عوامل نصر المؤمنين وعوائقه

إن انتصار الله للحق وأهله لا يأتي إلا بجهد وتعب. وقد يصيب المؤمنين كثير من الأذى كما سبق.

وهذا النصر إنما يتحقق في واقع الناس إذا هيأ الله في أنفسهم وفي جمعهم عوامل النصر التي أرشد إليها الإسلام وأمر بها الله تعالى، وأبعدوا عن أنفسهم وعن جمعهم عوامل الفشل ومعوقات النصر.[1]
أول هذه العوامل هو (الإيمان). قال تعالى وهو أصدق القائلين: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[2] وقال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[3].
إن سنة الله في نصر المؤمنين المقررة بإخبار الله وإعلامنا بها في القرآن الكريم هي سنة مؤكدة يقينا لا يخامرنا فيها ذرة من الشك، ولا تنتقض أو تتزعزع بما يرى من واقع المسلمين من كونهم مغلوبين لا غالبين ومقهورين من قبل أعدائهم غير منصورين عليهم، لأن هذه السنة هي في (نصر المؤمنين)، والمؤمنون هم من يكونون مؤمنين بأوصاف ومقاييس ومعاني الإيمان التي بينها الله تعالى في كتابه العزيز وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته النبوية الكريمة المطهرة، لا أن يكونوا مؤمنين بمقاييسهم وتخيلاتهم وأمانيهم، فعدم انتصارهم على أهل الباطل يعني أن الإيمان المطلوب منهم وما يستلزمه هذا الإيمان ويقتضيه من صفات وأفعال غير متحقق فيهم، وبالتالي لا يستحقون نصر الله الموعود به للمؤمنين. فعليهم أن يراجعوا أنفسهم ويعرضوها ويعرضوا أحوالهم وأفعالهم وما هم عليه من معاني الإيمان ومقتضياته ويزنوها بميزانه ليعرفوا الخلل الذي هم فيه، والنقص الموجود فيهم فيقوموا بالتصحيح والتقويم وتدارك ما فاتهم وتحقيق معاني الإيمان في نفوسهم حتى يدخلوا في مضمون سنة الله تعالى في نصر المؤمنين وفي متعلق إخباره تعالى: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[4].[5]
“إن وعد الله قائم لرسله وللذين آمنوا . ولا بد أن توجد حقيقة الإيمان في القلوب التي ينطبق هذا الوعد عليها . وحقيقة الإيمان كثيراً ما يتجوز الناس فيها . وهي لا توجد إلا حين يخلو القلب من الشرك في كل صوره وأشكاله . وإن هنالك لأشكالاً من الشرك خفية ؛ لا يخلص منها القلب إلا حين يتجه لله وحده ، ويتوكل عليه وحده ، ويطمئن إلى قضاء الله فيه ، وقدره عليه ، ويحس أن الله وحده هو الذي يصرفه فلا خيرة له إلا ما اختار الله . ويتلقى هذا بالطمأنينة والثقة والرضى والقبول . وحين يصل إلى هذه الدرجة فلن يقدم بين يدي الله ، ولن يقترح عليه صورة معينة من صور النصر أو صور الخير . فسيكل هذا كله لله . ويلتزم . ويتلقى كل ما يصيبه على أنه الخير . . وذلك معنى من معاني النصر . . النصر على الذات والشهوات . وهو النصر الداخلي الذي لا يتم نصر خارجي بدونه بحال من الأحوال .”[6]
وثانى عوامل النصر هو (تقوى الله) تعالى. قال تعالى على لسان موسى: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).[7]
وقال أيضا: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى).[8]
وقال تعالى: (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ).[9]
وقال أيضا: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[10].
وقال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[11].
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوصى سعد بن وقاص وجنده في حرب العراق، قال: “فإني آمرك ومن معك من أجناد بتقوى الله على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب. وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم ومن عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم. وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم يكن لنا بهم قوة لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا، لم نغلبهم بقوتنا. واعلموا أنه عليكم في مسيركم حفظة من الله، ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا وإن أسأنا، فرب قوم قد سلط عليهم كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفار المجوس، فجاسوا خلال الديار وكان وعد الله مفعولا. واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألون النصر على عدوكم أسأل الله ذلك لنا ولكم.”[12]
وكان سعد بن وقاص رضي الله يقول لما عبر بجيشه نهر دجلة: “حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصرن الله وليه، وليظهرن الله دينه، وليهزمن الله عدوه، إن لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب الحسنات.”[13]
ومن عوامل نصر الله لعباده كونهم ينصرون دين الله عز وجل.  قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[14]، وقال أيضا: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[15].
