سماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز( رحمه الله)

تعريف بالشيخ

عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن باز ولد في ذي الحجة سنة 1330هـ بمدينة الرياض،كان بصيرا ثم أصابه مرض في عينيه عام 1346هـ وضعف بصره ثم فقده عام 1350هـ،حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض ولما برز في العلوم الشرعية واللغة عين في القضاء عام 1350هـ ،لازم البحث والتدريس ليل نهار ولم تشغله المناصب عن ذلك مما جعله يزداد بصيرة ورسوخا في كثير من العلوم،توفي رحمه الله قبيل فجر الخميس 27/1/1420هـ.

 

• سيرة الشيخ

اسمه ونسبه

هو الإمام الصالح الورع الزاهد أحد الثلة المتقدمين بالعلم الشرعي، ومرجع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، في الفتوى والعلم، وبقية السلف الصالح في لزوم الحق والهدي المستقيم، واتباع السنة الغراء: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز، وآل باز - أسرة عريقة في العلم والتجارة والزراعة معروفة بالفضل والأخلاق قال الشيخ: سليمان بن حمدان - رحمه الله - في كتابه حول تراجم الحنابلة : أن أصلهم من المدينة النبوية، وأن أحد أجدادهم انتقل منها إلى الدرعية، ثم انتقلوا منها إلى حوطة بني تميم.

 

مولده

 

ولد في الرياض عاصمة نجد يوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة عام ألف وثلاثمائة وثلاثين من الهجرة النبوية، وترعرع فيها وشب وكبر، ولم يخرج منها إلا ناويا للحج والعمرة

 

نشأته

نشأ سماحة الشيخ عبد العزيز في بيئة عطرة بأنفاس العلم والهدى والصلاح، بعيدة كل البعد عن مظاهر الدنيا ومفاتنها، وحضاراتها المزيفة، إذ الرياض كانت في ذلك الوقت بلدة علم وهدى فيها كبار العلماء، وأئمة الدين، من أئمة هذه الدعوة المباركة التي قامت على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأعني بها دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وفي بيئة غلب عليها الأمن والاستقرار وراحة البال، بعد أن استعاد الملك عبد العزيز - رحمه الله - الرياض ووطد فيها الحكم العادل المبني على الشرعة الإسلامية السمحة بعد أن كانت الرياض تعيش في فوضى لا نهاية لها، واضطراب بين حكامها ومحكوميها.
ففي هذه البيئة العلمية نشأ سماحته - رحمه الله - ولا شك ولا ريب أن القرآن العظيم كان ولا يزال - ولله الحمد والمنة - هو النور الذي يضيء حياته، وهو عنوان الفوز والفلاح فبالقرآن الكريم بدأ الشيخ دراسته - كما هي عادة علماء السلف - رحمهم الله - إذ يجعلون القرآن الكريم أول المصادر العلمية - فيحفظونه ويتدبرونه أشد التدبر، ويعون أحكامه وتفاسيره، ومن ثمَّ ينطلقون إلى العلوم الشرعية الأخرى، فحفظ الشيخ القرآن الكريم عن ظهر قلب قبل أن يبدأ مرحلة البلوغ، فوعاه وحفظه تمام الحفظ، وأتقن سوره وآياته أشد الإتقان، ثم بعد حفظه لكتاب الله، ابتدأ سماحته في طلب العلم على يد العلماء بجد وجلد وطول نفس وصبر.
وإن الجدير بالذكر والتنويه في أمر نشأته، أن لوالدته - رحمها الله - أثرا بالغا، ودورا بارزا في اتجاهه للعلم الشرعي وطلبه والمثابرة عليه، فكانت تحثه وتشد من أزره، وتحضه على الاستمرار في طلب العلم والسعي وراءه بكل جد واجتهاد كما ذكر ذلك سماحته في محاضرته النافعة - رحلتي مع الكتاب - وهي رحلة ممتعة ذكر فيها الشيخ في نهاية المحاضرة، وبالخصوص في باب الأسئلة بعض الجوانب المضيئة من حياته - فاستمع إلى تلك المحاضرة غير مأمور -.
ولقد كان سماحة الشيخ / عبد العزيز - رحمه الله - مبصرا في أول حياته، وشاء الله لحكمة بالغة أرادها أن يضعف بصره في عام 1346 هـ إثر مرض أصيب به في عينيه ثم ذهب جميع بصره في عام 1350 هـ، وعمره قريب من العشرين عاما؛ ولكن ذلك لم يثنه عن طلب العلم، أو يقلل من همته وعزيمته بل استمر في طلب العلم جادا مجدا في ذلك، ملازما لصفوة فاضلة من العلماء الربانيين، والفقهاء الصالحين، فاستفاد منهم أشد الاستفادة، وأثّروا عليه في بداية حياته العلمية، بالرأي السديد، والعلم النافع، والحرص على معالي الأمور، والنشأة الفاضلة، والأخلاق الكريمة، والتربية الحميدة، مما كان له أعظم الأثر، وأكبر النفع في استمراره.
على تلك النشأة الصالحة، التي تغمرها العاطفة الدينية الجياشة، وتوثق عراها حسن المعتقد، وسلامة الفطرة، وحسن الخلق، والبعد عن سيئ العقائد والأخلاق المرذولة ومما ينبغي أن يعلم أن سماحة الشيخ عبد العزيز - رحمه الله- قد استفاد من فقده لبصره فوائد عدة نذكر على سبيل المثال منها لا الحصر أربعة أمور: -

