معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه

 

فى هذا المقال السابق سوف نكمل سلسلة الرد على مقال الأستاذ علاء الأسوانى هل نحارب طواحين الهواء حيث انتقل فى هجومه على الخلافة الإسلامية بعد عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى معاوية بن أبي سفيان حيث قال :

ثم جاءت الفتنة الكبرى التى قسمت المسلمين إلى ثلاث فرق (أهل سنة وشيعة وخوارج)، وانتهت بمقتل على بن أبى طالب، وهو من أعظم المسلمين وأفقههم وأقربهم للرسول (صلى الله عليه وسلم) على يد أحد الخوارج وهو عبدالرحمن بن ملجم. ثم أقام معاوية بن سفيان حكما استبداديا دمويا أخذ فيه البيعة من الناس كرهاً لابنه يزيد من بعده ليقضى إلى الأبد على حق المسلمين فى اختيار من يحكمهم ويحيل الحكم من وظيفة لإقامة العدل إلى ملك عضوض (يعض عليه بالنواجذ) .

بعد مدحه لعلىّ بن أبي طالب شن هجوماً حاداً على معاوية بن أبي سفيان واتهمه بالإستبداد الدموى حينما أخذ البيعة ليزيد ، وهنا سوف أقوم بالإستعانة بآراء من عاصروا الخليفة معاوية رضى الله عنه وسوف نشاهد معاً وبالأدلة التاريخية كيف تولى يزيد بن معاوية الخلافة لنرى مدى حقد هؤلاء الأقزام على معاوية بن أبي سفيان واتهامه ظلماً وزوراً بما ليس فيه رضى الله عنه وأرضاه ولنعرف المصادر المشبوهة التى يشوهون بها التاريخ الإسلامى .

روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهَ اللهَ في أصحابي، اللهَ اللهَ في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببُغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى، ومن آذى اللهَ فيوشك أن يأخذه.

استفاد معاوية رضي الله عنه من ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم علماً وتربية وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيره وقد روى له البخاري ومسلم مع شرطهما أن لا يرويان إلا عن ثقة ضابط صدوق ، وشهد له ابن عباس بالفقة, فعن ابن أبي مليكة قال: قيل لابن عباس رضي الله عنه: هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنّه ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: أصاب إنه فقيه رواه البخاري ، وفي رواية أُخرى للبخاري عن أبي مليكة قال : أوتر معاوية : رضي الله عنه - بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس ـ رضي الله عنه ـ فأتى ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: دَعْهُ فإنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ من فضلاء الصحابة، ويُلقّب: البحر، لسعة علمه وحبر الأمة، وترجمان القرآن، وقد دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم بالعلم والحكمة والتأويل، فاستجيب وكان من خواص أصحاب علي رضي الله عنه وشديد الإنكار على أعدائه، وأرسله علي رضي الله عنه ليحاج الخوارج فحاجهم حتى لم يبق لهم حجة، فإذا شهد مثله لمعاوية بأنه مجتهد وكف مولاه عن الإنكار مستدلاً بأنه من الصحابة .

ويروي الطبري مرفوعًا إلى عبد الله بن عباس قوله: "ما رأيت أحدًا أخلق للملك من معاوية، إن كان ليرد الناس منه على أرجاء وادٍ رَحْب".

ويقول ابن تيمية: "فلم يكن من ملوك المسلمين ملك خيرًا من معاوية، إذا نُسِبَتْ أيامه إلى أيام من بعده، أما إذا نسبت إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل".

وذُكِرَ عمر بن عبد العزيز عند الأعمش فقال: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه، قال: لا والله، في عدله". وإليك شهادة الذهبي له، حيث يقول: "وحَسْبُك بمن يؤمِّره عمر ثم عثمان على إقليم فيضبطه، ويقوم به أتم قيام، ويُرضي الناس بسخائه وحلمه، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفَرْط حلمه وسعة نفسه، وقوه دهائه ورأيه".

وهكذا يكاد ينعقد إجماع علماء الأمة من الصحابة والتابعين ومن تلاهم على الثناء على معاوية  وجدارته بالخلافة، وحُسْنِ سياسته وعدله؛ مما مكَّن له في قلوب الناس، وجعلهم يجمعون على محبته، يقول ابن تيمية رحمه الله: "وكانت سيرة معاوية في رعيته من خيار سير الولاة، وكانت رعيته تحبه".

