تاريخ الصحابة -رضوان الله عليهم- شابه الكثير من الشبهات والتهم التي أُثيرَت حولهم ، سواءٌ من المستشرقين أو المستغربين الذين فُتِنُوا بالغرب وصاروا لسانًا له يروجون أقواله وأفكاره، طاعنين في صحابة رسول الله ورضي الله عنهم أجمعين.
فهؤلاء الطاعنون في صحابة رسول الله إنما يريدون بطعنهم هذا رسول الله ذاته، ولكنه لا يتمكنون من ذلك فيطعنون في أصحابه فإن فسد الأصحاب فسد الرجل، وإن صلح الأصحاب صلح الرجل.
فالطعن في الصحابة طعن في الدين؛ لأن الدين أتانا عن طريقهم، كما يقول ابن تيمية رحمه الله.
وما أعتقد أن شخصية في تاريخنا الإسلامي من الرعيل الأول من الصحابة الذين تربوا على يدي رسول الله ، قد نالها من التشويه والدس والافتراء والظلم ما نال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- سوى سيدنا عمرو بن العاص ؛ حيث امتلأت معظم المصادر التاريخية بالكثير من الروايات الضعيفة أو المكذوبة على هذا الصحابي الكريم معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما؛ فكان لزامًا علينا الحديث والكتابة عنه، والذَّبُّ عن عرضه وفق المنهج الصحيح، فمعاوية أحد الصحابة الذين كَثُرَ الطعنُ فيهم، والافتراء عليهم والظلم والتشويه لهم، وربما يرجع ذلك إلى أن معاوية صِهْرُ -رسول الله - وخال المسلمين وأمير المؤمنين، وكاتب وحي رب العالمين، فإذا طعن فيه أصبح من اليسر الطعن فيما سواه من صحابة رسول الله ، هذا بالإضافة إلى ما شابه من أحداث الفتنة، فهذا وغيره سمح لهؤلاء الجهلة بالطعن فيه.
أما جمهور الأمة الإسلامية فقد أجمع على عدالة جميع الصحابة، سواءٌ من لابس الفتنة منهم في كلا الفريقين، أو الفريق الثالث الذي اعتزلها، وفيه يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله: معاوية عندنا محنة (اختبار)؛ فمن رأيناه ينظر إليه شَزَرًا اتهمناه على القوم (يعني الصحابة).
وقد حذَّرَ رسولنا الكريم من الطعن في صحابته الأخيار، وأوجب على جميع المسلمين أن يعرفوا لصحابته قدرهم وحقهم، فهم في منزلتهم كالنجوم العوالي، فهيهات هيهات أن يبلغ أحد من العالمين مِن بعدِهِم منزلتهم، فمن طعن في صحابة رسول الله فقد آذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله فقد آذى رب العالمين. روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله : "اللهَ اللهَ في أصحابي، اللهَ اللهَ في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببُغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى، ومن آذى اللهَ فيوشك أن يأخذه".
وانظر أيضًا إلى هذا الحديث الشريف الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه". ومعنى قوله (نصيفه) أي: نصف المد.
صحبة معاوية لرسول الله
يعد معاوية من أكابر الصحابة -رضوان الله عليهم- فهو أحد كُتَّاب الوحي، العاملين بكتاب ربهم، المحافظين على سنة نبيهم، الذَّابِّين عن شريعته، القائمين بحدوده، المجاهدين في سبيله.
وقد صحب معاوية رسول الله وكتب له وشهد معه حنينًا والطائف وأعطاه رسول الله من غنائم حنين مائة من الإبل وأربعين أوقية، وهاجر إلى المدينة فأخفى رسول الله بينه وبين أحد أصحابه. وكان زيد بن ثابت الأنصاري من بني النجار ألزم الناس للقيام بواجب الكتابة للنبي ثم تلاه معاوية بعد الفتح، فكانا ملازمين للكتابة بين يديه في الوحي وغير ذلك، لا عمل لهما غير ذلك.
ولقد نال معاوية شرف الصحبة، وشرف الجهاد تحت لواء الرسول .
