إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر

هدم المساجد إذا كان لمصلحة جائز إذا كان سيُعمر بدله في مكان قريب منه

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، اما بعد، فإن للمساجد مكانة عظيمة عند الله تعالى وعند المسلمين ولشرف المساجد اضافها الله تعالى لنفسه فقال: { انما يعمر مساجد الله } (التوبة: 18) وقال: { وان المساجد لله } (الجن: 18) وقال: { ومن اظلم ممن منع مساجد الله } (البقرة: 144). وجاء في حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "من تطهر في بيته ثم مشى الى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته احداها تحط خطيئة والاخرى ترفع درجة" رواه مسلم رقم 666. وبيّن الله تعالى ان عمارة المساجد من الايمان بالله وباليوم الآخر، كما قال تعالى: { انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر واقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش الا الله فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين } (التوبة: 18) وعمارتها تكون ببنائها وترميمها والمحافظة عليها، وتكون ايضا بإقامة الصلاة فيها واحياء ذكر الله تعالى وقراءة القرآن وطلب العلم وغير ذلك مما هو معلوم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فقد كان المسجد من اول أعماله في المدينة لما نزل فيها ومنه انطلقت دعوته صلوات ربي وسلامه عليه.

والمساجد هي خير بقاع الأرض واحب البلاد الى الله تعالى كما في حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "أحب البلاد الى الله مساجدها وابغض البلاد الى الله اسواقها" رواه مسلم (671)، وذلك لانها بيوت الطاعة وأساس التقوى. لذا امر الله ببنائها ورفعها وعمارتها قال تعالى: { في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والابصار ليجزيهم الله احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب } (النور:36 - 38).

فضل بناء المساجد

لاشك أن الذي يعمر مساجد الله لاقام الصلاة واحياء ذكر الله تعالى له من الفضل والاجر من رب السماوات والارض ما الله به عليم وذلك إذا ابتغى بذلك وجه الله تعالى لا يريد سمعة ولا رياء كما روى البخاري (450) ومسلم (533) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بنى مسجدا لله تعالى يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة" بل حتى لو ساهم المسلم ببناء مسجد ولو باليسير فلن يُحرم الاجر والثواب كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "من بنى لله مسجداً ولو كَمْفَحصِ قطاةٍ لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة" رواه أحمد [صحيح الجامع6005].

الوعيد الأكيد والعذاب الشديد لمن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها

قال الله تعالى: { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم ان يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم }. "البقرة: 114". جاء في تفسير هذه الآية أن المراد بها النصارى الذين كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ويمنعون الناس أن يصلوا فيه، وقيل إن بعض النصارى حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس، وقيل عَنَى الله عز وجل بهذه الآية مشركي قريش، لما منعوا الرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام يوم الحديبية، ذكر ذلك ابن جرير وابن كثير رحمهم الله وغيرهما من المفسرين. وهذه الآية تدل بعموم لفظها لا بخصوص سببها على تحريم منع المسلمين من الصلاة في المساجد وتحريم خرابها وهدمها وأن من فعل ذلك له في الدنيا خزي وله في الآخرة عذاب عظيم، وليس المراد بها هدم المساجد لمصلحة عامة قد يراها ولي الامر او لقضية أمنية او من اجل الترتيب والتنظيم او ازالتها لإعمار مساجد أخرى قريبة منها توسعة على المصلين، وجمعهم في مسجد كبير يجتمع فيه اكبر عدد من المصلين.

فتوى في هدم المسجد وإعادة بنائه

سئلت اللجنة الدائمة للافتاء برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى "230-6" السؤال التالي: ما حكم هدم المسجد واعادة بنائه او نقله الى مكان قريب؟

الجواب: الاصل جواز ذلك اذا كان لاسباب شرعية ومصلحة اسلامية راجحة. انتهى.

وسئل شيخنا محمد بن صالح بن عثميين - رحمه الله تعالى وجزاه عنا خيرا - عن "حكم هدم المساجد لصالح الشوارع؟ وهل يختلف الحكم فيما اذا كان يوجد في مسجد اخر قريب منه يقوم مقامه؟

فأجاب رحمه الله بقوله: "هدم المساجد لمصلحة الشارع جائز اذا كان سيعمر بدله في مكان قريب منه بحيث لا يضر على اهل المسجد الاولين وقد ذكر الامام احمد وغيره عن عمر رضي الله عنه انه اذن في نقل مسجد الكوفة لمصلحة بيت المال حيث ان بيت المال نقب وسرق فأمر عمر رضي الله عنه بنقل المسجد وجعل بيت المال في قبلته معللا ذلك بانه ما زال في المسجد مصلٍ فيمنع من همَّ بالسرقة منها بسبب وجود المصلين في المسجد فصار المسجد في مكان سوق التمارين وسوق التمارين في مكان المسجد. وقد ذكر شيخ الاسلام رحمه الله حكم هذه المسألة في الفتاوى ص (238-215) مجلد 31 مجموعة ابن قاسم انتهى، من مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (396/12 -397).

كثرة الخطا الى المساجد من اوسع ابواب الحسنات

ومما يغفل عنه كثير من الناس بل ويزهد فيه المشي الى المسجد الا نادرا بل ربما غفل كثير من الناس عن فضل المسجد البعيد مع ان أكثر المصلين أجرا ابعدهم اليها ممشى. وفي الحديث عن ابي بن كعب رضي الله عنه قال: "كان رجل لا اعلم رجلاً ابعد من المسجد منه وكان لا تخطئه صلاة قال: فقيل له أو قلت له: لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء قال: ما يسرني ان منزلي الى جنب المسجد اني أريد ان يكتب لي ممشاي الى المسجد ورجوعي اذا رجعت الى اهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جمع الله لك ذلك كله" رواه مسلم (663). وجاء عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفا وذلك انه اذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج الى المسجد لا يخرجه الا الصلاة لم يخط خطوة الا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة فاذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه اللهم صلى عليه اللهم ارحمه وما يزال احدكم في صلاة ما انتظر الصلاة" البخاري (647) ومسلم (649).

المسجد القريب أشجع للطاعة

كان شيخنا محمد بن صالح العثيمن رحمه الله تعالى يقول: المسجد البعيد أعظم أجراً والمسجد القريب اشجع للطاعة. ومن هذا المنطلق رغب كثير من الناس ان يسكن قرب المسجد ومجاوراً له حتى يدرك الصلاة ويتمكن أولاده من الذهاب للمسجد، غير ان بعض الناس حاول ان يضع مسجداً قريباً من بيته حتى صارت ظاهرة بناء مساجد من المواد الخفيفة فلما كثرت المساجد وبمواصفات قد تسيء إلى المساجد من وجه وقد تشتت جماعة الحي الواحد من وجه آخر والمقصود ان ولاة الأمر او الحكومة اذا رأت ازالة هذه المساجد وبناء غيرها كبيرة ومنظمة فلا يجوز اثارة الناس بهذه الطريقة التي نعيشها من التهييج ووصف الحكومة بانها تهدم المساجد حتى من سمع بهذا الاسلوب عن طريق الوسائل الاعلامية فهم ان الحكومة ضد المساجد وتمنع ذكر الله وتسعى في خرابها. بل الواجب ان تكون النصيحة بالتي هي احسن حتى يحصل المقصود بالحكمة بعيداً عن الفتن اعاذنا الله تعالى منها ما ظهر منها وما بطن.

والله أسأل ان يوفقني والمسلمين إلى ما فيه السداد والتوفيق. والحمد لله أولا وآخرا وظاهراً وباطناً وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 144 مشاهدة
نشرت فى 10 يوليو 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

939,786

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.