الأمر الأول : حسن الثواب، وعظيم الأجر من الله سبحانه وتعالى، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه في حديث قدسي أن الله تعالى يقول: إذا ابتليت عبدي بفقد حبيبتيه عوضتهما الجنة البخاري ( 5653 ).
الأمر الثاني: قوة الذاكرة، والذكاء المفرط: فالشيخ - رعاه الله - حافظ العصر في علم الحديث فإذا سألته عن حديث من الكتب الستة، أو غيرها كمسند الإمام أحمد والكتب الأخرى تجده في غالب أمره مستحضرا للحديث سندا ومتنا، ومن تكلم فيه، ورجاله وشرحه.
الأمر الثالث: إغفال مباهج الحياة، وفتنة الدنيا وزينتها، فالشيخ - رحمه الله - كان متزهد فيها أشد الزهد، وتورع عنها، ووجه قلبه إلى الدار الآخرة، وإلى التواضع والتذلل لله سبحانه وتعالى.
الأمر الرابع: استفاد من مركب النقص بالعينين، إذ ألح على نفسه وحطمها بالجد والمثابرة حتى أصبح من العلماء الكبار، المشار إليهم بسعة العلم، وإدراك الفهم، وقوة الاستدلال وقد أبدله الله عن نور عينيه نورا في القلب، وحبا للعلم، وسلوكا للسنة، وسيرا على المحجة، وذكاء في الفؤاد.

