رسالة المسجد في الإسلام

الحمد لله المحمود في أول الأمر وآخره، وباطنه وظاهره، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون. أحمده وهو القائل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:36 - 37 - 38]، والقائل جل وعلا: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة18،17]،

والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على النبي محمد القائل: «من بنى لله مسجداً يذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة» [رواه ابن حبان وابن ماجه]. والقائل صلى الله عليه وسلم: «المسجد بيت كل تقي» [رواه الطبراني، وهو حسن].

وأثنّي بالصلاة والسلام والرضوان على الآل الكرام، والصحب العظام، نجوم المهتدين، ورجوم المعتدين، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، فمن اتقى الله، رزق التوفيق والعون، قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل:128].

أيها المسلمون! من المسجد يبزغ الفجر فتضيء الآفاق، فينحسر الظلام وينتشر النور في الأنحاء. ومن المسجد خرج الحق فواجه الباطل وقارعه فاتضح الطريق للسالكين.

ومن المسجد انبثق العلم فعطّر الكون بطيبه، وتفتّحت المغلقات بحسن عَرْفه وأريجه، وفي المسجد الراحة والطمأنينة، والطهر والنقاء، وفي المسجد جلاء القلوب من أدرانها، والألسن من آفاتها، وسائرِ الجوارح من غفلتها وعصيانها. وفي المسجد تنشرح الصدور، وتزكو النفوس، وتطيب الأبدان، وإلى المسجد يُهرع العابدون، ويقبل الطائعون، ويتدفق المنيبون والتائبون. وعلى المسجد أعلام الهداية والصلاح والأمان تنادي الحيارى، وتدعو الشاردين الآبقين: أن هلموا إلى ربكم الرحيم، وإلهكم الكريم. وعلى المسجد تقوم المكارم، ويقوّم الاعوجاج، ويُهدى الناس إلى صراط مستقيم.

المسجد -عباد الله- ملاذ المؤمنين، ومهبط رحمة أرحم الراحمين، المسجد مكان تزهو جوانبه بأصوات ذاكرة، ووجوه خاشعة ساجدة، وعيون هاطلة دافقة، وقلوب رقيقة خاشية، وأقدام منصوبة قائمة أو محنية خاضعة، تتنجس الأماكن وهو لم يزل طاهرا، وتخلو البقاع وهو لا يزال عامرا، المسجد مهد للتآلف والتعارف، والتحابب والتواد وجمع الصفوف وتوحيد المبادئ والوجهات. هو قلعة الإيمان وحصن الفضيلة، والجدار الذي تتكسر عليه معاول الرذيلة، هو المدرسة الأولى التي يتخرج منها المسلم عالماً يفتح القلوب المقفلة والعقول المغلقة، بمفتاح العلم والهداية. ويتخرج منه المسلم قائداً عظيماً يفتح أبواب الكفر الموصدة، ويزيل عن طريق الناس الأشواك المؤذية، كي يتبعوا الحق والإيمان، ويتخرج منه الحاكم الذي يعرف عظم مسؤوليته، ووجوب أداء أمانته أمام ربه في حق نفسه ورعيته.

ويتخرج منه المسلم قاضياً منصفاً يعلم الحق ويقضي به، لا يخاف في الله لومة لائم، ويتخرج منه المسلم يحمل رسالة الحب والنفع للناس في أي مجال يعمل فيه، وفي أي مسؤولية ألقيت على كاهله، ويتخرج منه المسلم عارفاً مِمَ جاء، ولِم جاء، وكيف يعيش، وإلى أين يسير ويصير، فيؤدي حقوق خالقه، وحقوق خلق الله، ويصلح دينه ودنياه.

عباد الله! إن للمسجد في الإسلام دوراً كبيراً وأهمية بالغة في الحياة؛ فمنذ أن تشرفت طيبة الطيبة بأقدام النبي الطيب صلى الله عليه وسلم تطأ عليها قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعمال جليلة؛ لإصلاح النفوس و المجتمع، وحفظ كيان الأمة، كان من أهمها: بناء المسجد، فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المدينة راكباً راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربداً للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر سعد بن زرارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته: هذا إن شاء الله المنزل، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله! فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هِبة حتى ابتاعه منهما.

إن إقامة المسجد -معشر المسلمين- من اللبنات المهمة التي يقوم عليها بنيان الإسلام؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما وصل أراد أن يجمع قلوب المسلمين مهاجريهم وأنصاريهم، وأن يذيب روابط الجاهلية التي تفرقهم، فقام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وهذا الجمع والثلة المؤمنة لابد أن يكون لها مكان تلتقي فيه؛ لتتعلم كيف الحياة في الإسلام، ولتوثق الصلة فيما بينها، فأنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم -لأجل هذه الغايات- المسجد.

