حرارة الجو والقنوات الفضائية وكثرة الاستراحات والمقاهي أثرت في مواعيد النوم والاستيقاظ
السعوديون في الإجازة ... ليلهم نهار ونهارهم ليل!
الاستراحات سبب في سهر العائلات
عند بدء الإجازة يهتم المثقِفون الصحيون ووسائل الإعلام المحلية بالتحذير من السهر واضراره. فالمجتمع وبالذات فئة الشباب وحتى الأطفال في بعض الأحيان يقلِبون ليلهم نهارا ونهارهم ليلا. وبدون شك ان هذا الأمر غير طبيعي ولا يتوافق مع فيزيولوجية الجسم الذي خلقه الله سبحانه وتعالى للنوم ليلا واليقظة بالنهار. والآيات الدالة على ذلك كثيرة، فقد قال عز من قائل (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورا) (الفرقان 47)، وقال تعالى (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) ( غافر61).
السهر يؤدي إلى اختلال في إفراز الكثير من الهرمونات ويضعف الجهاز المناعي ويضر بالجهاز التنفسي والدوري
ويعتقد البعض أنه يعوض السهر بالليل بالنوم في النهار وهذا اعتقاد خاطئ لأن نوم النهار لا يعوض نوم الليل فسكون الليل لا يمكن تعويضه والإضاءة الطبيعية في النهار والتي قد تصل إلى مائة ألف شمعة ويحتاجها الجسم للحفاظ على دقة عمل مختلف الأعضاء والإيقاع اليومي لمختلف الهرمونات والساعة البيولوجية للجسم، لا يمكن تعويضه بالضوء الصناعي. لذلك سنتحدث اليوم عن الأضرار الصحية للسهر وذلك بمراجعة للأبحاث التي تعرضت لذلك.
هناك عوامل كثيرة تشكل عادات النوم لدى الشعوب، ويعود الكثير منها إلى الثقافة السائدة في المنطقة، والعرف السائد وكذلك التقاليد، ويلعب المناخ ودرجات الحرارة عاملاً مهماً في تكوين تلك العادات، والمجتمع السعودي كمجتمع مسلم، تفرض عليه معتقداته بعض الأمور التي قد تشكل عادات النوم لدى الناس، بسبب الالتزام بمواعيد الصلاة، كما أن حرارة الجو تؤثر على مواعيد النوم والاستيقاظ، فيقل النشاط في فترة الظهيرة والعصر، ويزداد في فترة المساء. ولكن للأسف خلال العشر سنوات الماضية أصبح السهر ظاهرة واضحة في المجتمع السعودي، وقد يكون لبعض الأمور التي استجدت على المجتمع دور في ذلك، كظهور عدد كبير من القنوات الفضائية وكثرة الاستراحات والمقاهي، كل ذلك أثر بشكل كبير على عادات النوم لدى الناس بمختلف أعمارهم وخلفياتهم العملية والثقافية، وقد ظهر في الفترة الأخيرة عدد من الدراسات التي أعطت بعض التصور عن عادات النوم لدينا، فقد وجدنا في بحث نشر سابقاً في المجلة الطبية السعودية، أن وقت النوم خلال أيام الأسبوع (خلال فترات العمل) لدى عينة من السعوديين معدل أعمارهم 33 عاماً، هو الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، كما أن ظاهرة السهر يعاني منها الأطفال أيضاً فقد وجدنا في عينة من 1012 طالبا وطالبة في المرحلة الابتدائية، أن الطلاب خلال أيام الدراسة يسهرون ليلاً أكثر من قرنائهم من نفس المرحلة العمرية في الدول الغربية. وهذه الظاهرة حديثة على المجتمع، ولا تتوافق مع ثقافتنا التي تلزمنا بالاستيقاظ مبكراً، لأداء صلاة الفجر. وينتج عن السهر نقص في عدد ساعات النوم، لأن