إدمان النساء
تتداول المجتمعات الغربية عبارة ود وتلطف يزين بها الرجال أجواء الجنس الناعم، وينطلقون منها كقاعدة للمجاملة في التعامل حيث يرددون (النساء أولا) وكمثال، يتجسد ذلك على الواقع في الدخول إلى الأماكن العامة أو الخروج منها، يدور حول تاريخ العبارة وأغراضها حديث متنوع وبصرف النظر عن ذلك لا أرى مصلحة في وضع النساء أولا في عنوان المقال لأن حدوث ذلك سيقلب الأمور رأسا على عقب، وللقراء الكرام حرية التقديم والتأخير خارج نطاق مسؤوليتي ليس لأن كيدهن عظيم فحسب بل لأن المخفي أعظم…على أي حال، توهمنا فيما مضى من الأوقات استحالة ضلوع المرأة في بعض القضايا التي وسم طابع التعاطي معها وممارستها أو لنقل ارتكابها بالانحسار في دائرة العالم الذكوري، مثلما توهمنا اعتباطا بأن النجاح والتميز والريادة في الأعمال مسارات تخص«القوامين على النساء» لتفاجئنا الأيام بأن الصورة الذهنية يمكن غسلها في حوض مجريات الحياة، وأن الاستحالة في أمور شتى تتلاشى في عصر قطع على نفسه وعدا بتجاوز المألوف وتخطي القيود سرا وعلانية.
عمود الأسرة، ربة البيت، حصن المجتمع وسياجه المتين، مربية الأجيال موروث ثقافي يحمل في طياته دلالات إيجابية للكائن الجميل الموشح بالسرور والدفء(المرأة)غير أن ذلك المفهوم لم يصد مد وجزر الممكن والمستحيل ولم يعقها من الوقوف على أعتاب «كل شيء صار موجودا في كل مكان».
اليوم سوء الطالع يكشف بتجلٍّ أن الطرق لم تعد مغلقة بين النساء والمخدرات، النفق المظلم يستقبل الجميع بديموقراطية خبيثة لا تفرق بين الذكر والأنثى، وعلى خارطة الوطن العربي من مآسي الإدمان ما يدمي القلوب، قطار الحياة المعاصرة وتداعياتها يتجاوز بالنساء حدود تعاطي المخدرات إلى محطات الإدمان عليها، في غفلة عين الرقيب وحراس الفضيلة الذين يرون في زينة المرأة خارج بيتها ما يبعث على الريبة ويشجع على السير خلفها!.
ويتوارون عن الأنظار حال تعثرها وعثرتها.
من مظاهر الإدمان أنه لا يأتي بمفرده، دائما وفي معيته وفد من الاضطرابات الذهنية والأمراض النفسية والتخلص من آثار هذه الآفة المدمرة يستدعي علاجا تتعدد مساراته ويطول أمده وتتصاعد تكاليفه، وعن إدمان النساء يرى المختصون أن المشكلة تتخطى المرأة نفسها لتطول بآثارها السلبية المترتبة على التعاطي حياة الجنين في حالة الحمل، ومن المتفق عليه أيضا أنه – أي الإدمان – يلقي بظلمته على كل مكان في كيان الأسرة ليشعل فتيل القلق الاجتماعي، ومن الطبيعي إذاً أن تهتز تصرفات المرأة تحت سيطرة المخدرات، على سبيل المثال تربية المرأة – الأم لأبنائها ستكون حتما مشبعة بالسلبية والمزاجية، ومكانتها وكينونتها في أكثر من اتجاه ستكون عرضة للفوضى والاستغلال. التوقعات تكثر والحديث يطول في هذا المنحى.
والمملكة العربية السعودية جزء من العالم وفي غير معزل من التحولات ولها مكانة اقتصادية ودينية جعلت منها وجهة يقصدها ملايين البشر للعمل والاستثمار والحج والعمرة بشكل دائم؛ لتكون مقرا للثقافات المختلفة والسلوكيات المتنوعة ومن المجمع عليه أنها من الدول التي يستهدفها الأشرار بالمخدرات لأهداف يطول شرحها. وفي شأن إدمان النساء تدور في قلب الطاولة الرسمية نقاشات خجولة تتخللها تصاريح مضطربة بين حد الاعتراف بوجود المشكلة وعدم القدرة على تحديد حجمها الفعلي، قد يسهم المجتمع بشكل أو بآخر في عملية الغموض من حيث التحفظ وعدم الإفصاح عن حالات الإدمان لاعتبارات ترتكز على محور السمعة الأسرية غير أن ما يمكن تأكيده وفقا للمتاح من المعلومات، أن مادة الحشيش والإِمفيتامين (الحبوب المنشطة) مائدة التعاطي المفضلة لدى السعوديات.
على أرض الواقع منظومة من الجهود التي تبذلها الدولة لاحتواء المشكلة فبالإضافة إلى مكافحة المخدرات التي تشارك المرأة السعودية فيها مهنيا وبالأخص في مجال التوعية تم إنشاء مستشفيات الأمل لعلاج الإدمان وإعادة تأهيل المدمنين بسياسات وإجراءات عمل تحقق الرعاية بسرية تامة وللطبيبات السعوديات والاختصاصيات والفنيات في هذه المنشآت وغيرها من مراكز علاج الأمراض النفسية حضور مميز يستحق الذكر والإشادة.
وفي الخلاصة: إدمان بعض النساء على المخدرات واقع محلي والمواد المستخدمة من (النوع الثقيل) وشرها مستطير وغياب الحجم الحقيقي للمشكلة في حد ذاته مشكلة والآثار المترتبة على ذلك ستشكل فاجعة مستقبلية، وحيث إن العادة جرت على أن تكون خاتمة ردة فعل المتحدث الرسمي متوجة باتهام الكاتب – أي كاتب – بالإثارة وتطالبه بتحري الدقة واستسقاء المعلومات من مصادرها الموثوقة فإنني في هذا المقام أرد بضاعة المتحدث الرسمي له أملا أن يقول ما يجب في إطار ما يطالب به ويلقي بمزيد من الضوء على قضية وطنية مهمة للغاية.