رؤى تفسيرية مختلفة افترضت " من خلالها جوليان روتر Rotter , 1966 " أن الأفراد تنمو لديهم توقعات عامة تبعاً لمدى استطاعتهم التحكم فى أحداث الحياة ، حيث يوجد أفراد يدركون أن أفعالهم وطريقة عملهم وخصائصهم الدائمة نسبياً تؤثر فى شكل معيشتهم وطريقتها ، فهم يعتقدون بأنهم أسياد على أقدارهم ويتحملون مسئولية ما يحدث لهم ، وهؤلاء يطلق عليهم فئة التحكم الداخلى ، بينما الأفراد الذين يدركون أن أسلوب معيشتهم وطريقتها لا حول ولا قوة لهم فيها ، فهم يعتبرون أنفسهم مخلوقات تتحكم فيها قوى خارجية لا يستطيعون التأثير فيها وهؤلاء يطلق عليهم فئة التحكم الخارجى .

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) Social Learning

        وقدم " روتر Rotter " أربعة متغيرات أساسية فى نظريته للتعلم الاجتماعي والتي أنبثق منها مفهوم التحكم (الداخلى – الخارجى) والصياغة الأساسية لمعادلة السلوك فى هذه النظرية هى إمكانية حدوث سلوك ما فى موقف نفسي معين ، هـو دالة أو وظيفة للتوقع بأن هذا السلوك سوف يؤدى إلى تعزيز معين فى هذا الموقف .

        وتعد نظرية " روتر Rotter , 1954 " فى التعلم الاجتماعي من أهم المحاولات التى أخذت على عاتقها استكمال أبعاد نظريات التعلم التقليدية التى أغفلت دور متغيرات هامة وجوهرية فى حياة الإنسان كالتوقع ، والإدراك الذاتي ، والواقعية ، والسياق أو الوسط الاجتماعي الذى يحيا فيه الفرد ، فى نفس الوقت حاولت تجنب استخدام المصطلحات الغامضة أو الفضفاضة ، التى تتسم بها النظريات التحليلية بصفة عامة ، وبمسعاها هذا فإنها قد جمعت فى داخلها الخطوط المتنوعة للنظرية السلوكية والنظرية المعرفية ، ونظرية الدافعية ونظرية المواقف فى إطار متكامل مطرد وثابت .

        كما يتحدد سلوك الفرد فى ضوء نظرية التعلم الاجتماعي بأهدافه ، فالسلوك يتصف دائماً بالأتجاهية ويستجيب الفرد للسلوك الذى يتعلمه من خلاله أنه سوف يؤدى إلى إشباع فى موقف معين ويربط كل فرد تدريجياً بعض موضوعات الأهداف والظروف الداخلية المعينة بإشاعات غير متعلمة أو موروثة ، فالأوضاع مثلاً يشبع الطفل فى أول الأمر ، ثم يصبح وجود الأم نفسها سبباً فى سروره ، وبعد ذلك يحاول الفرد أن يقوم بالأمور التى تحبها الأم ، وينتهي الأمر أخيراً فى غياب الأم بأن يجد الفرد إشباعاً فى تحقيق الأعمال المحببة إليه المرتبطة بالماضي .

 

        والدوافع النفسية ، تمييزاً لها عن إشباعات الفرد غير المتعلمة والتي تقوم على أساس بيولوجي ، هى نتيجة الخبرة وليست نتيجة الغريزة ، وتنشأ بالتدريج لدى كل فرد مجموعة من الدوافع أو الأهداف التى تتضمنها لحاجة نوعية ، كلما أمكن التنبؤ بأنماط السلوك أو الأهداف ، وكلما كان المفهوم عاماً أو عريضاً أو شاملاً كلما تضاءلت دقة التنبؤ بسلوك معين من سلوك آخر .

