المخدرات أم المهلكات
بسم لله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي كرم الإنسان وفضله بالعقل على سائر الحيوان، وحكم أن ما يفسد العقل وينشر الإجرام والعدوان رجس من عمل الشيطان، والصلاة والسلام على عبدِ الله ورسوله محمد القائل كل مسكر خمر وكل خمر حرام.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أما بعد:
عباد الله!
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فاتقوا الله حق تقواه.
الأخوة المؤمنون!
إن من أعظم سبل الشر وبواعث الإفساد والعدوان وتحطيم المجتمعات الاتجار في المخدرات وتهريبها وتعاطيها والإدمان عليها، فهي تفسد العقل وتبلد الشعور وتثير في النفس بواعث الشر والعدوان، وتذهب الحياء وتزيل المروءة وتجلب الخسة والوقاحة وتتملك على متعاطيها مشاعره وأحاسيسه فتحولها إلى عدوانية وحشية، وخنزيرية فاقدة لجميع معاني النخوة والغيرة والرجولة.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخمر بأنها: «أم الفواحش وأكبر الكبائر، من شربها وقع على أمه وخالته، وعمته» [رواه الطبراني عن ابن عباس وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعاً وحسنه الألباني].
وقد جاء في الأثر: "إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبد فعلقته امرأة غوية؛ فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة فانطلق مع جاريتها، فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة ومضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة ولكن دعوتك لتقع علي أو تشرب من هذه الخمرة كأساً أو تقتل هذا الغلام، قال: فأسقيني من هذا الخمر كأساً، فسقته كأساً قال: زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه" [رواه النسائي موقوفاً على عثمان رضي الله عنه وصححه الألباني].
هذا هو شأن الخمر، والمخدرات أقبح قبحاً وأكثر سوءاً وضرراً من الخمر، ولذلك فإن جميع الدول من إسلامية وغير إسلامية تحرم تعاطي المخدرات وترويجها وزراعتها والاتجار بها، وما ذاك إلا لما لمسوا من نتائجها الكارثية.
وقد تداعت الأمم والدول لمحاربة المخدرات، وقد شرعت بعض الدول قوانين بعقوبة مهربي المخدرات بالإعدام باعتبار أنهم من المحاربين لله ولرسوله والساعين في الأرض فساداً، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].
هذا في حق المهرب وقريباً منه المروج لأنَّ هذين أساس الشر ومنطلق الفساد فكم نجم عنهم من جرائم بشعة في حق الأفراد والمجتمعات والدول، وعصابات المافيا في بعض الدول وجرائمها ضد الإنسانية مشهورة معلومة.
وتحالف الشر والإجرام في بلادنا بين عصابات التهريب الأجنبية، وشياطين ومجرمي التهريب من الداخل وبعض الشخصيات المتنفذة لا تخفى مؤامراتها ولا يجهل جرائمها ضد سيادة الوطن وأمنه وأخلاقه واقتصاده صغير ولا كبير.
وللأسف فإن أكابر المجرمين من المتنفذين والمهربين يسعون دائما ً إلى إيجاد عصابات يغذونها بكل الأخلاق السيئة والتصرفات القبيحة والوسائل الدنيئة حتى يصبح كل أولئك لأفراد وتصبح تلك العصابات سلوكاً سائداً وعادة مستمرة تشكل كارثة على الأمة كلها، فمن استطاعوا جلبه بالوسائل الخبيثة فعلوا، ومن لم يستطيعوا استخدموا ضده وسائل العنف التي تصل في حق العاملين إلى ملاحقتهم ومحاربتهم إلى حد التصفية الجسدية، ثم استخدام النفوذ والمال والأساليب الشيطانية لتبرئة المجرمين وتصوير أن الأشراف المجاهدين في مكافحة هذا البلاء الوباء الخبيث بأنهم هم المجرمون والإرهابيون وغير ذلك من الصور القبيحة كما حصل أخيراً في الجريمة البشعة التي استهدفت الأخ المجاهد في هذا السبيل الضابط البطل نظيف اليد حسن السمعة نائب مدير مكافحة المخدرات المقدم عدنان محمد عكيش رحمه الله.