وكانت صلاته  أشبه بصلاة رسول الله، فرُوي عن أبي الدرداء أنه قال: "ما رأيت أشبه صلاة برسول الله من أميركم هذا"؛ يعني معاوية.

وأما إعجاب ابن خلدون به فيتمثل في قوله: "وأقام في سلطانه وخلافته عشرين سنة ينفق من بضاعة السياسة، التي لم يكن أحد من قومه أوفر فيها منه يدًا، من أهل الترشيح من وَلَدِ فاطمة وبني هاشم، وآل الزبير وأمثالهم".

هذا غيض من فيض مما قيل فى معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه ممن عاصروه ولا يوجد شهادة اعظم من شهادة ابن عباس حبر الأمة كما ذكرنا من قبل .

أما النقطة الثانية التى طرحها علاء الأسوانى وهى تولية يزيد للحكم فيبدو أنه لم يقرأ تلك الحقبة جيداً كما يُلاحَظ أنه لم يكن هناك طريقة واحدة لاختيار الخليفة في عصر الراشدين بحيث يُعَدُّ تجاوُزُها خروجًا عن الإسلام أو ضربًا لنظامه السياسي، غير أن تعدد طرق اختيار الخليفة جاء دائمًا محكومًا برضا أهل الحل والعقد من قادة المسلمين وذوي الرأي والتأثير فيهم، وهذا الرضا كان يعني بطبيعة الحال استيفاء المرشح للخلافة شروطها، وتميزه عمَّن سواه في هذا الصدد، كما يعني ضمان رضاء الأمة تبعًا لرضا قادتها من أهل الحل والعقد.

لقد بدأ معاوية  يفكر فيمن يكون الخليفة من بعده، فرأى أنه إن لم يستخلف ومات ترجع الفتنة مرة أخرى ، فقام معاوية باستشارة أهل الشام في الأمر، فاقترحوا أن يكون الخليفة من بعده من بني أمية فرَشَّح ابنه يزيد، فجاءت الموافقة من مصر وباقي البلاد، وأرسل إلى المدينة يستشيرها، وإذا به يجد المعارضة من الحسين وابن الزبير، وابن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عباس.

إلا أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما قد بايعا فيما بعد طوعًا ليزيد، وكان اعتراضهما ليس على يزيد في شخصه، ولكن على أن يولي الخليفة ابنه، وأن يُوَرَّث الحكم.

وقد أورد المؤرخون عدة روايات بشأن البيعة ليزيد عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه وعن غيره، ومن ذلك ما ذكره ابن العربي والسيوطي أن معاوية  قد استدعى هؤلاء النفر كلاً منهم على حده، وحدثهم بشأن البيعة ليزيد فاختلفت ردودهم حيث وافق ابن عمر قائلاً لمعاوية رضي الله عنهما: "أما بعد، فإنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك خيرًا منهم، فلم يروا في ابنهم ما رأيت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين، ولم أكن لأفعل، وإنما أنا رجل من المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمرٍ فإنما أنا واحد منهم".

أما عبد الله بن الزبير، فقد تحفظ قائلاً لمعاوية: إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها، وهَلُمَّ ابنك فَلْنبايعه. أرأيت إذا بايعتُ ابنك معك لأيكما نسمع؟ لأيكما نطيع؟ لا تجتمع البيعة لكما أبدًا. وتبدو حُجَّةُ ابن الزبير في هذه الرواية واهية؛ لأن ابن الزبير  يعلم تمامًا أن بيعة يزيد إنما هي بولاية العهد، وأنه لن يكون خليفةً يُطاعُ إلا بعد موت أبيه، فالذين اخترعوا هذه الأخبار وأضافوها إلى وهب بن جرير بن حازم يكذبون كذبًا مفضوحًا.

وهذا ابن عمر يعلن في أحرج المواقف -أي في ثورة أهل المدينة على يزيد بتحريض ابن الزبير وداعيته ابن المطيع- أن في عنقه كما في أعناقهم بيعة شرعية لإمامهم على بيع الله ورسوله، وأن من أعظم الغدر أن تبايع الأمة إمامها ثم تنصب له القتال. ولم يكتف ابن عمر بذلك في تلك الثورة على يزيد، بل روى مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه أن ابن عمر جاء إلى ابن مطيع داعية ابن الزبير ومثير هذه الثورة، فقال ابن مطيع: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة. فقال ابن عمر: إني لم آتِكَ لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثًا سمعت رسول اللهيقوله: "من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حُجَّةَ له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية".