        ويفترض فى نظرية التعلم الاجتماعي أنه حينما يدرك الكائن الحي موقفين باعتبارهما متشابهين ، فإن توقعاته لنوع معين أو ضعف خاص من التدعيمات فى موقف منهما سوف تعمم إلى الموقف الآخر ، وهذا لا يعنى أن التوقعات سوف تكون هى نفس التوقعات فى كلا الموقفين ، ولكن يعنى أن التغير فى التوقعات فى الموقف الأول سوف يكون لها تأثير ولو ضئيل على التوقعات فـى الموقف الثاني ، وتحدد التوقعات فى كل موقف ليس فقط بالتوقعات النوعية أو الخاصة (1) فى هذا الموقف ، ولكن إلى حد ما بالتوقعات فى المواقف الأخرى التى يدركها الفرد باعتبارها مواقف متشابهة .

        واختصار لم سبق ، فإن إمكانية حدوث سلوك ما ، أو مجموعة من أنواع السلوك فى موقف معين تعتمـد على توقعات الفرد بأن السلوك سوف يؤدى إلى هدف أو إشباع معين ، وعلى قيمة الإشباع بالنسبة له ، وعلى القوة النسبية لإمكانات السلوك الأخرى فى نفس الوقت ، وقـد استطاع " روتر وزملاؤه Rotter , et al , 1972 " تبسيط نظرية التعلم الاجتماعي من خلال المعادلة التالية :

 


NP = FM and NV

 

      ويقصد بهذه المعادلة أن طاقة الحاجة (2) (NP) تكون دالة بحرية الحركة (3) (FM) وقيمة الحاجة (4) (NV) .

 

        ويقصد بجهد الحاجة مجموعة السلوكيات الصادرة من الفرد التى تؤدى إلى أنواع مختلفة من التغيرات (حرية الحركة) وتقوية تلك التعزيزات (قيمة الحاجة) .

        ويشير " روتر وزملاؤه Rotter , et al " إلى أن السلوك يختلف باختلاف الموقف ، وإذا كان الأمر غير ذلك فلا مجال لمنافسة الشخصية كمركب أو كمجال للدراسة .

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) Specific Expectancies

(2) Need Potential

(3) Freedom of Movement

(4) Need Value

تعقيب :

        تعد نظرية التعلم الاجتماعي هى الأساس الذى اشتق من خلالها مفهوم وجهة الضبط (الداخلى – الخارجى) حيث أنها أوضحت رؤية مستقبلية لا يمكن إغفالها ، من خلال اهتمامها وتناولها لمتغيرات هامة وجوهرية فى حياة الفرد لم يسبق لها اهتمام وسرد من قبل .

 

        ويشير الباحث إلى أنه يمكن النظر إلى أهمية نظرية التعلم الاجتماعي ، فى أنها تساعد الفرد على فهم وتفسير الأحداث بصورة دقيقة ، فيرى الباحث على سبيل المثال ، أن هناك نوعان من الثقة بالنفس يكتسبهم الفرد من خلال عملية التعلم الاجتماعي وهما :

1-         الثقة بالنفس السلبية .

2-         الثقة بالنفس الإيجابية .

 

        وينظر الباحث إلى الثقة بالنفس السلبية المتعلمة بقوله عندما تتحول الثقة بالنفس إلى خصم ، ويفسر ذلك أنه فى ضوء المتغيرات المتعددة ، يعتمد الكثير من الأفراد ذوو القدرة الفائقة والذكاء المرتفع والفكر الواعي ، وأصحاب الموهبة المختلفة والأسماء اللامعة والشخصيات البارزة ، والأندية المرموقة والمنتخبات القدوة ، والأبطال السابقين والدول المتقدمة ، والأوائل فى مختلف المجالات ، والسادة أصحاب القرارات أنهم أصحاب رؤية صادقة وأكثر خبرة وتوقعاً .

 

        وكل ذلك فى ضوء تاريخهم السابق وإنجازاتهم الماضية فقط ويشتركون فى المسابقات والقرارات والبطولات والدراما ومختلف الآراء وغيرها من الأحداث ، سواء كانت على المستوى الداخلى أو الخارجى ، بمجرد أسماءهم اللامعة والمشهورة فقط ، دون بذل جهد ، ودراسة متعمقة ، وتوقع تفوق المنافس ، بل يحتقره من خلال رؤيته الذاتية متعمداً فيها على نتائجه المتميزة السابقة فقط أى من خلال رؤيته لنتائجه وقراراته مقارنة بتاريخه الإنجازى الماضي .