من أخبار سماحة الشيخ رحمه الله  في صباه


من أخباره في صباه أن والده توفي وهو صغير حيث إنه لا يذكر والده. أما والدته فتوفيت وعمره خمس وعشرون سنة.
ومما يُذْكَر أنه كان في صباه ضعيف البنية، وأنه لم يستطع المشي إلا بعد أن بلغ الثالثة، ذكر ذلك ابنه الشيخ أحمد.
وكان سماحة الشيخ معروفاً بالتقى والمسارعة إلى الخيرات، والمواظبة على الطاعات منذ نعومة أظفاره.
وقد ذكر  الشيخ سعد بن عبدالمحسن الباز_وهو قريب لسماحة الشيخ ويكبره بعشر سنوات_ذكر أن سماحة الشيخ منذ نعومة أظفاره كان شاباً تقياً سباقاً إلى أفعال الخير، وأن مكانه دائماً في روضة المسجد وعمره ثلاثة عشر عاماً. وقد ذكر لي سماحة الشيخ رحمه الله فيما كان يذكره من أخبار صباه موقفاً لا ينساه مع شيخه الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ قاضي الرياض آنذاك.
يقول سماحته رحمه الله : كنت في مقتبل عمري، وقد رآني الشيخ صالح رحمه الله في طرف الصف مسبوقاً، فحزن الشيخ صالح، وقال: بعض الناس يسوِّف، ويجلس يأكل ويشرب حتى تفوته الصلاة، وكأنه رحمه الله يعنيني ويُعرِّض بي؛ فخجلت مما كان مني، وتكدرت كثيراً، ولم أنس ذلك الموقف حتى الآن.
ولم يكن الشيخ صالح رحمه الله ليقول ذلك إلا لأنه كان يتوسم ويتفرس في سماحة الشيخ نبوغه المبكر.
ومن الأخبار المعروفة عن سماحة الشيخ في صباه أنه كان معروفاً بالجود والكرم.
وقد ذكر الشيخ سعد بن عبدالمحسن الباز رحمه الله أن سماحة الشيخ عبدالعزيز رحمه الله  وهو طالب عند المشايخ- إذا سلم عليه أحد دعاه إلى غدائه، أو عشائه، ولم يكن يحتقر شيئاً يقدمه لضيوفه ويجعل الله في الطعام خيراً كثيراً. أَلِفَ المروَّة مُذْ نشا فكأنه سُقي اللَّبانَ بها صبياً مُرْضَعا

ومن أخباره في صباه أنه كان يكتب، ويقرأ ويعلق على الكتب قبل أن يذهب بصره. وقد قيل ذات مرة لسماحة الشيخ: سمعنا أنك لا تعرف الكتابة. فأجاب سماحته بقوله: هذا ليس بصحيح؛ فأنا أقرأ وأكتب قبل أن يذهب بصري، ولي تعليقات على بعض الكتب التي قرأتها على المشايخ مثل الآجروميه في النحو، وغيرها.
وإذا أملى سماحة الشيخ عليَّ كتاباً، أو تعليقاً، وكان هناك إشكال في كلمة ما_قال لي: تُكْتَب هكذا، وأشار إلى راحة يده، وهو يَكْتُب بإصبعه؛ ليريني كيفية الكتابة الصحيحة.
وقيل لسماحته ذات مرة: هل صحيح أنك تتمنى أنك رأيت الإبل على ما خلقها الله ؟
فأجاب سماحته بقوله: هذا ليس بصحيح؛ فأنا أتصورها؛ لأن بصري لم يذهب إلا وعمري تسع عشرة سنة.

 

أبناء الشيخ

 

وللشيخ رحمه الله - أبناء أربعة ، وكذلك من البنات ست، فيكون مجموعهم عشرة - أسبغ الله عليهم النعم؛ ومنعهم من شرور النقم

عناية سماحة الشيخ بمظهره

 

كان سماحة الشيخ رحمه الله يعتني بمظهره بلا إسراف، ولا مخيلة، فهو يعتني بنظافة بدنه، وقص شاربه، ويتعاهد نفسه بالطيب كثيراً، بل كان يستعمله كل يوم، ويدار بخور العود في مجلسه أكثر من مرة، وإلا فلا أقل من أن يدار مرة واحدة.
وكان يلبس مشلحة_بشته_في صَلاته، وزياراته، وذهابه إلى عمله. وكان ثوبه يعلو كعبه بنحو أربعة أصابع؛ فهو يرى أن نزول الثوب، أو السراويل، أو المشلح أسفل الكعبين منكر محرم سواء كان ذلك للخيلاء أو لغير الخيلاء.
ويقول: إن الإسبال حرام؛ فإن كان للخيلاء فهو أشد تحريماً.
وفي يوم من الأيام لبس سماحته مشلحاً جديداً، وكان ذلك المشلح على خلاف ما كان عليه سماحة الشيخ، حيث كان المشلح نازلاً عن الكعبين، ولم يكن سماحته يعلم بذلك.
فقال له شخص: يا سماحة الشيخ مشلحك هذا نازل عن الكعبين، ولا أدري هل تغير رأيكم في وجوب رفعه ؟
فما كان من سماحة الشيخ إلا أن خلعه ورماه، وقال لي: اذهب به إلى من يرفعه. وصادف أن كان سماحته في ذلك الوقت في مكة في آخر رمضان، فجاء إلى الرياض وليس عليه مشلح.
وكان يتعاهد لحيته بالحناء، ويرى تغيير الشيب، وحرمةَ تغييره بالسواد. وكان رحمه الله قليل شعر العارضين، أما الذقن ففيه شعيرات طويلة ملتف بعضها على بعض. وقيل له ذات مرة: لو سرحتها بمشط ؟فقال: أخشى أن يسقط منها شيء. وهو يرى حرمة حلق اللحية أو تقصيرها، وكذا ما نبت على الخدين. أما ما نبت تحت الذقن، وفي الرقبة فلا يرى مانعاً من حلقه.

