الصوم.. حكم، وأحكام، وآداب

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فإن إدراك شهر رمضان نعمة تستوجب منَّا شكر الله تعالى، وهذه بعض النقاط المهمة التي تتعلق بهذا الشهر المبارك..

تعريف الصوم
الصوم لغة الإمساك.
وفي الشرع: "إمساك عن شهوتي البطن والفرج في جميع النهار بنية"[الشرح الكبير للشيخ الدردير].
أو قل: التقرب لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.

فضل عبادة الصوم
قال الله تعالى شاهداً بخيريَّة الصوم: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:184]. وثبت في سنن الترمذي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ» قَالَ: ثُمَّ تَلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة/16].
وقد جعله الله تعالى في كثيرٍ من الكفَّارات؛ لما له من أثرٍ بليغٍ في إصلاح النفس وتقويم السلوك.
قال تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب} [البقرة/196].
وقال: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما} [النساء/92].
وقال: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون} [المائدة/89].
وقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام} [المائدة/95].
وقال: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير (3) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم} [المجادلة/3-4].
والصوم يحمل على ترك المعاصي. فالصائم يمتنع عما هو حلال بأصله، فيمتنع عنه امتثالاً لأمر الله، وهذا يسهل عليه أن يمتنع عما حرم بأصله. فتجد الصائم يتوضأ لصلاته قد أعياه الظمأ، فيدخل الماء في جوفه، ثم يلفظه وهو أحوج ما يكون إليه؛ إرضاءً لربه. فالصوم عبادة تزكو النفوس بها ، وتتسامى به الأرواح، ومن سمت روحه وطهرت نفسه لم تأنس بمعصية الله. ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه الشاب الذي لا يقدر على الزواج؛ لما يحققه من العفاف، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» [البخاري ومسلم]، والوجاء: رضُّ الخُصيتين، والمراد أنه قامع للشهوة، فهو يكبح جماح الشهوة، ويكسر حدتها، وتخبو به ثورتها. قال ابن كثير رحمه الله -في قول الله تعالى: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} [الأحزاب:35]-:" ولما كان الصوم من أكبر العون على كسر الشهوة -كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب... » -ناسب أن يذكر بعده: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} أي: عن المحارم والمآثم إلا عن المباح" [تفسير القرآن العظيم (6/420)].
والصوم يُثاب أصحابُه بلا حساب لقول الله تعالى في الحديث القدسي: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» [البخاري ومسلم]، ولا غرو في ذلك؛ فهو عبادة قائمة على الصبر، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]. وعند الترمذي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصوم نصف الصبر».
وعند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ». وما ذكر الصائم إلا لعلمهم بعظم أجره. ومثله في الدلالة على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار» رواه البخاري.
وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنَّ ريح الصائم عند الله أطيب من المسك أخبر به يحيى بن زكريا عليه السلام قومه لما أمره الله بخمس كلمات أن يبلغهن وأن يعمل بهن، قال لهم: «وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا مِسْكٌ فَكُلُّهُمْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا، وَإِنَّ رِيحَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» رواه الترمذي.
والصائمون من أهل المغفرة، قال تعالى: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35].
ومن الشفاعات الثابتة يوم القيامة شفاعة الصيام، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، فَيُشَفَّعَانِ» [أخرجه أحمد].
والصوم وقاية من النار، فعنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ النَّارِ» رواه أحمد، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة وحصن حصين من النار» رواه أحمد والبيهقي. وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» [البخاري ومسلم]، وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» [الترمذي].
وهو من أسباب دخول الجنة، ففي الجنة بابُ الريَّان لا يدخل منه إلا الصائمون، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ ؟ فَيَقُومُونَ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ » [البخاري ومسلم]، ولما جاء أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، قَالَ له: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ» فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ:«عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ» [أحمد]. وعند مسلمٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا»؟ قَالَ أبو بكر: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً»؟ قَالَ أبو بكر: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنَا. فَقَالَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

فضل شهر رمضان
هذا الشهر شهر خير وبركة، كثير من النصوص دلت على ذلك، فمن ذلك:
أنَّ الله اختاره لإنزال القرآن الكريم، وكفى بذلك فضلاً، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: 185]. وما ذكر الله شهراً باسمه في القرآن سوى رمضان، ولا منافاة بين كون القرآن نزل في ليلة القدر، وبين نزوله مفرقاً منجماً؛ فقد نزل جملة واحدة فيها إلى بيت العزة في سماء الدنيا، وقيل: بدأ نزوله فيها، والأول أولى.
ومما جاء في فضائله حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ» [الشيخان]، وللترمذي: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ».
وفي هذا الشهر ليلة خير من ألف شهر، يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[سورة القدر].
ولذا كان رسولنا صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدم هذا الشهر، قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ: «قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ» [أحمد].