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ): “أي إن تنصروا دين الله.”[16]
وقال الإمام الرازي في تفسيره: “وفي نصر الله تعالى وجوه (الأول) إن تنصروا دين الله وطريقه و(الثاني) إن تنصروا حزب الله وفريقه.”[17]
ونصرة دين الله تتحقق بأن يسلم المسلم نفسه بالكلية لله رب العالمين، فلا يبقى فيه شيء خارج عن الاستسلام المطلق والانقياد التام لله رب العالمين. ويظهر هذا الخضوع والاستسلام بالاستسلام الكامل لشر ع الله تعالى، وهذا في نفسه وما ينطوي عليه قلبه وتقوم به جوارحه. ثم تظهر النصرة لدين الله بجهاد المسلم الدائم لإقامة شرع الله في الأرض بحيث يكون هذا الشرع هو المهيمن الحاكم لجميع العلاقات بين الناس فلا يتحاكمون إلا إليه ولا يقبلون إلا إياه.
ومسألة أخرى مهمة جدا فيما تتحقق به النصرة لله تعالى وهي التي أشار إليها الرازي في أحد وجوه نصرة الله حيث قال رحمه الله: “إن تنصروا حزب الله وفريقه”، ومن المعلوم أن حزب الله هو الذي يقوم بنصرة الله أي بنصرة دينه أي بإقامة شرع الله في الأرض. ولا شك أن بانضمام جهود المؤمنين بعضهم إلى بعض لإقامة شرع الله وبالتناصر فيما بينهم على هذا المقصد الشريف تتحقق منهم النصرة لدين الله بشكل أسرع وأكمل مما لو قاموا بالنصرة لدين الله وهم فرادى متفرقون، وبهذا يتحقق فيهم ما شرط الله عليهم لينالوا ما وعدهم الله به من نصرة. وعلى هذا فبمقدار ما يقوم به المؤمنون من نصرة لدين الله وجهاد في سيبله وإعداد لوسائل الجهاد ونصرة الدين يتحقق لهم النصر حسب سنة الله التي وضعها الله لنصر المؤمنين.[18]
ومن عوامل النصر أيضا (الصبر والمصابرة والمرابطة).
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[19]. لقد أرشد الله المؤمنين إلى طريق الفلاح، طريق الفوز والسعادة والنجاح، وأن الطريق الموصل إلى ذلك لزوم الصبر، الذي هو حبس النفس على ما تكرهه من ترك المعاصي، ومن الصبر على المصائب، وعلى الأوامر الثقيلة على النفوس، فأمرهم بالصبر على جميع ذلك.
والمصابرة أي الملازمة والاستمرار على ذلك على الدوام، ومقاومة الأعداء في جميع الأحوال.
والمرابطة وهي لزوم المحل الذي يخاف من وصول العدو منه، وأن يراقبوا أعداءهم، ويمنعوهم من الوصول إلى مقاصدهم.[20]
وقال تعالى: (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ)[21].
فشرط الله تعالى لإمداد المؤمنين ثلاثة شروط: الصبر والتقوى وإتيان المشركين ومن فورهم هذا. فهذا الوعد بإنزال الملائكة المذكورين وإمدادهم بهم. وأما وعد النصر وقمع أيدي الأعداء فشرط الله الشرطين الأولين[22] كما في قوله تعالى (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[23]، فإذا أتى المؤمنون بالأسباب التي وعد الله عليها النصر – وهي الصبر والتقوى – لم يضر المؤمنين مكر الأعداء، بل يجعل الله مكرهم في نحورهم، لأنه محيط بهم علمه وقدرته فلا منفذ لهم عن ذلك، ولا يخفى عليه منهم شيء.[24]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع  الكرب وأن مع العسر يسرا”.[25]
وهذه قاعدة ثابتة جليلة هي أن الصبر شرط للنصر، بل هو شرط نجاح كل عمل.
ومن عوامل النصر (الجهاد وإعداد القوة).
قال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ).[26] وقال تعالى: (فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً)[27].
قال ابن القيم رحمه الله: “فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين.
فجهاد النفس أربع مراتب أيضا:
إحداها: أن يجاهدها على تعلم الهدى، ودين الحق الذي لا فلاح لها، ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.
الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.
الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجيه من عذاب الله.
الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله.
فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيا حتى يعرف الحق، ويعمل به ويعلمه.[28]
وقال: وأما جهاد الشيطان، فمرتبتان، إحداها: جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
الثانية: جهاد على ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات.
فالجهاد الأول يكون بعدة اليقين، والثاني يكون بعدة الصبر. قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ)[29]، فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات.[30]
قال: وأما جهاد الكفار والمنافقين، فأربع مراتب: بالقلب، واللسان، والمال، والنفس، وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.
وأما جهاد أرباب الظلم، والبدع، والمنكرات، فثلاث مراتب: الأولى: باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى اللسان، فإن عجز جاهد بقلبه.
فهذه ثلاثة عشر مرتبة من الجهاد.”[31]
وقد توعد الله على من ترك الجهاد فقال: (إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[32].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: “من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق”.[33]
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب”.[34]
إنما يتم الجهاد بإعداد القوة له قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ).[35]
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: “أي (وَأَعِدُّوا) لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم، وإبطال دينكم، (مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) أي كلما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية، وأنواع الأسلحة ونحو ذلك، مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك كل أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع، والخنادق وآلات الدفاع، والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتعلم الرمي والشجاعة والتدبير.”[36]
ثم القرآن الكريم أيضا نبه على اعتبار القوة العددية مع القوة المادية والنفسية فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ . الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).[37]
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي: “أنه حث على الصبر وأنه ينبغي منكم أن تفعلوا الأسباب الموجبة لذلك، فإذا فعلوها صارت الأسباب الإيمانية والأسباب المادية مبشرة بحصول ما أخبر الله به من النصر لهذا العدد القليل.”[38]
وبجانب العوامل الجالبة للنصر فإن على المؤمنين تجنب أسباب منع النصر.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون . وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينََ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[39]. لقد لخص الله لنا فقه المواجهة في هذه الآيات الثلاث فذكر أمورا أربعة تجلب النصر والتأييد من الله هي: الثبات وذكر الله وطاعة الله ورسوله والصبر، وأربعة أخرى عوامل مضادة للنصر جالبة لسخط الله هي: التنازع والبطر والرياء والصد عن سبيل الله.
قال سيد قطب رحمه الله: “فهذه هي عوامل النصر الحقيقية: الثبات عند لقاء العدو . والاتصال بالله بالذكر . والطاعة لله والرسول . وتجنب النزاع والشقاق . والصبر على تكاليف المعركة . والحذر من البطر والرئاء والبغي . .
فأما الثبات فهو بدء الطريق إلى النصر . فأثبت الفريقين أغلبهما . وما يدري الذين آمنوا أن عدوهم يعاني أشد مما يعانون ؛ وأنه يألم كما يألمون ، ولكنه لا يرجو من الله ما يرجون ؛ فلا مدد له من رجاء في الله يثبت أقدامه وقلبه ! وأنهم لو ثبتوا لحظة أخرى فسينخذل عدوهم وينهار ؛ وما الذي يزلزل أقدام الذين آمنوا وهم واثقون من إحدى الحسنيين: الشهادة أو النصر ؟ بينما عدوهم لا يريد إلا الحياة الدنيا ؛ وهو حريص على هذه الحياة التي لا أمل له وراءها ولا حياة له بعدها ، ولا حياة له سواها ؟!
وأما ذكر الله كثيراً عند لقاء الأعداء فهو التوجيه الدائم للمؤمن ؛ كما أنه التعليم المطرد الذي استقر في قلوب العصبة المؤمنة ، وحكاه عنها القرآن الكريم في تاريخ الأمة المسلمة في موكب الإيمان التاريخي . ومما حكاه القرآن الكريم من قول سحرة فرعون عندما استسلمت قلوبهم للإيمان فجأة ، فواجههم فرعون بالتهديد المروع البشع الطاغي ، قولهم: “وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ[40] . . “
إن ذكر الله عند لقاء العدو يؤدي وظائف شتى: إنه الاتصال بالقوة التي لا تغلب ؛ والثقة بالله الذي ينصر أولياءه . . وهو في الوقت ذاته استحضار حقيقة المعركة وبواعثها وأهدافها ، فهي معركة لله ، لتقرير ألوهيته في الأرض ، وطرد الطواغيت المغتصبة لهذه الألوهية ؛ وإذن فهي معركة لتكون كلمة الله هي العليا ؛ لا للسيطرة ، ولا للمغنم ، ولا للاستعلاء الشخصي أو القومي . . كما أنه توكيد لهذا الواجب – واجب ذكر الله – في أحرج الساعات وأشد المواقف . . وكلها إيحاءات ذات قيمة في المعركة ؛ يحققها هذا التعليم الرباني .