أيها المسلمون! أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ليكون منهلاً ومورداً لنيل العلوم والمعارف، وتلقي كلامه عليه الصلاة والسلام، ورؤية أفعاله ليكتمل الاقتداء بالأقوال والأفعال، وليكون داراً للهداية وتعريف الناس بخالقهم، واستقبال وفود الإسلام بعد الكفر والطغيان، ووفود التوبة بعد الإسراف والعصيان، وليكون قاعدة ينطلق منها المجاهدون وتعقد فيها ألوية الحق لتفتح القلوب والبلدان.

وعُمر المسجد ليكون ملاذاً للفقراء والمعوزين من أصحاب الصفة الذين حبسوا أنفسهم على العلم، أو عدموا الكفاية والمأوى، وارتفعت عُمد المسجد ليكون مجلساً استشارياً يتشاور فيه المسلمون، ويُدار فيه الرأي لتحصيل مرغوب أو دفع مرهوب. وليصير مرجعاً وموئلاً للمسلمين حينما تدلهم عليهم الخطوب فينادى بـ: الصلاة جامعة، فيتقاطرون عليه ليجدوا الحل والأمن.

أيها المسلمون! مما سبق يتبين أن المسجد لم يُبن للصلاة فحسب وإنما بُني لكل ما من شأنه أن يصلح حال المسلمين روحياً ونفسياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وعسكرياً، في أيام الحرب وأيام السلم. وإن أعداء المسلمين يريدون تحجيم دور المسجد وإقصاءه عن الحياة المختلفة ليكون مقراً لأداء الصلوات فقط كالكنائس والبيع والصوامع، فينفصل بذلك دوره عن المجتمع وينفصل المجتمع عنه، وهذا لعمر الله إحدى الدواهي والطوام على دين المسلمين ودنياهم.

وانظروا -عباد الله- وتأملوا حال الدول الإسلامية التي استجابت لهذه الدعوة الماكرة ماذا كانت النتيجة؟ أصبحت مساجدها مهجورة غير مأهولة إلا من الشيوخ والعجزة، وبانتهاء الصلاة تغلق الأبواب ولا تفتح إلا عند دخول الصلاة الثانية، وصار المنبر مقيداً بما يملى عليه، فغابت بذلك رسالة المسجد العامة، وقل اهتمام الناس وحبهم له وضعف إقبالهم عليه ومازال الناس يبتعدون عن دينهم بقدر ابتعادهم عن مساجدهم.

وانقلوا -عباد الله- بصركم وبصيرتكم إلى من عرفوا قيمة المسجد ودوره العظيم في بناء الأجيال وتربية الشعوب عندما جعلوه جهة مقصودة لإصلاح دينهم ودنياهم، وموجهاً لتقويم السلوك المعوج، وتوجيه السالك الضال أو الحائر، كيف غدت مجتمعاتهم؟ وكيف أصبح تمسكهم بالدين الحق وسلوكهم الصراط المستقيم.

وإن المسجد سيظل غصة في حلوق الأعداء، وشوكة في قلوبهم، وعامل قلق عندهم يوم يؤدي دوره الصحيح الحكيم في توجيه المسلم في مختلف مجالات الحياة؛ ولذلك لا تعجبوا إذا سمعتم بعض أعداء الأمة يقولون: إن المسجد هو ورشة الإرهاب!

أيها المسلمون! إذا كان للمسجد هذه المكانة والأهمية فإن بناءه وإقامته من الأعمال الجليلة، والحسنات الباقية، والنفع العام، والأجر المدخر، والذكر الحسن والعمل المشكور لصاحبه، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «..ومن بنى مسجداً كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة» [رواه ابن ماجه وابن خزيمة]، وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «إن مما يلحق المؤمنَ من عمله وحسناته بعد موته: علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته» [رواه ابن ماجه وابن خزيمة وهو حسن].

ولما كان هذا العمل عبادة من العبادات، وقربة من القربات اشتُرط في جزائه وثوابه الإخلاصُ وحسن القصد والبعد عن الرياء والسمعة.

فعن عثمان رضي الله عنه أنه قال- عند قول الناس فيه حين بنى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم أكثرتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من بنى مسجداً يبتغي وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة». وفي رواية: «بنى الله له مثله في الجنة». [متفق عليه]. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه و سلم: «من بنى مسجداً لا يريد به رياء ولا سمعة بنى الله له بيتاً في الجنة» [رواه الطبراني].