وقت الدوام لا يتغير بالنسبة للموظفين كما أن نوم النهار لا يعوض نوم الليل بالنسبة لمن هم في إجازة ، لذلك يذهب الكثير من الموظفين إلى أعمالهم، وهم لم يحصلوا على ساعات نوم كافية، وهذا وبدون شك ينعكس على أدائهم وتركيزهم، ويزيد من نسبة وقوع الحوادث بمختلف أنواعها، وقد وجدنا في بحث نشرناه سابقا، أن عدد ساعات النوم لدى طلاب المدارس الابتدائية لدينا أقل من قرنائهم في دول العالم الأخرى، التي أحصت عدد ساعات نوم أطفالها، والسبب المهم في ذلك هو السهر المبالغ فيه. ومن العادات السيئة التي انتشرت بين أطفالنا، عادة مشاهدة التلفزيون ليلاً، حيث يستمر حوالي55 % من الأطفال في مشاهدة التلفزيون، أو العاب الفيديو حتى وقت نومهم، وهذا بدوره ينعكس على وقت النوم، حيث ثبت علمياً أن مشاهدة التلفزيون حتى ما قبل النوم، يزيد من اضطرابات النوم عند الأطفال، ويسبب الأرق والتوتر، ويزيد من مقاومة ورفض الطفل للذهاب للنوم. و في بحث آخر أجريناه على فئة الشباب في الجامعات ، وجدنا أن (54%) من طلاب الجامعة ينامون أقل من 7 ساعات خلال أيام الدراسة) مقارنة ب (21%) من نفس الفئة العمرية في الدول المتقدمة، ونقص النوم ينتج عنه نقص في التركيز والذاكرة، وبطء في ردة الفعل، واتخاذ القرارات الصحيحة، كما أنه يسبب زيادة النعاس في النهار وتعكر المزاج والاكتئاب، وقد أظهر أكثر من بحث، أحدها أجريناه على طلاب المدارس في الرياض، أن نقص النوم يؤثر على التحصيل الدراسي عند الطلاب. وقد أظهرت الأبحاث أن حوادث السيارات المميتة تزداد في الساعات المتأخرة من الليل، وليس في أوقات الذروة، ويعزى ذلك إلى نعاس ونوم السائق أثناء القيادة. كما أظهرت الأبحاث ان تأخير وقت النوم والاستيقاظ كما يحدث خلال الإجازات قد يسبب الاكتئاب.
تأثير السهر على الهرمونات:
للسهر تأثير على الهرمونات ووظائف الغدد الصماء، حيث يسبب السهر اختلالاً في إفراز الكثير منها، ويفقد الجسم القدرة التنظيمية والإيقاع اليومي لإفرازها، ومن "الهرمونات" التي تتأثر: هرمونات التوتر مثل "هرمون الكورتيزول" و"الأدرينالين" وهي تتبع إيقاعا يوميا بحيث ترتفع بالنهار وتنخفض ليلا خلال النوم مما ينتج عنه راحة للجسم وانخفاض في الضغط وراحة للقلب والجهاز الدوري. وكذلك هرمون النمو المهم جداً للجسم، لأهميته لنمو الأطفال ولإصلاح الخلايا للكبار والصغار حيث ان إفرازه يحدث خلال النوم العميق وهذا يتطلب نوما مستقرا هادئا حتى تتحقق هذه الوظيفة.
كما أن السهر يؤثر على الهرمونات الجنسية، وقد يزيد نقص النوم من مقاومة الجسم "للأنسولين"، وبالذات عند مرضى السكر، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى "الجلوكوز" في الدم. وثبت حديثاً أن السهر يزيد الوزن، فقد أظهرت أكثر من دراسة ذلك. وبالنسبة للشباب فقد وجد الباحثون في بحث نشر حديثا في مجلة النوم والتنفس وأُجري في الولايات المتحدة أن احتمال السمنة عند الطلاب الذين ينامون ساعات اقل يوميا (أقل من خمس ساعات) كان 8.5 أضعاف احتمال زيادة الوزن عند الطلاب الذين ناموا أكثر من 8 ساعات.