 

أمانته

 

إن الإسلام دين كامل، وشرع شامل، جاء به محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين من تمسك به أعزه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله، وإن مما أمر به هذا الدين الكريم الكامل، وهذا الشرع العظيم الشامل، " الأمانة " فهي خلق فاضل، وسلوك محمود، حث عليه ودعا إليه الإسلام قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ }وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ( أخرجه الترمذي ( 1264 ).
وحسنه وأبو داود ( 2 / 260 ) وإسناده حسن وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: أن جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال مخاطبا النجاشي ملك الحبشة: " أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام... وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار... " ( أخرجه أحمد في المسند ( 1 / 202 ) وصححه الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - ).
فليس من الغريب أن يكون الشيخ: عبد العزيز متصفاً بهذه الصفة الحميدة والخلة الرشيدة، والمنقبة الجليلة، وهي من أبرز صفات من لنا به الأسوة الحسنة، والقدوة الصادقة، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا أدل على ذلك، من أن العالم الإسلامي بأجمعه قد ائتمنوه ليس فقط على أموالهم وودائعهم وأمانتهم؛ بل على أفكارهم وتوجهاتهم الدينية، فهو مفتي المسلمين، ومرجعهم الأول في هذا العصر، ومما يؤكد ذلك حرص ولاة الأمر، والوجهاء وأعيان البلاد والقضاة وغيرهم، على استشارته في دقائق الأمور وعسيرها، مما يستلزم فكرا وقَّادا، وحجة نيرة، ونزاهة في القصد، وإخلاصا في العمل، وأمانة في الفتوى، ولقد رأيت بأم عيني كثير من هؤلاء، وأولئك، يأتون إليه في منزله ومكتبه لأخذ المشورة الصادقة، والنصح السديد، والتوجيه المفيد، ومما يدل على حبه للأمانة، حرصه الشديد على تذكير الأمة بالأصول النافعة، والكلمات السديدة، في المناسبات العامة: وذلك بكلمة وعظية، وإرشادات دينية، يرى أن القيام بدورها، والتضلع بمسئوليتها أمانة في عنق كل مسلم وهبه الله علما وفقها في الدين، فجزاه الله خيرا، وأعظم له الثواب

من أبرز الصفات الخُلُقية لسماحة الإمام تفرد سماحة الإمام عبدالعزيز رحمه الله بصفات عديدة لا تكاد تجتمع في رجل واحد إلا في القليل النادر، ومن أبرز تلك الصفات ما يلي:

1 - الإخلاص لله - ولا نزكي على الله أحداً - فهو لا يبتغي بعمله حمداً من أحد ولا جزاءً، ولا شكوراً.
2 - التواضع الجم، مع مكانته العالية، ومنزلته العلمية.
3 - الحلم العجيب الذي يصل فيه إلى حد لايصدقه إلا من رآه عليه.
4 - الجلد، والتحمل، والطاقة العجيبة حتى مع كبر سنه.
5 - الأدب المتناهي، والذوق المرهف.
6 - الكرم والسخاء الذي لا يدانيه فيه أحد في زمانه فيما أعلم، وذلك في شتى أنواع الكرم والسخاء، سواء بالمال أو بالوقت، أو الراحة، أو العلم، أو الإحسان، أو الشفاعات، أو العفو، أو الخُلُق، ونحو ذلك.
7 - السكينة العجيبة التي تغشاه، وتغشى مجلسه، ومن يخالطه.
8 - الذاكرة القوية التي تزيد مع تقدمه في السن.
9 - الهمة العالية، والعزيمة القوية التي لا تستصعب شيئاً، ولا يهولها أمر من الأمور.
10 - العدل في الأحكام سواء مع المخالفين، أو الموافقين.
11 - الثبات على المبدأ، وعلى الحق.
12 - سعة الأفق.
13 - بُعْد النظر.
14 - التجدد؛ فهو - دائماً - يتجدد، ويواكب الأحداث، ويحسن التعامل مع المتغيرات.
15 - الثقة العظيمة بالله - جل وعل - .
16 - الزهد بالدنيا، سواء بالمال أو الجاه، أو المنصب، أو الثناء، أو غير ذلك.
17 - الحرص على تطبيق السنة بحذافيرها، فلا يكاد يعلم سنة ثابتة إلا عمل بها.
18 - بشاشة الوجه، وطلاقة المحيا.
19 - الصبر بأنواعه المتعددة من صبر على الناس، وصبر على المرض، وصبر على تحمل الأعباء إلى غير ذلك.
20 - المراعاة التامة لأدب الحديث، والمجلس، ونحوها من الآداب.
21 - الوفاء المنقطع النظير لمشايخه، وأصدقائه، ومعارفه.
22 - صلة الأرحام.
23 - القيام بحقوق الجيران.
24 - عفة اللسان.
25 - لم أسمعه أو أسمع عنه أنه مدح نفسه، أو انتقص أحداً، أو عاب طعاماً، أو استكثر شيئاً قدمه للناس، أو نهر خادماً.
26 - وكان لا يقبل الخبر إلا من ثقة.
27 - يحسن الظن بالناس.
28 - قليل الكلام، كثير الصمت.
29 - كثير الذكر والدعاء.
30 - لا يرفع صوته بالضحك.
31 - كثير البكاء إذا سمع القرآن، أو قرئ عليه سيرة لأحد العلماء، أو شيء يتعلق بتعظيم القرآن أو السنة.
32 - يقبل الهدية، ويكافئ عليها.
33 - يحب المساكين، ويحنو عليهم، ويتلذذ بالأكل معهم.
34 - يحافظ على الوقت أشد المحافظة.
35 - يشجع على الخير، ويحض عليه.
36 - لا يحسد أحداً على نعمة ساقها الله إليه.
37 - لا يحقد على أحد بل يقابل الإساءة بالإحسان.
38 - معتدل في مأكله ومشربه.
39 - دقيق في المواعيد.
40 - كان متفائلاً، ومحباً للفأل.
هذه نبذة عن بعض أخلاقه،

 