وكان معاوية موضع ثقة النبي فلذلك جعله من جملة الكتاب بين يديه الذين يكتبون الوحي له، فقد روى هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "لما كان يوم أم حبيبة من النبي دقَّ الباب دَاقٌّ؛ فقال النبي : انظروا من هذا؟ قالوا: معاوية. قال: ائذنوا له. فدخل وعلى أذنه قلم يخط به، فقال: ما هذا القلم على أذنك يا معاوية؟ قال: قلم أعددته لله ولرسوله. فقال: جزاك الله عن نبيك خيرًا، والله ما استكتبتك إلا بوحي من الله، وما أفعل صغيرة ولا كبيرة إلا بوحي من الله".
معاوية مع أبي بكر وعمر وعثمان
وقد نال معاوية ثقة الخلفاء الراشدين ففي خلافة أبي بكر سير الخليفة أبو بكر الصديق أربعة جيوش إلى الشام بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وكان كل جيش منها يضم سبعة آلاف مقاتل تقريبًا، واجتمع إلى أبي بكر بعدها أناس؛ فوجههم إلى الشام وأمَّر عليهم معاوية ، وأَمَرَه باللحاق بأخيه يزيد، فخرج معاوية حتى لحق به، وكانت هذه أول مهمة قيادية يتولاها معاوية في الفتوح وشهد معاوية اليرموك وفتح دمشق تحت راية أخيه يزيد.
وفي عهد عمر بن الخطاب أرسل يزيد بن أبي سفيان حملة بإمرة أخيه معاوية إلى سواحل الشام، ففتحها.
وفي سنة 15هـ أَمَّر عمر معاوية بن أبي سفيان على قيسارية وكتب إليه: "أمَّا بعد، فقد وَلَّيتُك قيسارية؛ فسِرْ إليها واستنصِرِ اللهَ عليهم، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهُ ربُّنا وثقتُنا ورجاؤُنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير". فسار إليها فحاصرها وزاحفه أهلها مراتٍ عديدة، فاقتتلوا قتالاً عظيمًا، فاجتهد معاوية في القتال حتى فتح الله عليه، وقتل منهم نحوًا من مائة ألف، وبعث بالفتح والأخماس إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب .
وذكر الطبراني في تاريخه، والبلاذري في أنساب الأشراف، والذهبي في السير أنه لما قدم عمر الشام تلقاه معاوية في موكب عظيم وهيئة، فلما دنا منه قال: أنت صاحب الموكب العظيم؟
قال: نعم.
قال: هذا حالك مع ما بلغني عنك من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك!
قال: نعم.
قال: ولمَ تفعل ذلك؟
قال: نحن بأرضٍ جواسيسُ العدوِّ بها كثير، فيجب أن نظهر من عزِّ السلطان ما يرهبهم، فإن نهيتني انتهيت.
قال: يا معاوية، ما أسألك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس، لئن كان ما قلتَ حقًّا إنه لرأى أريب، وإن كان باطلاً، فإنه لخدعة أديب.
قال: فمُرْني.
قال: لا آمرك ولا أنهاك.
فقيل: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ما صدر عما أوردته.
ويُروى أيضًا أن معاوية دخل على عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- وعليه حُلَّة خضراء، فنظر إليها الصحابة، فوثب إليه عمر بالدرة، فجعل يقول: اللهَ اللهَ يا أميرَ المؤمنين، فيمَ فيم؟ فلم يكلمه حتى رجع، فقالوا: لمَ ضربته، وما في قومك مثله؟!
قال: ما رأيت وما بلغني إلا خيرًا، ولكني رأيته وأشار بيده، فأحببت أن أضع منه ما شمخ.
وفي عام 18هـ حدث طاعون عمواس، فذهب بكثير من رجالات المسلمين منهم: أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وكان يزيد قد أقام أخاه معاوية مكانه في دمشق، فلما هلك يزيد أمَّر عمر بن الخطاب معاوية على دمشق ثم أضاف له الأردن وفلسطين وحمص إذ توفي شرحبيل بن حسنة بطاعون عمواس وهو على الأردن، وسار عمرو بن العاص لفتح مصر وكان على فلسطين، ومات عمير بن سعد الذي كان واليًا على حمص بعد وفاة عياض بن غنم.