فضل صوم رمضان
من فضائل صوم هذا الشهر ما يلي:
1/ أنه ركنٌ من أركان الإسلام، وأعظم القربات الفرائض وأركان الدين.
قال الله تعالى: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» رواه مسلم. فقوله:«بعد رمضان» يدل على أنه لا صوم يعدل صوم الفريضة.

2/ تحقيق التقوى.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة/183].

3/ مغفرة الذنوب:
قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [البخاري ومسلم]، أي: مصدقاً بفرضه، راجياً ثوابه. وفي صحيح الإمام مسلم حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ».

4/ عِظَمُ الثواب:
وتأمل هذه القصة لتعلم ذلك: عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ –بالأندلس- قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ الْآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنْ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ:«مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ»؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً»؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ:«وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ» ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» [ابن ماجة].
وعن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيتَ إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، فممن أنا؟ قال: «من الصديقين والشهداء» [ابن حبان،وابن خزيمة، والبزار].

5/ دخول الجنة.
ففي الصحيحين عن طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ». فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لا، إلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَصِيَامُ رَمَضَانَ». قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ. قَالَ: «لا، إلا أَنْ تَطَوَّعَ». وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لا، إلا أَنْ تَطَوَّعَ». فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ». وفي رواية لهما: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا».

الترهيب من الفطر بدون عذر في رمضان
ثبت في مستدرك الحاكم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان، فأخذا بِضَبْعَيَّ، فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا لي: اصعد. فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك. فصَعِدت حتى إذا كنت في سواء الجبل –وسطه أو أعلاه- إذا أنا بأصوات شديدة فقلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عُوَاء أهل النار. ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّةِ صومهم»، فهذا عذابهم في برزخهم قبل يوم القيامة.

الترهيب من التقصير في رمضان
وهذا مما يُستدل له بحديث الحاكم في المستدرك، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احضروا المنبر»، فحضرنا، فلما ارتقى درجة قال:«آمين»، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال:«آمين»، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال:«آمين»، فلما نزل قلنا: يا رسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه؟ قال: «إن جبريل عليه السلام عرض لي فقال: بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: آمين، فلما رقيت الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة قال بعد من أدرك أبويه الكبرُ عنده أو أحدَهما فلم يدخلاه الجنة، قلت: آمين».
وما ذاك إلا لكثرة ما يغفر الله لعباده فيه، فمن قام رمضان أو صامه أو قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً فهومغفور له، فمن قصر فلم يتعرض لنفخات ربه فيه فهو المغبون الخاسر، ومثل هذا الدعاء لا يرد؛ فإنه صدر عن الأمينين عليهما الصلاة والسلام، وزمانه ساعة الجمعة المباركة، ومكانه الروضة الشريفة، فكيف يُرَدُّ دعاء هذا شأنه؟

