نتائج معركة حطين

1 - معركة فاصلة وحاسمة: توصف معركة حطين، بأنها معركة فاصلة وحاسمة، لأننا نلاحظ أنها غيرت خريطة التوزيعات السياسية في المنطقة، ففي أعقابها اتجه ذلك السلطان المجاهد إلى فتح مدن الساحل الشامي، وتساقطت الواحدة تلو الأخرى باستثناء صور ذات المنعة والحصانة، وهكذا تم حل مشكلة الساحل الشامي الذي طرد منه المسلمون منذ أعوام طوال ولم يعد المسلمون أصحاب وجود بري حبيس، وهكذا تساقطت مدن عكا، ويافا وصيدا وبيروت، وجبيل وعسقلان وغيرها، والواقع أن من يطالع نصوص المصادر التاريخية لذلك العصر تتملكه الدهشة من موجة سقوط المدن الصليبية بصورة غير مسبوقة عكست التفوق العسكري الساحق للمسلمين ضد أعدائهم، كما تهاوت القلاع الصليبية التي طالما أغارت على مناطق المسلمين، وأحالت حياتهم أحياناً إلى جحيم، ومن أمثلة القلاع التي تهاون أما فعاليات الجيش الأيوبي نذكر طبرية، صفد، هونين، تبنين، بغراس، دربساك، حجر شغلن، القصير، وغيرها كثير ومن بعد ذلك جاء فتح المسلمين لبيت المقدس عاصمة الكيان الصليبي.

2 - بداية النهاية للوجود الصليبي: كانت معركة حطين أعظم من مجرد كارثة عسكرية، حلّت بالصليبيين، لقد كانت في حقيقة أمرها بشيراً بنجاح المسلمين في القضاء على أكبر حركة استعمارية، شهدها العالم في العصور الوسطى، كما شكّلت حداً تراجع عنده المدُّ الصليبي باتجاه الشرق الأدنى الإسلامي وبداية النهاية للوجود الصليبي، وقد أنهت المعركة زهاء تسعة عقود من الاضمحلال والتدهور والتشرذم في المنطقة الإسلامية في الشرق الأدنى؛ لتؤكد أهمية الوحدة بين أقطار هذه المنطقة الجغرافية في جنوب غرب آسيا وفي مصر في مواجهة كل الأخطار. لقد أسست حطين بداية جديدة لموازين القوى وأكدت أن قوة الفرنج يمكن أن تقهر وقد كشفت الدراسات التاريخية الحديثة التي بحثت تفاصيل تلك المرحلة أن معركة حطين انتهت بانتصار صلاح الدين لكنها لم تقتلع نهائياً وجود الفرنج، فهي استراتيجياً معركة فاصلة بين حدين أي أنها ختمت مرحلة التراجع والهزائم وأسست مرحلة الانتصارات والتقدم وشقت الطريق الطويل والصعب الذي شهد الكثير من الصعود والهبوط والهجوم والهجوم المضاد إلى أن تم خلخلة مواقع الفرنج وتفكيك ممالكهم وطردهم من المنطقة.

3 - ارتفاع قدر صلاح الدين: من أسماء الله عز وجل الرافع فقد كانت معركة حطين من الأسباب التي رفع الله بها صلاح الدين وأصبح في صفوف كبار المجاهدين والقادة والحكام المسلمين كما أعاد للمسلمين الثقة بالنفس، والكرامة التي كانوا قد فقدوها بعد وفاة نور الدين محمود وقد كان لهذا النصر صدى بالغ في نفوس المسلمين بعامة وأهالي دمشق بخاصة، لأن دمشق كانت آنذاك مركز أعماله ومقَّره وفيها قضاته وكُتّابه، الذين كانوا طوال أوقات المعركة ساجدين لله، وقائمين يدعون له بالنصر على أعدائه ولما علموا بالانتصار، عبَّروا عن فرحهم بالدموع والكلمات المؤثرة التي تضمنت عبارات الشكر والحمد لله.

4 - معركة حطين مفتاح بيت المقدس: كانت معركة حطين معركة تحريرفلسطين لأنها هي التي فتحت طريق النصر إلى بيت المقدس، وباقي فلسطين، وقد وصف ابن واصل هذه المعركة بقوله: كانت وقعة حطين مفتاح الفتوح الإسلامية وبها تيسر فتح بيت المقدس، وعدّها حلقة وسط بين فتوحات نور الدين محمود وركن الدين بيبرس البندقاري منذ وفد ملوك الفرنج البلاد الساحلية، واستولوا عليها، لم يقع للمسلمين معهم يوم كيوم حطين، فرحم الله الملك الناصر، وقّدس روحه، فلم يؤيَّد الإسلام بعد الصحابة رضي الله عنهم، برجل مثله ومثل نور الدين محمود بن زنكي، رحمة الله عليهما، فهما جدّدا الإسلام بعد دوسه، وشيَّدا بنيان التوحيد بعد طموسه، ثم أيد الله الإسلام بعدهما بالملك المظفر ركن الدين بيبرس، وكان أمره أعجب، إذ جاء بعد أن استولى التتار على معظم البلاد الإسلامية، وأيس الناس أن لا انتعاش للمّلة فبّدد شمل التتار، وحفظ البلاد الإسلامية، وملك من الفرنج أكثر الحصون الساحلية.