حلمه وسعة صدره

من الصفات الحميدة، والفضائل الرشيدة، التي تميز بها سماحة الشيخ عبد العزيز - رحمه الله - على غيره من العلماء، صفة الحلم وسعة الصدر، ولا شك بل ولا ريب أن الحلم من أشرف الأخلاق، وأنبل الصفات، وأجمل ما يتصف به ذو العقول الناضجة والأفهام المستنيرة، وهو سبيل إلى كل غاية حميدة، وطريق لاحب إلى كل نهاية سعيدة. ولقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة الحليم، وما له من أجر وثواب عظيم عند الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج بن عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله الأناة والحلم ( أخرجه البخاري ومسلم ) وبلوغ الحليم لمنزلة محبة الله ورسوله ليس بمستغرب، وذلك لأن الحلم هو سيد الفضائل، وأسّ الآداب، ومنبع الخيرات، ومصدر العقل، ودعامة العز، ومنبع الصبر والعفو.
ولقد من الله تعالى على سماحته - رعاه الله - فجمع له بين أكرم خصلتين، وأعظم خلتين وهما العلم والحلم، فبهما تميز عن غيره، ولذا اتسع صدره، وامتد حلمه، وعذر الناس من أنفسهم، والتمس العذر لأغلاطهم. ولعل من المناسب إيراد ما يدل على حلمه وسعة صدره، وشفعته على الناس، فمن ذلك أنه دخل عليه في مجلس القضاء في الدلم، رجل كثير السباب فسبَّ الشيخ وشتمه، والشيخ لا يرد عليه، وعندما سافر الشيخ / عبد العزيز بن باز إلى الحج توفي هذا الرجل فجهّز للصلاة عليه، في جامع العذار، وكان إمامه آنذاك الشيخ / عبد العزيز بن عثمان بن هليل، فلما علم أنه ذلك الرجل تنحى وامتنع عن الصلاة عليه، وقال: لا أصلي على شخص يشتم الشيخ ابن باز، بل صلوا عليه أنتم؛ فلما عاد الشيخ عبد العزيز من الحج وأخبر بموت ذلك الرجل ترحم عليه، وعندما علم برفض الشيخ ابن هليل الصلاة عليه، قال: إنه مخطئ في ذلك، ثم قال دلوني على قبره فصلى عليه وترحم عليه ودعا له. ودخل عليه رجل آخر عنده قضية في الصباح الباكر، والشيخ يدرس الطلاب في الجامع - جامع الدلم - فوقف هذا الرجل عليهم، وأخذ ينادي بصوت مرتفع قائلا: قم افصل بين الناس، قم افصل بين الناس، واترك القراءة، فلم يزد الشيخ على أن قال: قم يا عبد الله بن رشيد، وأخبره يأتينا عندما نجلس للقضاء بعد الدرس. وأخبرته برجل اغتابه سنين عديدة متهما إياه بصفات بذيئة، ونعوت مرذولة وأنه يطلب منه السماح والعفو، فقال: أما حقي فقد تنازلت عنه، وأرجو الله أن يهديه ويثبته على الحق

  

زهده وعفته

لعل من أبرز ما تميز به شيخنا - رحمه الله - الزهد في هذه الدنيا، مع توفر أسبابها، وحصول مقاصدها له، فقد انصرف عنها بالكلية، وقدم عليها دار البقاء، لأنه علم أنها دار الفناء، متأسيا بزهد السلف الصالح - رحمهم الله - الذين كانوا من أبعد الناس عن الدنيا ومباهجها وزينتها الفانية، مع قربها منهم، فالشيخ - حفظه الله - مثالا يحتذى به، وعلما يقتدى به، وقدوة تؤتسى في الزهد والورع وإنكار الذات، والهروب من المدائح والثناءات العاطرة، وكم من مرة سمعته في بعض محاضراته، حين يطنب بعض المقدمين في ذكر مناقبه وخصاله الحميدة، وخلاله الرشيدة، يقول: " لقد قصمت ظهر أخيك، وإياكم والتمادح فإنه الذبح، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون " بمثل هذه الكلمات النيرة، والتوجيهات الرشيدة نراه يكره المدح والثناء كرها شديدا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على زهد في القلب وعفة في الروح، وطهارة في الجوارح، وخشية للمولى جل وعلا. وأما عفته وتعففه فهو بحر لا ساحل له، فهو عف اللسان، عفيف النفس طاهر الذيل بعيدا عن المحارم، مجانبا للمآثم، مقبلا على الطاعات، مدبرا عن السيئات ومواطن الزلل - نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا -.