من أحكام الصيام
هذه بعض أحكام الصيام..
صوم رمضان فرض بالكتاب والسنة والإجماع، والصوم له ركنان: الإمساك من الفجر الصادق إلى الغروب، والنية التي لا بد من تبييتها ليلاً، والنية محلها القلب لا يُتلفظ بها، والصوم واجب على المسلم، البالغ، العاقل، الصحيح، المقيم.
ومن الناس من يُرخَّص لهم في الفطر وتجب عليهم الفدية – إطعام مسكين عن كلِّ يوم، ولا تجزئ القيمة- وهم: الشيخ الكبير، والمرأة العجوز، اللذان لا يطيقان الصوم، والمريض الذي لا يُرجى برؤه ويُجهده الصوم، والمرضع، والحامل، قال ابن عمر رضي الله عنه:"الحامل والمرضع تفطر ولا تقضي" [الدارقطني]، وقال:"تطعم مكان كل يوم مسكيناً[البيهقي]، وبذا أفتى ابن عباس [أخرجه البيهقي]، ودين الله يسر، وقد قال نبي الله صلى الله عليه وسلم:« إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْحَامِلِ أَوْ الْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» [أخرجه أهل السنن إلا أبا داود]، فإذا وضع الله ذلك فليس لأحد أن يلزمهما به قضاءً إلا بدليل.
ومنهم من يفطر ويقضي، وهم: المسافر والمريض، وإن صاما جاز وأجزأ عنهما، والحائض والنفساء، وإن صاما حَرُم، ولم يجزئ عنهما. فإذا حاضت المرأة قبل الغروب بدقيقة وجب عليها الفطر والقضاء. وكل من أفطر بعذر في رمضان عليه أن لا يُظهر ذلك أمام الناس، لا سيما الصغار؛ لئلا يُشوَّش عليهم. والمسافر إذا شقَّ عليه الصوم أثم، وإن لم يشق جاز له الفطر والأولى الصوم.
ومما يُباح للصائم: الإصباح جنباً، لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} [البقرة:187]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً في رمضان [متفق عليه]، ويباح للصائم أن يتمضمض ويستنشق بلا مبالغة، ويُباح له الانغماس في الماء والتبرد به، والكحل، واستعمال البخاخ لمريض الربو، والقطرة في العين وإن وجد طعمها في حلقه، والقُبْلة والمباشرة لمن كان يملك نفسه، والتعطر، ولا بأس بتذوق الطعام مالم يدخل الجوف، وفي الحجامة خلاف، والأحوط تركها حال الصيام.
ويُبطِل الصومَ الأكلُ والشرب عمداً؛ فإن أكل أو شرب ناسياً فلا قضاء ولا كفارة، ويبطله الجماع، وتعمُّد القيء و«من ذرعه القيء فلا قضاء» [الأربعة إلا النسائي]، وما كان في معنى الأكل والشرب بطل الصومُ به كالحقن المغذية، وحيض المرأة ونفاسها. وتجب الكفارة – وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً- على من جامع أهله في نهار رمضان.
وعلى كل أحد أن يعتد بصوم بلده.

وظائف المسلم في رمضان

1/ الصوم. وقد سبق الكلام عن فضله.

2/ القيام.
فقد سنَّ النبي صلى الله عليه وسلم الاجتماع لصلاة القيام (التراويح) في رمضان، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ... وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ "[البخاري ومسلم]. وقد جاء في موطأ الإمام مالك أنَّ الناس في عهد عمر بن الخطاب كانوا يطيلون هذه الصلاة ويعتمدون على العصي من أجل ذلك [الموطأ(1/115)]. وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [البخاري].

3/ قراءة القرآن.
فهذا شهر القرآن، قال الله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:85]، فقد نزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل منجماً بعد ذلك. ولذا كان السلف يجعلون معظم هذا الشهر للقرآن، قال ابن رجب: "وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: إنما هو تلاوة القرآن و إطعام الطعام، قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث و مجالسة أهل العلم و أقبل على تلاوة القرآن من المصحف" [اللطائف، ص(183)].
قال ابن كثير رحمه الله (1/85): "روي عن الإمام الشافعي رحمه الله: أنه كان يختم في اليوم والليلة من شهر رمضان ختمتين، وفي غيره ختمة. وعن أبي عبد الله البخاري -صاحب الصحيح-: أنه كان يختم في الليلة ويومها من رمضان ختمة. ومن غريب هذا وبديعه ما ذكره الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي الصوفي قال: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: كان ابن الكاتب يختم بالنهار أربع ختمات، وبالليل أربع ختمات. وهذا نادر جدا، فهذا وأمثاله من الصحيح عن السلف محمول إما على أنه ما بلغهم في ذلك حديث مما تقدم، أو أنهم كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرؤونه مع هذه السرعة، والله أعلم".

4/ الدعاء.
فإنه لا يُرد، قال نبينا صلى الله عليه وسلم:« ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ»[الترمذي]. وتأمل كيف أنَّ الله تعالى أودع آية الدعاء في سورة البقرة بين آيات الصيام. وإذا أفطر الصائم قال: «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله»، أو: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت».