والعلاقة بين السهر والنوم لها أسباب كثيرة منها ما يتعلق بالهرمونات مثل هرموني اللبتين والغريلين. وقد يؤدي إلى السهر لزيادة الوزن، وهذا الأمر لا يدرك أهميته الكثير من الناس. فقد أظهرت الأبحاث أن نقص النوم يؤثر في عملية الأيض في الجسم ويسبب زيادة الوزن. حيث انه يؤدي إلى نقص إفراز هرمون الليبتين أو زيادة مقاومة الجسم له وهو الهرمون المسئول عن إحساسنا بالشبع بعد الأكل. كما أن نقص النوم يسبب زيادة في إفراز هرمون الغريلين وهو الهرمون الذي يجعلنا نشعر بالجوع. مما يعني أن نقص النوم والسهر يزيدان إحساسنا بالجوع مما يسبب زيادة في الأكل. وسبب آخر، أن السهر يؤدي إلى نقص النشاط الرياضي وبالتالي السعرات الحرارية المستهلكة لأن الناس لا تسهر لممارسة الرياضة وإنما للجلوس والأكل، وتنام بعد ذلك في النهار وهو الوقت الذي تستهلك فيه السعرات الحرارية بسبب زيادة الحركة والنشاط.
ضعف الجهاز المناعي:
النوم مهم لتجديد نشاط الجهاز المناعي في الجسم فقد بينت الأبحاث الحديثة أن السهر ونقص النوم قد ينتج عنه ضعف في الجهاز المناعي، وكذلك ضعف قدرة الخلايا المناعية على التعامل مع الأجسام الغريبة والميكروبات، ويعتقد المختصون أن نقص النوم يزيد من احتمالات الإصابة بنزلات البرد، وقد أثبتت دراسة علمية نشرت في مجلة أرشيفات الطب الباطني (يناير 2009) هذا الاعتقاد، فقد درس الباحثون عدد ساعات نوم 153 متطوعاً، لمدة أسبوعين متتاليين، بعد ذلك تم عزل المتطوعين في غرف خاصة، وتم تعريضهم لفيروس الزكام (Rhinovirus) عن طريق وضع نقط في الأنف، وخلال الخمسة الأيام التالية، راقب الباحثون ظهور أعراض الزكام عند المتطوعين، وكذلك قياس الأجسام المضادة ضد الفيروس في الدم، وزراعة إفرازات الأنف، وقد أتت النتائج مثيرة جداً، حيث وجد الباحثون أن النوم لساعات أقل، يزيد احتمال الإصابة بالزكام، وأن الإصابة كانت أعلى بثلاث مرات، عند الذين ناموا أقل من سبع ساعات، مقارنة بالذين ناموا ثماني ساعات أو أكثر.
كما أن للسهر أضرارا صحية على الجهاز التنفسي والدوري، خاصةً عند المصابين بمشاكل التنفس المزمنة، فقد يزيد السهر من ظهور بعض الأعراض، أما بالنسبة للقلب والجهاز الدوري، فإن بعض الدلائل تشير إلى أن السهر، قد يرفع ضغط الدم.
وبعد انتهاء الإجازة وبدء الدراسة أو العمل يراجع الكثير من المرضى عيادة اضطرابات النوم بسبب اصابتهم باضطراب في الساعة البيولوجية نتيجة للسهر خلال فترة الإجازة حيث يجدون صعوبة في التكيف مع نظام الدراسة أو العمل الصباحي وقد تستمر هذه المشكلة عند البعض لعدة اسابيع حيث يشكون من عدم القدرة على النوم ليلا وزيادة النعاس والرغبة في النوم نهارا.
لذلك نوجه نصيحة للشباب خلال الإجازة بمحاولة الحصول على نوم مناسب ليلا (على الأقل 4-5 ساعات) وتعويض نقص النوم بالحصول على غفوة خلال النهار. كما أن على الآباء والأمهات مراقبة نوم أطفالهم والتأكد من حصولهم على نوم كاف بالليل.
حرارة الجو نهاراً تزيد من السهر
ونهارهم
السهر قد يكون على القنوات الفضائية