فضل صوم يوم عرفة

 

 



الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:


فإن يوم عرفة الموافق للتاسع من شهر ذي الحجة يعد من أشرف أيام السنة خصه الله بالفضل والتشريف وعظم الثواب فيه من بين سائر الأيام.
ويتأكد استحباب صوم يوم عرفة لغير الحاج لما ثبت في السنة من حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والباقية وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال يكفر السنة الماضية). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده). رواه مسلم. أما المشتغل بالوقوف في عرفة من أهل المناسك فلا يشرع لهم صومه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك صوم يوم عرفة وهو حاج لانشغاله بنسك الحج حتى لا يضعف عن الدعاء والذكر والعبادة ويتفرغ قلبه لذلك في هذا المشهد العظيم وقد ورد في الصحيحين: ( أن الناس شكوا في صومه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسل إليه بقدح من لبن فشربه ضحى يوم عرفة والناس ينظرون). وروي النهي عن ذلك ومن صامه وهو متلبس بالحج فقد خالف السنة ودخل في التكلف وقال ابن عمر : (لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان وأنا لا أصومه).
وصوم يوم عرفة يكفر السيئات ويكثر الحسنات للعام السابق والعام اللاحق والصحيح أن هذا التكفير خاص بالصغائر دون الكبائر لأن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة والتخلص منها لقوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ). وفي الصحيحين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر). وهذا شرف عظيم لا ينبغي للمؤمن أن يزهد به ولا يكاد يسلم أحد من مقارفة الذنوب لكن لا يتكل على هذا العمل ويسرف في اجتراح الكبائر وليشدد على نفسه فيها فإنه لا نجاة منها إلا بالتوبة.
ولا حرج على المسلم أن يتطوع بصوم عرفة وغيره من النوافل قبل قضاء رمضان جريا على الأصل في العبادات ولأنه لم يرد نهي صحيح عن ذلك ولأن الشارع وسع في قضاء رمضان إلى آخر السنة لفعل عائشة رضي الله عنها وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها ولأن المنع يوقع المسلمين في ضيق ويفوت عليهم خيرا عظيما لا سيما النساء فلا وجه للمنع من ذلك ولا حجة مع من كره أو حرم التطوع بعرفة وغيره قبل القضاء والخبر الوارد في هذا الباب لا يصح والأفضل أن يبدأ بالقضاء ثم يتطوع بعرفة لأنه أبرأ لذمته والاشتغال بالواجب أولى من النفل.
ولا يجزئ صوم يوم عرفة بنية القضاء أو النذر ونية التطوع بعرفة لأن يوم عرفة تطوع خاص وعبادة مستقلة لها فضل خاص تفتقر إلى نية خاصة بها والمشغول لا يشغل ولأن كلا العبادتين مقصود من الشارع فعلها بذاتها فلا يصح الجمع بين النيتين ولا يتداخلان في عبادة واحدة لتغايرهما وإنما لكل عبادة نية مستقلة.
ولا يشترط فيما يظهر لي في تحصيل فضل صوم عرفة النية من الليل وإدراك الصوم من أول النهار لأنه صوم تطوع والتطوع لا يشترط فيه تبييت النية من الليل ولا دليل على اشتراطه والشارع وسع في النوافل وخفف في أحكامه ليرغب العباد به ولأن من أمسك في النهار ولم يفطر قبل ذلك يصدق عليه صوم يوم عرفة ولأن الصوم لا يتبعض وفضل الله واسع فمن استيقظ في نهار عرفة ولم يأكل ثم عزم على صوم عرفه رجي له تحصيل الفضل الخاص به بإذن الله وهذا مذهب الشافعية.
ولا حرج على المسلم أن يصوم يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة لأنه يصومه لتحصيل فضل عرفة وهذا مقصد مشروع ولا يصومه لأجل تخصيص الجمعة والنهي عن صوم يوم الجمعة لكراهة قصد تخصيصه بصوم تعظيما له ولذلك شرع صوم يوم قبله أو بعده ويتعذر هنا صوم يوم بعد عرفة لأنه يوافق العيد وقد انعقد الإجماع على تحريم صوم العيد فلا حرج في إفراد صوم عرفة إذا صادف يوم الجمعة من غير صوم يوم قبله لأنه لم يقصد الجمعة.
وينبغي للمسافر أن لا يفرط في صوم يوم عرفة ولا يزهد في فضله إذا كان صومه لا يشق عليه لأنه فضل عظيم يفوت محله ولا يتكرر في السنة وكثير من أهل السياحة لا يصومون عرفة مع تيسر الأمر عليهم وهذا من الغبن.
وإذا كان صوم يوم عرفة يوقع المؤمن في حرج في معيشته أو يفوت عليه القيام بواجب لوالديه أو حق متأكد أو يسبب له الهلاك وشدة المرض فمن الفقه له ترك صومه تحصيلا للمصالح ودرء للمفاسد طاعة لله.
ومن داوم على ترك صوم عرفة وزهد في فضله واستهان بشرفه مع استطاعته وفراغه وتيسر أموره فهذا دليل على غفلته وتضييعه لمواسم الله مع حاجته لتكفير سيئاته ورفعة درجاته.
ويعظم ثواب الأعمال والطاعات في يوم عرفة من صلاة وذكر وتكبير وتهليل وتلاوة وصلة وصدقة ودعاء لأنه زمن فاضل يباهي الله عباده في مشهد عرفة ويعتقهم من النار كما جاء في صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو يتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء). 
ولا يشرع التعريف والوقوف نهار عرفة في سائر البلاد والاجتماع في المساجد والخلوات للعبادة والذكر وإنما يشرع فقط في عرفة لأهل المناسك أما غير الحجاج فلا يشرع لهم ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم ولأن هذه العبادة خاصة بموقف عرفة والخير والبركة في اتباع السنة وسنة الخلفاء ومن فعله من السلف فاجتهاد منه ولا دليل على فعله والعبادات لا تشرع بالاستحسان والقياس. قال شعبة: (سألت الحكم وحماد عن الاجتماع عشية عرفة فقالا محدث). وسئل إبراهيم النخعي عن التعريف فقال: (إنما التعريف بمكة). وسئل مالك عن الجلوس بعد العصر في المساجد بالبلدان يوم عرفة للدعاء فكره ذلك وقرر ابن تيمية بدعية هذا العمل وينبغي على المؤمن أن يغلق أبواب البدع ووسائلها على نفسه ويسلك الطريق الواضحة ليصون دينه وتسلم له السنة ويلقى ربه ثابت على هدي الرسول غير مبدل.

خالد بن سعود البليهد 
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة 
[email protected]
3/12/1434

المصدر: صيد الفوائد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 53 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

938,879

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.