5/ تعجيل الفطر وتأخير السحور.
فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ»[البخاري ومسلم]، والسنة أن يُفطر على رطب، وإلا فتمر، وإلا حسا حسوات من ماء.
والأذان علامة لدخول الوقت، فإذا دخل الوقت أفطر الصائم سواء سمع النداء أم لم يسمع.
وأما السحور فالحكمة منه أنّ فيه بركةً، فيتقوى به الصائمون، ويصيبون به أجر الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد نعته النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة في كثير من النصوص، والسنة تأخير السحور، وللصائم أن يأكل ويشرب حتى يتبيَّن طلوعَ الفجر، فإذا شكَّ في طلوعه جاز له الأكل والشرب.

6/ الإنفاق.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ" [البخاري ومسلم].

7/ تفطير الصائمين.
فمن الناس من يحظى بأجر رمضانات عديدة في الشهر الواحد، وذلك بتفطير الصائمين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيءٌ» [أحمد والترمذي].
ومن فوائد هذا الحديث سعة فضل الله تعالى، واعلم رعاك الله أنّ كل من أعطاك وحباك فقد بخس غيرك، كمن قسَّم ماله على جماعة، إلا الله فإنه يتفضل على عباده بالعطايا العظام ولا يبخس أحداً منهم.
وفي سنن أبي داود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أكل يوماً في بيت سعد بن عباده رضي الله عنه، فقال له: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ». ورواية المسند: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ». فَقَالَ سَعْدٌ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. وَلَمْ يُسْمِعْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى سَلَّمَ ثَلَاثًا وَرَدَّ عَلَيْهِ سَعْدٌ ثَلَاثًا وَلَمْ يُسْمِعْهُ، فَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّبَعَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مَا سَلَّمْتَ تَسْلِيمَةً إِلَّا هِيَ بِأُذُنِي، وَلَقَدْ رَدَدْتُ عَلَيْكَ وَلَمْ أُسْمِعْكَ؛ أَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتَكْثِرَ مِنْ سَلَامِكَ وَمِنْ الْبَرَكَةِ. ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْبَيْتَ، فَقَرَّبَ لَهُ زَبِيبًا، فَأَكَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «أَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ». ولولا أن في تفطير الصائمين أجراً كبيراً لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحقق الله تعالى ذلك لسعد رضي الله عنه .
تنبيه:
من المخالفات المنتشرة: الصلاة في أماكن الإفطار وتعطيل المساجد عن صلاة المغرب في رمضان.

8/ العمرة.
قال صلى الله عليه وسلم: «عمرةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً معي» [رواه الأربعة إلا النسائي]

9/ السواك.
والسواك مستحب للصائم وغيره؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» [البخاري ومسلم]. ولا بأس من استخدام (معجون الأسنان). ولا فرق بين أول النهار وآخره، والسواك لا يذهب بالخلوف؛ لأنّ سبب هذه الرائحة خلوُّ المعدة من الطعام، فهي منبعثة من جوف الإنسان. وهذا ما أكده بعض الأطباء.

10/ الكفُّ عما يتنافى مع الصوم.
من قبيح المقال وكريه الفعال. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ» [البخاري ومسلم]. لا يرفث: لا يتكلم بالفاحش من القول، ولا يجهل أعم من لا يرفث، ومعناه: لا يقع في الطيش بقول أو فعل. وعند البخاري: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش» [البيهقي].
وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: "إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء". وعن حفصة بنت سيرين رحمهما الله قالت: "الصيام جُنَّة، ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة". وعن ميمون بن مهران رحمه الله: "إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب". ذكر هذه الآثار ابن حزم في [المحلى4/308].