 

        وفجأة يجد الكثير أنهم أصبحوا ضحايا لثقتهم بالنفس السلبية ، عندما تحبط أفكارهم وتنقد أعمالهم ، وتهزم خططهم ، وتفشل طرقهم ، ليصبح الأبطال فى قاع المنافسة ، وينحدر التوقع ليصبح بدون أساس ، وتتحول الحقيقة إلى حلم ، والخيال إلى وهم والفوز إلى هزيمة والتفوق إلى فشل والقوة والنفوذ إلى ضعف ، والكلمة المسموعة إلى صوتاً خافتاً ، والنور إلى ظلام والغنى إلى فقر والسعادة والفرحة والبهجة إلى حزن وضيق وأسى ، كل ذلك فى ضوء اعتناق الكثير من الأفراد وخاصة ذوى التاريخ المشرف والمستوى المرتفع والأسماء اللامعة للثقة بالنفس السلبية .

 

        ويمكن من خلال ذلك العرض لمفهوم الثقة بالنفس السلبية أن تكون نظرية التعلم الاجتماعي رؤية مستقبلية واضحة تفيد هؤلاء الأفراد من خلال ملاحظتهم لأقرانهم أو غيرهم ضحايا الثقة بالنفس السلبية ليتمكنوا بذلك من هذا الخطر الذى يصادفهم يوماً ما فى حياتهم من خلال تعلمهم أساليب الوقاية من الثقة بالنفس السلبية لتصبح إيجابية وذلك فى ضوء تفسيرهم الجيد لنظرية التعلم الاجتماعي .

 

        أما مفهوم الثقة بالنفس الإيجابية فيمكن النظر إليها على أنها أساس التفوق والإنجاز والإبداع والتحدي والإصرار ، على تحقيق الطموحات والأهداف والأحلام وتحويل الحلم إلى حقيقة والظلام إلى نور والحزن إلى فرح ... الخ من خلال الثقة بالله أولاً والثقة بالنفس وبذل الجهد وعدم اليأس ، حيث يتخذ الفرد أفراداً قدوة له استطاعوا أن يصلوا إلى نهاية الطريق وأن يحولوا الحلم إلى حقيقة من خلال التدريب الجيد والجهد المبذول والتخطيط السليم باستمرار حيث لا يعتمد الفرد على أسمه وشهرته بل يعتمد على الله أولاً تم يبذل قصارى جهده .

 

        ونحن نرى اليوم أبطالاً استطاعوا أن يكتبوا أسمائهم بحروف من ذهب ويظلوا خلوداً للتاريخ يسجل إنجازاتهم والناس لن تنساهم ويصبحوا قدوة يقتدى بها ، وفى مجتمعنا أسماء لن ينساهم التاريخ استطاعوا أن يكونوا نموذجاً مشرفاً بالإصرار والتحدى والإيمان بالله سبحانه وتعالى ، أن يكتبوا أسمائهم بشعاع من النور فى مختلف المجالات ،

المصدر: جزء من رسالة ماجستير للباحث ناجى داود إسحاق السيد
Nagydaoud

مع اطيب امنياتى بحياة سعيدة بناءة من اجل نهضة مصر

  • Currently 42/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 1870 مشاهدة
نشرت فى 22 مايو 2011 بواسطة Nagydaoud

ساحة النقاش

دكتورناجى داود إسحاق السيد

Nagydaoud
هدف الموقع نشر ثقافة الارشاد النفسى والتربوى لدى الجميع من خلال تنمية مهارات سيكولوجيا التعامل مع الاخرين ، للوصول إلى جودة نوعية فى الحياة مما ينعكس على جودة العملية التعليمية مما يساهم فى تحقيق الجودة الشاملة فى شتى المجالات للارتقاء بوطننا الحبيب ، للتواصل والاستفسارات موبايل 01276238769 // 01281600291 /nnng75@hotmailcom »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

860,529