وقفة مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الحمد لله، وصلى الله وسلم على عبده ورسول الله محمد, وبعد:
فلقد فازت هذه الأمة بالخيرية المطلقة, وارتقت أرفع قام بين الأمم بفضل إيمانها بالله تعالى ثم بقيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ [آل عمران:110]، ولأهمية هذا الوصف قدمه الله على الإيمان، وجعله كالتوطئة له، بل وأمر به فقال سبحانه: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:104]. وقال عز وجل: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة:71]، وقال تعالى مخاطباً نبيه عليه الصلاة السلام:﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:199]، فكان ذلك هديه صلى الله عليه وسلم, حتى أمر به أمته فقال: «ما من نبٍي بعثه الله في أمةٍ قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون؛ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»(1).
وكل ذلك يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دعائم الإيمان، ومقومات هذا الدين، ومن وسائل انتشاره.
شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
لكي يحقق الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر النتائج الطيبة وينجح في مهمته فلا بد أن تتوفر فيه الشروط التالية:
1- العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينها، ولا بد من العلم بحال المأمور، وحال المنهي.
2- أن يأتي بالأمر والنهي على الصراط المستقيم.
3- أن يكون الآمر حليماً صبوراً على الأذى.
فلا بد من توفر هذه الثلاثة: العلم والرفق والصبر. العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه, والصبر بعده"(2).
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثلاث مراتب بيّنها النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: «من رأى منكم منكراً، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(3).
تنبيهٌ مهم:
جملة: «مَنْ رأى منكم منكرًا فليغيره» تدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على من حضره أو علمه, فكما أنه لا يعذر في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان مستطيعاً, فكذلك ليس لأحدٍ أن يمنعه من القيام به، ومع ذلك فله في التغيير ثلاث مراتب بحسب الاستطاعة.
الأولى: التغيير باليد فيما كان ظاهراً من المنكرات وتيسرت إزالته. وهذا بأعلى المنازل، وأفضل الدرجات، ويتأكد في حق الولاة من أصحاب الولاية العامة، كالأمراء والعلماء، أو رجال الحسبة، وأصحاب الولاية الخاصة، كالآباء ونحوهم. وتغيير المنكر هو في نفس الوقت أمر بالمعروف، وقد وقعت حادثة طريفة للحافظ عبد الغني المقدسي رحمه الله فقد "جعلت الملاهي في طريقه ذات يوم، فجاء الحافظ فكسر شيئاً كثيراً, ثم صعد يقرأ الحديث، فجاء رسول القاضي يأمره بالمشي إليه ليناظره في الدف والشباّبه. فقال: ذلك عندي حرام، ولا أمشي إليه، ثم قرأ الحديث، فعاد الرسول وقال: لا بد من المشي إليه، أنت قد بطّلت هذه الأشياء على السلطان، فقال الحافظ: ضرب الله رقبته ورقبة السلطان، فمضى الرسول"(4).
المرتبة الثانية: الإنكار باللسان إذا تعذر عليه إزالة المنكر، أولم يستطع تغييره بيده، أو رأى أن من الحكمة الاكتفاء بالقول. وقد يتيسر ذلك لكثير من المسلمين، وذلك لتعدد طرقها ووسائلها من كتابةٍ وخطابةٍ وتعليمٍ ونصحٍ وإرشادٍ ونحو ذلك.
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب, وهو كراهة المنكر, ومفارقة محله, وهجر أهله على الوجه الذي تحقق به الحكمة.
خطر التهاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
يجب الحذر من التهاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن التفريط في هذه الشعيرة من أسباب تعرض الأمة لسخط الله، فقد أخبر الله تعالى عما حل ببني إسرائيل لما عصوا الله وتركوا التناهي عن المنكر والأمر بالمعروف فقال سبحانه: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ [المائدة:78-79].
ومن عواقب التهاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الحرمان من استجابة الدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم»(5)، وقال: «والذي نفسي بيده! لتأمُرُنّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنَّه فلا يستجيب لكم»(6).
وعلى المسلم أن يكون أحرص الناس على الخير, لئلا يكون كمن قال الله فيهم: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾ [البقرة:44]. بل يجب عليه أن يأتمر هو بالمعروف وينتهي عن المنكر. فقديـماً قال الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
على أنه لا يلزم من ذلك أن لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر من كان متلبساً بشيء من المنكر، حتى لا يجمع إساءتين، ولعله أن يذعن للحق إذا سمع نداء الفطرة والشريعة، والواجب أن ينتهي هو عن المنكر، ويأتمر بالمعروف، ثم ينهى غيره، ويأمره، لكن كما تقدم لا يجعل وقوعه في المنكر عائقاً له عن النهي أو الأمر، أو يتخذه ذريعة لتركه؛ فإن بعض الشر أهون من بعض.
ومما يكون لـه الأثر الطيب في مثل هذه الحال: أن يجعل الحديث التالي نصب عينيه، «يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه -أي: أمعاؤه- في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه, وأنهاكم عن المنكر وآتيه»(7).
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت فتنة قوم فتوفنا غير مفتونين.

_____________________

(1) مسلم (50) جـ1، ص70. وأحمد، جـ1، ص458.

(2) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 28/ 137 باختصار.

(3) مسلم (49) ص69. والترمذي (2172) جـ4، ص407. وأبو داود (1140)، جـ1، ص677. والنسائي (5008)، جـ8، ص11. وابن ماجه (1275)، جـ1، ص406.

(4) سير أعلام النبلاء للذهبي (21/456).

(5) سنن ابن ماجه، (4004)، جـ2، ص1327، وحسنة الألباني.

(6) أحمد في المسند (5/388). والترمذي، (2169)، جـ4، ص406.

(7) البخاري (3267)، جـ2، ص436. ومسلم (2989)، جـ4، ص2229.

المصدر: موقع المحتسب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 319 مشاهدة
نشرت فى 12 سبتمبر 2014 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

905,545

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.