وقد لاحظ معاوية وهو ينازل الروم باستمرار أن قوتهم في البحر هي العامل الأساسي في بقائهم، وأن التهديدات البرية للروم لا قيمة لها إذ إن المدن الساحلية في الشام معرضة باستمرار للتهديد؛ لذا فلابد من إقامة قوة إسلامية بحرية توقف سلطان الروم البحري عند حده، وأحب قبل القيام بهذا المشروع استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ فكتب له:"يا أمير المؤمنين، إن بالشام قرية يسمع أهلُها نباحَ كلاب الروم وصياح ديوكهم، وهم تلقاء ساحل من سواحل حمص، فإن أذنت بركوب البحر".
فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- ليصف له البحر، فأجابه: "إني رأيت خلقًا عظيمًا يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء، إِنْ ركن خرق القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول، إن مال غرق، وإن نجا برق".
فلما قرأ عمر هذا الوصف كتب إلى معاوية: "لا والذي بعث محمدًا بالحق، لا أحمل فيه مسلمًا أبدًا.. وتاللهِ لمسلمٌ أحبُّ إليَّ مما حَوَتِ الروم، فإياك أن تعرض لي، وقد تقدمت إليك، وقد علمت ما لقي العلاء مني، ولم أتقدم إليه في مثل ذلك".
فلمَّا تولى عثمان بن عفان الخلافة أعاد معاوية طلب بناء قوة بحرية للمسلمين من الخليفة الجديد فلم يزل به معاوية حتى عزم على ذلك، ولكن قال له: "لا تنتخب الناس ولا تُقْرِعْ بينهم، خيِّرهم فمن اختار الغزو طائعًا فاحمله وأعنه". ففعل واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الحارثي حليف بني فزارة، وأصبحت السفن تُبنى في عكَّا وصور وطرابلس على سواحل بلاد الشام.
وغزا معاوية جزيرة قبرص، وصالح أهها على سبعة آلاف دينار يؤدونها إلى المسلمين كل سنة، وذلك في عام 27هـ، وساعد أهل مصر في تلك الغزوة بإمرة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان معاوية على الناس جميعًا، وكان بين الغزاة من صحابة رسول الله أبو ذر الغفاري وعبادة بن الصامت وكانت معه زوجته أم حرام، فكان معاوية أول من ركب البحر كما أخبر رسول الله بذلك في الحديث الذي روته أم حرام بنت ملحان.
ثم نقض أهل قبرص عهدهم فأرسل إليهم حملة مؤلَّفةً من اثني عشر ألفًا، ونقلها إلى الجزيرة بمهمة حمايتها، فأقامت المساجد هناك، وبقيت الحامية هناك حتى أيام يزيد بن معاوية.
ولقد كان معاوية موضع ثقة الخلفاء الراشدين من بعد رسول الله ، والحق أن معاوية كان أهلاً لهذه الثقة؛ فلذلك ولاه عمر بن الخطاب الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان، ثم جاء بعد عمر عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- فجعل معاوية واليًا على الشام كله، وحسبك بمن ولاه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ؛ فقد كان معاوية أهلاً للإمارة والخلافة معًا، ومن أجل هذه الأهلية ظل أميرًا على الشام عشرين سنة، وخليفة للمسلمين ما يقرب من عشرين سنة، فلم يهجه أحد في دولته بل دانت له الأمم، وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك.
قال عنه علي بن أبي طالب بعد رجوعه من صفين: أيها الناس، لا تكرهوا إمارة معاوية؛ فإنكم لو فقدتموها رأيتم الرءوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل.
وقد حزن معاوية لمقتل علي بن أبي طالب حزنًا شديدًا، فيروى أنه عندما جاءه خبر قتله بكى بكاءً شديدًا، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك! إنكِ لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم.
أما الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص فقد قال عنه: ما رأيت أحدًا بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب. يعني معاوية. وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول الملوك، كان ملكه ملكًا ورحمة.
مما سبق نتأكد من مكانة معاوية عند رسول الله وخلفائه الراشدين وبقية الصحابة الذين أثنوا عليه ثناءً عظيمًا، ولقد كان خليقًا بهذه المنزلة الرفيعة تبعًا لما مرّ بنا من سيرته وعمله الدءوب.
مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.