وأما طاعة الله ورسوله ، فلكي يدخل المؤمنون المعركة مستسلمين لله ابتداء ؛ فتبطل أسباب النزاع التي أعقبت الأمر بالطاعة:  ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم  . . فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه ؛ وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار .
وأما الصبر . فهو الصفة التي لا بد منها لخوض المعركة . . أية معركة . . في ميدان النفس أم في ميدان القتال .
“واصبروا ، إن الله مع الصابرين  . . “
وهذه المعية من الله هي الضمان للصابرين بالفوز والغلب والفلاح . . ويبقى التعليم الأخير:
“ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله ، والله بما يعملون محيط  . . “
يبقى هذا التعليم ليحمي العصبة المؤمنة من أن تخرج للقتال متبطرة طاغية تتعاجب بقوتها ! وتستخدم نعمة القوة التي أعطاها الله لها في غير ما أرادها . . والعصبة المؤمنة إنما تخرج للقتال في سبيل الله ؛ تخرج لتقرير ألوهيته سبحانه في حياة البشر ، وتقرير عبودية العباد لله وحده . وتخرج لتحطيم الطواغيت التي تغتصب حق الله في تعبيد العباد له وحده ، والتي تزاول الألوهية في الأرض بمزاولتها للحاكمية – بغير إذن الله وشرعه – وتخرج لإعلان تحرير “الإنسان” في “الأرض” من كل عبودية لغير الله ، تستذل إنسانية الإنسان وكرامته . وتخرج لحماية حرمات الناس وكراماتهم وحرياتهم ، لا للاستعلاء على الناس واستعبادهم والتبطر بنعمة القوة باستخدامها هذا الإستخدام المنكر . وتخرج متجردة من حظ نفسها في المعركة جملة ، فلا يكون لها من النصر والغلب إلا تحقيق طاعة الله في تلبية أمره بالجهاد ؛ وفي إقامة منهجه في الحياة ؛ وفي إعلاء كلمته في الأرض ؛ وفي التماس فضله بعد ذلك ورضاه . . حتى الغنائم التي تخلفها المعركة فهي من فضل الله . . ” [41]
ومن العوائق للنصر الغرور بالقوة والغفلة عن أن النصر إنما هو من عند الله. وقد كانت معركة حنين درسا مهما في هذا الأمر، قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)[42].
قال سيد قطب: “هذه (يعني معركة حنين) هي المعركة التي اجتمع فيها للمسلمين – للمرة الأولى – جيش عدته اثنا عشر ألفا فأعجبتهم كثرتهم ، وغفلوا بها عن سبب النصر الأول ، فردهم الله بالهزيمة في أول المعركة إليه ؛ ثم نصرهم بالقلة المؤمنة التي ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتصقت به .
والنص يعيد عرض المعركة بمشاهدها المادية ، وبانفعالاتها الشعورية:
“إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين  ..”
فمن انفعال الإعجاب بالكثرة ، إلى زلزلة الهزيمة الروحية ، إلى انفعال الضيق والحرج حتى لكأن الأرض كلها تضيق بهم وتشد عليهم . إلى حركة الهزيمة الحسية، وتولية الأدبار والنكوص على الأعقاب..” [43]
فالغرور والإعجاب بالنفس من الموبقات التي تحرم العبد العون من الله.
عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاث مهلكات شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه”.[44]
ومن عوائق النصر أيضا: عصيان أمر القيادة.
قال تعالى واصفا ما حدث يوم أحد: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)[45]
لقد كانت غزوة أحد مشهدا تاريخيا يعلم المؤمنين درسا كيف كان العصيان ومخالفة أمر القائد يسبب الهزيمة التي لا ينساها المسلمون، لقد دفعوا ثمنا باهظا لهذا العصيان. قتل سبعون من الصحابة منهم أسد الله ورسوله، عم الرسول صل الله عليه وسلم، حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وشجت وجنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم.
“قال ابن عباس في قوله تعال: (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ): “وإنما عنى بهذا الرماة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع، ثم قال: “احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا.”