أيها المسلمون! إن من العجز والكسل والإثم أن تبنى المساجد في الأحياء والقرى والمدن ويقل روادها وقصّادها وتغدو شبه مهجورة في الصلوات الخمس، ولو دعي بعض الهاجرين للمساجد إلى مهرجان أو مكان تقسم عليهم فيه من أمتعة الدنيا لما تخلفوا.

وأبواب المساجد أبواب إلى الجنة فما بال الناس يعرضون عنها ويلوون لها ظهورهم، وإلى غيرها تتجه وجوههم وخُطاهم!.

مع أن المسلم في أجر وفير وفضل كبير منذ وضوئه وذهابه إلى المسجد حتى يعود منه.

فما الذي يبعد المسلم عن المسجد؟

أهو خموله وكسله، أم تجارته وانشغاله بدنياه، أم لهوه في مجالس الرفقاء والندماء، أم جهله فضل الصلاة في المساجد وأجر المشي إليها والبقاء فيها، أم أنه يتكأ على القول باستحباب الصلاة جماعة مع أن الراجح القول بالوجوب، سواء كان هذا أم ذاك فإن الإتيان إلى المساجد توفيق يعطيه الله من يشاء. ولا يلقاه إلا الذين صبروا ولا يلقاه إلا ذو حظ عظيم.

وهذا ربنا يستحثنا للمجيئ إلى بيوته فيقول في كتابه الكريم: {.. فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9].

وتكاثرت أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم المرغبة في الإتيان إلى بيوت الله بأساليب شتى:

فأحياناً يبين صلى الله عليه وسلم أن المشي إلى المسجد سبب لتكفير الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: «من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة تمحو سيئة، وخطوة تكتب له حسنة ذاهباً وراجعا»، [رواه ابن حبان وأحمد]، وأحياناً يعرفنا أن الماشي إلى الصلاة هو في صلاة والمنتظر لها كذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «والقاعد يرعى الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه» [رواه أحمد].

وتارة يعلمنا أن الماشي ضيف على الله يقابله تعالى بالإكرام، قال صلى الله عليه وسلم: «من غدا إلى المسجد وراح إليه أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح» [رواه مسلم].

وقال صلى الله عليه وسلم: «من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله، وحق على المزور أن يكرم الزائر» [رواه الطبراني].

وتارة يبين لنا أن المداوم على المشي موعود بكفاية رزقه، وإن مات على ذلك فيرجى له دخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة كلهم ضامن على الله، إن عاش كفي، وإن مات دخل الجنة: من دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله عز و جل، ومن خرج إلى المسجد فهو ضامن على الله، ومن خرج في سبيل الله فهو ضامن على الله» [رواه البخاري في الأدب المفرد].

والماشي لصلاة الفجر أو المغرب والعشاء مبشر بالنور التام يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليبشر المشاؤن في الظلام إلى المسجد بالنور التام يوم القيامة» [رواه ابن خزيمة].

وصلاة الجماعة لها فضل كبير على صلاة الفرد والبيوت، قال صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» [متفق عليه].

أيها المسلمون! روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها». فالمسجد مكان محبوب لله ولعباده الصالحين فينبغي للمسلم التمسك بآدابه واتباع تعاليم الإسلام فيه.

فإن المسلم إذا أقبل إلى المسجد فعليه أن يقبل بسكينة ووقار من غير جري، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:«إذا ثوب للصلاة» أي: إذا قال المقيم: حي على الصلاة حي على الفلاح. «فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا؛ فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة». [رواه مسلم]، وعلى المسلم أن يدعو في طريقه إلى المسجد بما ثبت في صحيح مسلم عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى الصلاة وهو يقول: «اللهم اجعل في قلبي نورا، وفى بصرى نورا، وفى سمعي نورا، وعن يميني نورا، وعن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وخلفي نورا، وعظّم لي نورا». ومناسبة هذا الدعاء النوراني في الذهاب إلى المسجد: أن المكان الذي يتجه إليه هو مطلع لتشعشع النور واقتباسه، والصلاة التي يؤديها فيه هي نور، فالصلاة نور والمسجد نور، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء، فإذا دخل المسجد قال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، أو: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. وحينما يخرج يقول: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم إني اسألك من فضلك، اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم. وعندما يصل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين تسميان بتحية المسجد، كل ذلك ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله.

عباد الله! إن دخول بيوت الله والبقاء فيها ليس كالدخول إلى غيرها؛ فإن المسجد مكان مقدس لم يُبن إلا لذكر الله تعالى وما والاه؛ ولذا على المسلم أن يبتعد عن المحظورات والمنهيات التي تخل بقدسية هذا المكان الطاهر أو تؤذي زائره. فعلى المسلم: أن يقضي وقته في المسجد بذكر الله وطاعته، وأن يعرض عن حديث الدنيا غير النافع، وأن يسارع إلى استباق الصفوف الأولى، وأن يحافظ على نظافة المسجد ورائحته الطيبة.