11/ طرق جميع أبواب الخير.
من إجابة المؤذنين، والمحافظة على السنة الراتبة (12) ركعة؛ ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، المحافظة على الصلاة في جماعة، وعدم تفويت تكبيرة الإحرام مهما حصل من انشغال، وشَغْلُ الانتظار بالذِّكر والاستغفار، فليحرص الإنسان على ملء وقته بالذكر، فيذكر الله وهو في طريقه إلى العمل.. في انتظار إجراء معين.. في العيادة...إلخ، المكث بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين، صلاة الضحى، احتساب النوم، فينوي به أن يتقوى على العبادة، والاهتمام بإرشاد الناس إلى الخير؛ لما عندهم من إقبال على الله في هذا الشهر، وصلة الرحم، وتفقد الأرامل واليتامى والمساكين وإدخال السرور عليهم، ورسم البسمة على محياهم، ففي ذلك من الثواب ما لا يعلمه إلا الوهاب.
وجملة القول أنّ على العبد أن يجتهد في رمضان بكل ما يقدر عليه من الخير، إن كثيراً من الناس يجعل من يوم صومه يوماً للراحة وترك العمل، فيقل إنتاجه، وتضعف همته، وتخور قوته، وتضمحل عزيمته! وهذا خطأ، فالصوم ينبغي أن يحمل على الاجتهاد في الطاعة، لماذا؟ لثلاثة أدلة:
الأول: أنّ أبواب الجنة تفتح في رمضان، ومعلوم أن باب الصوم الريان، فلماذا تفتح أبوابها كلها؟ لحث الصائم على أن يعمر وقته بشتى أنواع الطاعات.
الثاني: حديث مسلمٍ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا»؟ قَالَ أبو بكر: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً»؟ قَالَ أبو بكر: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنَا. فَقَالَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». فالصوم أول عمل بدأ به الصديق رضي الله عنه ولم يجعله سبباً للتقاعس عن القيام بغيره من الأعمال.
الثالث: حديث الترمذي: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ».

وظائف المسلم في العشر الأخيرة
إذا دخلت العشر الأخيرة من رمضان فالسنة أن يجتهد الإنسان في عبادة الله تعالى، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ" [البخاري ومسلم]. وشد المئزر كناية عن اعتزال النساء، أو الاجتهاد في العبادة.
ولمسلم عن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ".

ومن الوظائف بالإضافة لما سبق:
1/ الاستغفار.
2/ طلب القبول من الله تعالى.
وانظر لهذين الوظيفتين لطائف المعارف.
3/ زيادة الاجتهاد فإن العمل بالخواتيم.
4/ زكاة الفطر.
5/ الاعتكاف.

ليلة القدر
وقد أنزل الله في شأنها سورة كاملة، والعبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، قال ربنا: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3]. وأما عن زمنها فنحن مأمورون بالتماسها في الوتر من العشر الأخيرة، قال صلى الله عليه وسلم: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ»[البخاري ومسلم]، وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أنها تتنقل في وترها، وأرجى ما تكون ليلة سبع وعشرين.
وتحري هذه الليلة يكون بالاجتهاد في الطاعة؛ لما في فضل العبادة فيها من الأجر الجزيل، فالمحروم من حُرم خيرَها. ويحرص المسلم على قيام ليلها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [متفق عليه]. ويدعو المسلم فيها بما جاء عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، فقد قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: «تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» [الترمذي وابن ماجه]. ومن علاماتها أنها ليلة طَلِقَة، لا حارة ولا باردة، ولا يُرمى فيها بنجم، وتصبح الشمس صبيحتها حمراء ضعيفة لا شعاع لها، كلُّ ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قبل الختام:
أيها الأخ الحبيب:إياك وقطَّاعَ الطريق في رمضان.. وأقصد بذلك: مشاهدة المسلسلات والأفلام الماجنة، والبرامج غير الهادفة، ولعب الورق (الكوتشينة) و(الضمنه)، والسمر مع الأصدقاء، والجلوس في الطرقات، والاستماع للأغاني... فِبغَضِّ النظر عن حكم الترفيه بذلك، ليكن في بالنا أنَّ الإمام مالك رحمه الله كان يترك كتب الحديث؛ لئلا ينشغل عن القرآن، فكيف بهذه الأمور؟!

همسة الختام:
اعلم –أخانا الحبيب- أنَّ العبد إذا أشرك بصرف شيء من العبادة لغير الله من الدعاء ونحوه لم يجد نفعاً صيام ولا غيره، فحقِّق توحيد الله تعالى، وانبذ الشرك فإنه الظلم الأكبر، والذنب الذي لا يُغفر .
أخي الحبيب:
إن هذا الموسم فرصتك للإقلاع عن: التدخين، والأغاني، والمعاكسات، فاصدق الله فيه يصدقك.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، واجعلنا من عتقائك من النار.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصدر: صيد الفوائد ــ د. مهران ماهر عثمان
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 224 مشاهدة
نشرت فى 22 يونيو 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

938,623

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.