فرغم أن المقدم عكيش قُتل وهو يقوم بواجبه ببسالة وشجاعة نادرتين مع فريق من زملائه الأشاوس، ورغم أن هذا الرجل قد نعته إدارة أمن حضرموت وعزت فيه وزارة الداخلية والسلطة المحلية لمعرفتهم التامة ويقينهم بحقيقة الرجل، إلا أن الماكرين مكراً كباراً قد غيروا الصورة وقلبوا الحقيقة، وصوَّروا الأخ عدنان ورفاقه بأنهم عصابة، وحيناً يقولون أنهم من أنصار الشريعة وحيناً يقولون عصابة تقطّع ونهب، أرادت أن تسرق سيارة القاتلين.
وبناءً على ذلك صُور القاتلون المجرمون المتلبسون بجرائم عديدة المتخلون عن صفات الشرف والرجولة وخصائص أهل حضرموت الأشراف صوراً بأنهم رجال أبطال يستحقون التبجيل والإكرام، وعليه فقد هربوا من يد العدالة بعد الإمساك بهم ووجدوا من أهلهم وقبائلهم من يفتخر بفعلهم ويحميهم بكل وسيلة ويفديهم بنفسه.
نعم هذه هي مكائد المجرمين ودهائهم الشيطاني من خداع الطيبين واستدراج المغفلين، كما هو شأن المنافقين من قبل الذين كانوا يحيكون تلك المؤامرات وقد حذر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105]
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذر التحذير الشديد وزجر الزجر الأكيد من التعاون مع المجرمين وإيوائهم والتستر عليهم والدفاع عنهم، فقال صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن المدينة: «من أحدث فيها حدثاً أو أوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً» [رواه البخاري ومسلم].
ويدخل في الحديث كل جريمة أياً كان نوعها، ولا شك أن جريمتي القتل وتهريب المخدرات من أعظم الجرائم وقد عد العلماء إيواء المحدثين أي المجرمين من أكبر الكبائر في المدينة أو في أي مكان، فحذاري أيها الطيبون الأبرياء -إذا كانت تبلغهم هذه الخطبة ويسمعون هذا الكلام- حذاري أن تحموا هؤلاء المجرمين فتدخلوا في هذا الوعيد الشديد واللعنة وإحباط العمل، ومن أجل مَن؟
تفعلون ذلك توقعون أنفسكم في هذا اللعن والعذاب العظيم والشديد وإحباط الأعمال، من أجل من؟؟
من أجل مجرمين سفلة، هذا مالا يفعله عاقل، والأشد والأنكى موقف قيادة أمن الوادي والصحراء التي تواطأت وتهاونت مع المجرمين؛ مما مكنهم من الهرب إن صح ما نقل إلينا، فهي إن صح ذلك مشاركة في الجريمة خائنة للأمانة بل خائنة الخيانة الكبيرة لله وللوطن وللأمة تجب محاكمتها ومعاقبتها أشد العقوبة.
وأقول في كل من أعان مجرماً من السابقين والحاضرين واللاحقين، فما وضع الرجل في ذلك الموضع ما أعطيت الرتب وما صفت على كتفه النجمات والنسور وأعطي المرتبات وحفي به الأجناد إلا من أجل حماية الناس وأمنهم، ومن أجل الإخلاص لهذه البلاد، فإذا كان يعمل ضدها وضد أمنها ويتعاون مع المجرمين فهو خائن كبير من أكبر الخائنين في هذه البلاد يجب أن يعاقب العقوبة اللازمة.
نعم، تجب محاكمة أولئك القادة إذا صح ما نسب إليهم، تجب محاكمتهم ومعاقبتهم -أقصد قادة الأمن الذين تسببوا في تهريب هؤلاء المجرمين- أشد العقوبة ولا يجوز أن تبقى مثل هذه القيادات التي ثبت تورطها في مثل هذه التصرفات في مثل هذه المناصب الهامة والحساسة.
ويجب على وزير الداخلية ومحافظ محافظة حضرموت أن يقوما بواجبهما بمحاسبة ومعاقبة كل من تسبب في إفلات المجرمين الذي هو نموذج للانفلات الأمني الشامل الذي تشهده البلاد، كما أن عليهما وعلى جميع الأجهزة الأمنية القيام بالواجب في استعادة المجرمين إلى السجن ومحاكمتهم وإنزال أشد العقوبات بهم.
وعلى جميع المواطنين ممن يقدر منهم على الإبلاغ عن أولئك المجرمين أو بذل أي سبب للقبض عليهم فذاك من التعاون على البر والتقوى، بل عليهم الإبلاغ عن أي مروِّج للمخدرات صغيراً كان أو كبيراً؛ فإن أولئك من أكبر المفسدين وهم الذين أفسدوا شبابنا في هذه البلاد، والله تعالى يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
ويقول جل ذكره: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].
أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.