 

ويُروى أيضًا أن ابن عمر قال عندما بويع يزيد: "إن كان خيرًا رضينا، وإن كان شرًّا صبرنا".

 

وثبت عن حميد بن عبد الرحمن قال: دخلنا على رجل من أصحاب رسول اللهحين استُخلِف يزيد بن معاوية فقال: تقولون إن يزيد بن معاوية ليس بخير أمة محمد، ولكن واللهِ لأن تجتمع أمة محمد أحب إليَّ من أن تفترق، أرأيتم بابًا دخل فيه أمة محمد ووسعهم أكان يعجز عن رجل واحد دخل فيه؟ قلنا: لا. قال أرأيتم لو أن أمة محمد قال كل رجل منهم: لا أريق دم أخي، ولا آخذ ماله، أكان هذا يسعهم؟ قلنا: نعم. قال: فذلك ما أقول لكم. ثم قال: قال رسول الله: "لا يأتيك من الحياء إلا خير".

وحتى يكون يزيد أهلاً للخلافة فقد عمل معاوية  جهده من البداية في سبيل إعداد ولده يزيد، وتنشئته التنشئة الصحيحة ليشب عليها عندما يكبر، فلذلك أرسله معاوية  إلى البادية عند أخواله لكي يشب على حياة الشدة والفصاحة، وليتربى على فنون الفروسية، ويتحلى بشمائل النخوة والشهامة والكرم والمروءة، إذ كان البدو أشد تعلقًا بهذه التقاليد.

 

كما أجبر معاوية  ولده يزيد على الإقامة في البادية، وذلك لكي يكتسب قدرًا من الفصاحة في اللغة، كما هو حال العرب في ذلك الوقت.

 

وعندما رجع يزيد من البادية، نشأ وتربى تحت إشراف والده، ونحن نعلم أن معاوية  كان من رواة الحديث.

 

فروى يزيد بعد ذلك عن والده هذه الأحاديث، وبعض أخبار أهل العلم، مثل حديث: "من يُرِدِ الله به خيرًا يفقهه في الدين"، وحديث آخر في الوضوء، وروى عنه ابنه خالد وعبد الملك بن مروان، وقد عَدَّه أبو زرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي الصحابة، وهي الطبقة العليا.

 

وقد اختار معاوية  دغفل بن حنظلة السدوسي الشيباني (ت 65هـ) مؤدِّبًا لولده يزيد، وكان دغفل علامة بأنساب العرب وخاصة نسب قريش، وكذلك كان عارفًا بآداب اللغة العربية.

لقد تعددت الأسباب التي دفعت معاوية  أن يولي ابنه يزيد الخلافة من بعده ما بين أسباب سياسية واجتماعية وشخصية؛ فالسبب السياسي هو الحفاظ على وحدة الأمة، خاصة بعد الفتن التي تلاحقت يتلو بعضُها بعضًا، وكان من الصعوبة أن يلتقي المسلمون على خليفة واحد، خاصة والقيادات المتكافئة في الإمكانيات قد يضرب بعضها بعضًا، فتقع الفتن والملاحم بين المسلمين مرة ثانية ولا يعلم مدى ذلك إلا الله تعالى.

 

أما السبب الاجتماعي فهو قوة العصبية القبلية خاصة في بلاد الشام الذين كانوا أشد طاعة لمعاوية  ومحبة لبني أمية، وليس أدل على ذلك من مبايعتهم ليزيد بولاية العهد من بعد أبيه دون أن يتخلف منهم أحد.

 

وهناك أسباب شخصية تتعلق بيزيد نفسه، فليس معاوية  بذلك الرجل الذي يجهل صفات الرجال ومكانتهم، وهو ابن سلالة الإمارة والزعامة في مكة، ثم هو الذي قضى أربعين سنة من عمره وهو يَسُوسُ الناس، ويعرف مزايا القادة والأمراء والعقلاء، ويعرف لكل واحد منهم فضله، وقد توفرت في يزيد بعض الصفات الحسنة من الكرم والمروءة والشجاعة والإقدام والقدرة على القيادة، وكل هذه المزايا جعلت معاوية ينظر لابنه يزيد نظرة إعجاب وتقدير.

.......................................................................

المراجع :

1 الدولة الاموية للدكتور على محمد الصلابي

2 قصة الدولة الأموية للدكتور راغب السرجانى

المصدر: موقع - المخلص
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 85 مشاهدة
نشرت فى 17 مارس 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

944,436

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.