فلما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين، انكفأت الرماة جميعا فدخلوا في العسكر ينتهبون. وقد التقت صفوف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فهم هكذا، وشبك أصابع يديه والتبسوا. فلما ترك الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها، دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب بعضهم بعضا، والتبسوا وقتل من المسلمين ناس كثير. وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة. وجال المسلمون نحو الجبل ولم يبلغوا حيث يقول الناس: الغار! إنما كانوا تحت المهراس.
وصاح الشيطان: قتل محمد!
فلم يشك فيه أنه حق. فما زلنا كذلك ما نشك أنه قتل، حتى طلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السعدين نعرفه بتكفئه إذا مشى.”[46]
ومما يمنع المؤمنين عن النصر أيضا: (حب الدنيا) والحرص عليها. قال الله تعالى في بيان أسباب هزيمة المسلمين في أحد أيضا: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)[47].
قال سيد قطب في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ):  “وهو تقرير لحال الرماة . وقد ضعف فريق منهم أمام إغراء الغنيمة ؛ ووقع النزاع بينهم وبين من يرون الطاعة المطلقة لأمر رسول الله  صلى الله وسلم وانتهى الأمر إلى العصيان . بعد ما رأوا بأعينهم طلائع النصر الذي يحبونه . فكانوا فريقين: فريقا يريد غنيمة الدنيا ، وفريقا يريد ثواب الآخرة . وتوزعت القلوب فلم يعد الصف وحدة ، ولم يعد الهدف واحدا . وشابت المطامع جلاء الإخلاص والتجرد الذي لا بد منه في معركة العقيدة . فمعركة العقيدة ليست ككل معركة . إنها معركة في الميدان ومعركة في الضمير . ولا انتصار في معركة الميدان دون الانتصار في معركة الضمير . إنها معركة لله ، فلا ينصر الله فيها إلا من خلصت نفوسهم له .
وما داموا يرفعون راية الله وينتسبون إليها ، فإن الله لا يمنحهم النصر إلا إذا محصهم ومحضهم للراية التي رفعوها ؛ كي لا يكون هناك غش ولا دخل ولا تمويه بالراية . ولقد يغلب المبطلون الذين يرفعون راية الباطل صريحة في بعض المعارك – لحكمة يعلمها الله – أما الذين يرفعون راية العقيدة ولا يخلصون لها إخلاص التجرد ، فلا يمنحهم الله النصر أبدا ، حتى يبتليهم فيتمحصوا ويتمحضوا . . وهذا ما يريد القرآن أن يجلوه للجماعة المسلمة بهذه الإشارة إلى موقفهم في المعركة ، وهذا ما أراد الله – سبحانه – أن يعلمه للجماعة المسلمة ، وهي تتلقى الهزيمة المريرة والقرح الأليم ثمرة لهذا الموقف المضطرب المتأرجح!” [48]
قال سيد قطب في هذه الآية: “والقرآن يسلط الأضواء على خفايا القلوب ، التي ما كان المسلمون أنفسهم يعرفون وجودها في قلوبهم . . عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “ما كنت أرى أن أحدا من أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يريد الدنيا ،  حتى نزل فينا يوم أحد:  منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة”[49] . . وبذلك يضع قلوبهم أمامهم مكشوفة بما فيها ؛ ويعرفهم من أين جاءتهم الهزيمة ليتقوها !”[50]

 

فحب الدنيا من موانع النصر وقواصم الظهر لا يتحمل ميدان المواجهة ظهور هذا الداء ولو بصورة جزئية. فإن الله قال: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)، فلم تكن إرادة الدنيا عند الكل بل أثبت الله أن منهم من يريد الآخرة، ولا يعفي هذا عن حلول الهزيمة وحصول المذمة وخاصة أن إرادة الدنيا قد حرفت بمسيرة الجهاد إلى وجهة غير مرضية وأثرت في تصرفات الجنود، فدفعتهم إلى مخالفة أمر القائد وغيرت خطة الحرب حتى أوجد ثغرا كبيرا.
ويؤكد ذلك الحديث المعروف عن ثوبان[51] قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.
فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟
قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن.
فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟
قال: حب الدنيا وكراهية الموت”.[52]
فحب الدنيا وهن وضعف يفتك بقدرة المؤمنين ويضع من قدرهم عند الله وعند أعدائهم.

 

المصدر: اسلامية
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 146 مشاهدة
نشرت فى 23 يوليو 2014 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

902,415

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.