5 - أهمية الوعي الجغرافي: أبرزت هذه المعركة أهمية الوعي الكامل بضرورة توظيف معطيات الموقع الجغرافي للشرق الإسلامي، واستثمار ميَّزاته، بحيث يكون عاملاً فاعلاً من عوامل القوة الذاتية، ومن دلالات المعركة بروز أهمية مصر كقاعدة بشرية مادية بالغة الأهمية في الربط بين العالم الإسلامي في الشرق الأدنى، كما تجلَّت أهمية أرض فلسطين التي تُعُّد بمثابة الجسر أو المعبر الذي يوصل بين بلاد الشام ومصر.

6 - هيبة صلاح الدين ممزوجة بالإعجاب والإجلال: غدا لاسم صلاح الدين بعد الانتصار، من الرهبة في قلوب، الصليبيين الممزوجة بالإعجاب والإجلال، نظراً لما اتصفت به فتوحات من النُّبل والشهامة والمروءة، كما كان لتسامحه معهم، وحسن معاملته لأسراهم، أثر كبير في استسلام العديد من المدن والحصون دون مقاومة تُذكر. والواقع أنه أظهر رحمة وفروسية كبيرتين في تعامله مع الصليبيين، وبفضل هذه السجايا مارست جيوشه ضبط النفس عند النصر وتجنبت ارتكاب الأعمال الوحشية الشائعة في ذلك الوقت، ففي معرض الحديث عن مروءة صلاح الدين لزوجات وبنات الصليبيين كتب أرنول: لقد أعطهَّن الكثير لدرجة أنهن حمدن الله، ونشرت في الخارج الكثير عن العطف والإجلال اللذين أسداهما لهن صلاح الدين. كما أكرم إسكيفا، زوجة ريموند الثالث، فسمح لها بأن تخرج من قلعة طبرية بالأمان، فخرجت بمالها ورجالها ونسائها وسارت إلى طرابلس، وكان بالبان الإبليني من بين الأمراء الناجين، وكانت زوجته وأولاده في بيت المقدس، فسمح له صلاح الدين بالذهاب إلى المدينة لإخراج زوجته وأولاده، واشترط عليه ألا يبيت فيها أكثر من ليلة واحدة. ولقد وقف الغرب الأوروبي وبخاصة فرنسا موقف الإعجاب والمدح لصلاح الدين، حتى تحَّول في المؤلفات الأدبية الأوروبية إلى ما يشبه الأسطورة التي خرجت عن إطار التاريخ الواقعي والموضوعي وقد أضاعت خسارة الصليبيين في حطين هيبة مملكة بيت المقدس وبخاصة بعد أن أُسر ملكها جاي لوزينان ونقص عن المعركة نقص ملموس في الفرسان المحاربين، بعد أن سقط معظم فرسان الصليبيين، وغالبية جيش بيت المقدس بين قتلى وأسرى: فمن شهد القتلى قال ما هناك أسير، ومن عاين الأسرى قال ما هناك قتيل.

7 - الجهود التراكمية التي سبقته: لم تأت انتصارات صلاح الدين من فراغ ولم تكن النتائج العسكرية التي حققها من دون مقدمات سياسية وتنظيمية وإدارية وإصلاحية وإحيائية امتدت على أكثر من قرن إلى أن بدا قطفها ثمارها في عهدي عماد الدين زنكي ونور الدين زنكي والأخير يعتبر المؤسس الحقيقي للتحولات الكبرى التي شهدتها بلاد الشام ثم مصر، فقد عرف نور الدين محمود بانتظاراته العسكرية وأعماله الإصلاحية الإحيائية وإنجازاته الشرعية، فقد اشتهر ببناء المدارس ومعاهد التربية والتعليم، واهتم بالقضاء وبتشييد المساجد والحصون ونشر العلم في حلب ودمشق ومختلف مدن الشام وفي عهده استعاد القضاء دوره الشرعي والتاريخي وبنى دار للعدل وشجع العلماء والفقهاء على لعب دورهم في الإعداد النفسي للقوات وتبليغ الرسالة وتعليم أصول اللغة والفقه والحديث لقادة جيوشه. وفي هذه الأجواء العلمية تلقى صلاح الدين دروسه وتربيته الدينيه فتعلم على يد المحدث أحمد بن محمد الأصبهاني، والواعظ علي ابن إبراهيم بن نجا ونجم الدين الحبوشاني، وهؤلاء جزء من الفقهاء والعلماء الذين أشرفوا على تربية الجيل الثالث من القيادات السياسية والعسكرية الذي كان له شرف إنزال الهزائم بقوات الفرنجة بعد مئة سنة من المواجهات المتقطعة، فصلاح الدين لم يصنعه نفسه، بل وفقه الله تعالى - ثم هو نتاج تاريخي وموضوعي لسياق من التقدم بدأ مع بدء الحركة الإصلاحية الدينية، التي تزعمها نظام الملك في عهد السلاجقة والتي كان من رموزها الإمام الجويني، وأبو إسحاق الشيرازي والغزالي وغيرهم، ولقد آتت تلك الجهود ثمارها والتي كان من أهمها معركة حطين وفتح بيت المقدس على يدي صلاح الدين.

المصدر: قصة اسلام - .د. علي الصلابي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 134 مشاهدة
نشرت فى 24 يوليو 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

938,345

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.