وعليه أن يتجنب إيذاء الآخرين أو ما فيه أذية لهم كالبصاق والنخامة، و رائحة البصل والثوم والكراث والدخان ونحو ذلك، وأن يترك رفع الصوت وإنشاد الضالة والبيع والشراء؛ فإن المساجد لم تعمر لهذا، وقد جاء في هذه الأمور أحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وسلم.

عباد الله! طوبى لمن تعلق قلبه بالمساجد، وأضحى رائداً من روادها وقاصداً من قاصديها، فيا بشراه حين يستظل في ظل الله يوم القيامة، قال عليه الصلاة والسلام: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد..» [متفق عليه]، تعلق قلبه بالمساجد للعبادة وإصلاح النفس، ولم يتعلق قلبه بغيرها كالأسواق، أو دور اللهو والضياع، فكان هذا الوعد الصادق جزاءه.

وما أطيب جلساء الإنسان في بيوت الله، وأكرمهم، وأحسن عوائدهم، فمن هولاء الجلساء؟ قال عليه الصلاة والسلام: «إن للمساجد أوتاداً- أي: رواداً- الملائكة جلساؤهم، إن غابوا يفتقدونهم، وإن مرضوا عادوهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم. وقال: جليس المسجد على ثلاثة خصال: أخ مستفاد، أو كلمة حكمة، أو رحمة منتظرة» [رواه أحمد].

وما أعظم راحته وطمأنينته وجزاءه حين يكون المسجد منزله الذي يديم الإقامة فيه لطاعة الله، قال عليه الصلاة والسلام: «تكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح و الراحة و الجواز على الصراط إلى رضوان الرب عز و جل سبحانه» [رواه البزار والطبراني]. وأي صوت أجمل، وأي سعد يزف إليه أعظم من سماعه ذلك النداء العذب يترقرق في سماعه يوم القيامة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني أين جيراني؟ قال: فتقول الملائكة: ربنا! ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمار المساجد؟» [انظر: تخريجه في السلسلة الصحيحة]. فنسأل الله أن يجعلنا من عمار المساجد. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،

أما بعد:

عباد الله! إن المساجد بنيت لإقامة طاعة الله وذكره، والتقرب إليه وعبادته، ولجمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفوفهم وتأليف قلوبهم، يوم يجتمعون في هذا المكان الطاهر لا يفرق بينهم جنس أو لون أو غنى أو فقر أو جاه، يجتمعون في هذه البقعة المقدسة لإصلاح ظواهرهم وتصفية بواطنهم من الأحقاد والأضغان، يوم يصفون صفوفاً متساوية على أقدام متراصة وأكتاف ملتصقة ببعضها.

ألا يربي المسلمين هذا -عباد الله- على جمع الكلمة ولمِّ الشتات صفاً واحداً وأمةً متحدة، أم أن أفعالنا في مساجدنا صارت حركات لا معاني لها وشعائر ظاهرة لا أثر لها في واقعنا، ولا تعمّق فينا شيئاً من الاتحاد والمحبة. لماذا لا نترك أسباب التفرق والتشظي من تعصب لقبيلة أو منطقة جغرافية أو حزب أو جماعة أو رأي؟! فإن هذه الأدواء قد عملت على تمزيق ألُفتنا ووحدتنا ما لم تعمله أسلحة الأعداء. فأين الواعون، وأين المصلحون المخلصون، وأين المتأملون في رسالة المسجد الشاملة؟

فيا أيها الناس! لنكن واعين رسالة المسجد التي أقيم لأجلها ولننطلق بها إلى بناء الحياة بناء سليماً متحدين غير متفرقين، ومتحابين غير متناحرين، وأن لا نجعل المسجد بداية الصراع ومنطلق الشقاق، فالخصومة والتشاجر لا تليق بالمساجد، فإذا صارت المساجد أماكن للخصومات والمنازعات فأي خير سنرجو منها أو هدى نلقاه فيها، وهي قد كدرت بالنزاع والصراع؟ فلعل ذلك الاختلاف سيؤدي إلى نفور بعض الناس عن المساجد وكراهيتهم لها ولأهلها.

يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة114:]، قال بعض المفسرين: يدخل في خرابها: الخراب الحسي بهدمها وتخريبها، والخراب المعنوي بمنع الذاكرين لاسم الله فيها على أي وجه كان.

________________________

 

المصدر: منبر علماء اليمن
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 118 مشاهدة
نشرت فى 25 مايو 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

912,545

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.