 

صدقه

أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون، أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
أنزل الله عليه الكتاب تبيانا لكل شيء، فبيّن صلى الله عليه وسلم أهدافه، وقيّد مطلقه، وخصص عامه، بعث صلوات الله وسلامه عليه ليتمم مكارم الأخلاق، فبيّن ذلك أتم بيان بقوله وفعله وتقريره، وإن من أعظم مكارم الأخلاق التي أمر الله بها وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم " الصدق " وهو مطابقة الخبر للواقع، وقيل هو استواء السر والعلانية، والظاهر والباطن، وبأن لا تكذَّب أحوال العبد أعماله، ولا أعماله أحواله.
ولقد بلغ الشيخ عبد العزيز - بيَّض الله وجهه - من الصدق مبلغا عظيما، وغاية سامية ومنزلة رفيعة، فتجد جميع الناس يثقون به وبعلمه، وبفتاواه التي يعرفون أن مصدرها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويتقبلون نصحه لأنهم يعلمون أنه صادر من قلب صادق مبني على الرحمة والشفقة وحب الهداية للخلق والخير لهم، وهذا الأمر - أعني به الثقة المتناهية - إنما نتجت وحصلت له، من جهة معلومة هي صدقه مع خالقه ومولاه، ونزاهته وإخلاصه

 

عظيم تواضعه

التواضع هو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة للخلق، ومنشأ التواضع من معرفة الإنسان قدر عظمة ربه، ومعرفة قدر نفسه، فالشيخ - رحمه الله - قد عرف قدر نفسه، وتواضع لربه أشد التواضع، فهو يعامل الناس معاملة حسنة بلطف ورحمة ورفق ولين جانب، لا يزهو على مخلوق، ولا يتكبر على أحد، ولا ينهر سائلا، ولا يبالي بمظاهر العظمة الكاذبة، ولا يترفع عن مجالسة الفقراء والمساكين، والمشي معهم، ومخاطبتهم باللين، ولا يأنف أبدا من الاستماع لنصيحة من هو دونه، وقد طبق في ذلك كله قول الله: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحدٍ ولا يبغي أحد على أحد أخرجه مسلم ( 2865 ).
ومما يندرج تحت هذا الخلق خلقا: السكينة والوقار، وهما من أبرز صفات الشيخ - حفظه الله - وهما أول ما يواجه به الناس سواء القرباء أو البعداء، جلساءه الأدنين أو زواره العابرين، فإن الناس ليتكبكبون حوله أينما وجد، في المسجد، في المنزل، في المكتب، وإنه ليصغي لكل منهم في إقبال يخيل إليه أنه المختص برعايته، فلا ينصرف عنه حتى ينصرف هو، ومراجعوه من مختلف الطبقات، ومن مختلف الأرجاء، ولكل حاجته وقصده، فيقوم الشيخ - حفظه الله - بتسهيل أمره، وتيسير مطلبه، ولربما ضاق بعضهم ذرعا عليه، بكلمات يرى نفسه فيها مظلوما فما من الشيخ - حفظه الله إلا أن يوجهه للوقار والدعاء له بالهداية والصلاح، إنها والله صور صادقة، بالحق ناطقة، تدل على تواضع جم، وحسن سكينة، وعظيم أناة وحلم، وكبير وقار.
ومما يؤكد تواضعه - حفظه الله - تلبية دعوة طلابه ومحبيه في حفلات الزواج الخاصة بهم، ويحضر حضورا مبكرا، ويطلب من أحد الإخوان قراءة آيات من القرآن الكريم، ثم يقوم بتفسيرها للجميع، هذا دأبه والغالب عليه في حضوره للولائم - رفع الله قدره -.

 

كرمه

الكرم صفة محمودة، ومنقبة جليلة، وأكرم الورى على الإطلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أجود بالخير من الريح المرسلة - وخاصة في رمضان -.
والكرم في اصطلاح العلماء وهو التبرع بالمعروف قبل السؤال، والإطعام في المحل، وإكرام السائل مع بذل النائل.
والشيخ عبد العزيز - رحمه الله - كرمه معروف مشهور، وكرمه كرم أصيل لا تكلف فيه ولا تنطع، وقد سماه بعض محبيه حاتم الطائي في هذا العصر، فمائدته لا تخلو من ضيوف أبدا، يلتقي عليها الصغير والكبير، والغريب والقريب، وما أظن طعاما له خلا من عديد الضيفان حتى لكأنه هو القائل:

إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلا فإني لست آكله وحدي
أخا سفر أو جار بيت فإنني أخاف مذمـات الحوادث من بعدي
وهذه الصفة مما انفرد سماحته - حفظه الله - دون غيره من العلماء، فهو كريم وكرمه يتمثل في أمور عدة:
أولا: عطاءه المستمر للفقراء والمحتاجين والمساكين فهو لا يرد طلبا، ولا يمسك شيئا من ماله لا قليلا ولا كثيرا، وربما مر عليه بعض الأشهر يستدين على راتبه، ولربما باع أغراضا مهمة لإنفاق قيمتها في سبيل الله.
ثانيا: يتمثل كرمه في أنه ما يدنو وحده إلى طعامه، ولا يأكل منفردا وحيدا، وإنما إذا حضر طعامه أحضر الناس على طعامه وسفرته، ويحضر العلماء والطلبة والمفكرون والأدباء والعامة وعابري السبيل والفقراء والمساكين، فيحيي الجميع ويرحب بهم أطيب الترحيب، ثم إذا أراد أحدهم أن يستعجل قال: كل باختياره لا ينظر أحد إلى أحد ويقول لمن دعا الله له، جعل الله فيه العافية.
بمثل هذه الأخلاق الرضية، والصفات الحميدة، حصل للشيخ طيب الذكر، وحسن الأثر، لا في الرياض وحدها، ولا في المملكة فحسب، ولا في العالم العربي ولكن في جميع العالم كله، وهناك - ولله الحمد والمنة - إجماع أو شبه إجماع على حبه وعلى أنه البقية الباقية الثابتة على طريق السلف الصالح. وهذه الصور المشرقة التي سقناها عن كرم الشيخ وجوده تعتبر بمثابة دعوة مفتوحة إلى التنافس في الخير، والتسابق في ميادين الفضيلة والبعد عن الشح والحرص والبخل، وذلك أن الإسلام دين يقوم على التعاون والبر والبذل والإنفاق، ويحذر من الأنانية والإمساك ولذلك رغب صلى الله عليه وسلم في أن تكون النفوس بالعطاء سخية، والأكف بالخير ندية، ووصى أمته بالمسارعة إلى دواعي الإحسان، ووجوه البر وبذل المعروف، وإلى كل خلق نبيل.

 

أوصافه الخلقية

الشيخ - رحمه الله - يمتاز باعتدال في بنيته، مع المهابة، وهو ليس بالطويل البائن، ولا القصير جدا، بل هو عوان بين ذلك، مستدير الوجه، حنطي اللون، أقنى الأنف، ومن دون ذلك فم متوسط الحجم، ولحية قليلة على العارضين، كثة تحت الذقن، كانت سوداء يغلبها بعض البياض فلما كثر بياضها صبغها بالحناء، وهو ذو بسمة رائعة تراها على أسارير وجهه إن ابتسم؛ وهو عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ويمتاز بالتوسط في جسمه فهو ليس بضخم الكفين ولا القدمين؛ وأوصافه فيها شبه من أوصاف العلماء السابقين - رحمهم الله -.

فراسته إن الفراسة حلية معلومة، وخصلة حميدة لكبار العلماء وأهل الفضل والهدى، والفراسة كما قال عنها الإمام ابن القيم - رحمه الله -. الفراسة الإيمانية سببها نور يقذفه الله في قلب عبده يفرِّق به بين الحق والباطل، والحال والعاطل، والصادق والكاذب، وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان، فمن كان أقوى إيمانا فهو أحدَّ فراسة، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - أعظم الأمة فراسة، وبعده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ووقائع فراسته مشهورة، فإنه ما قال لشيء. " أظنه كذا إلا كان كما قال " ويكفي في فراسته موافقته ربه في مواضع عدة.
وفراسة الصحابة - رضي الله عنهم - أصدق الفراسة، وأصل هذا النوع من الفراسة عن الحياة والنور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده، فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تخطئ، قال تعالى. { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}
قال بعض السلف. " من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بالمراقبة وظاهره باتباع السنة لم تخطئ فراسته ".
والشيخ عبد العزيز - رحمه الله - ولا نزكي على الله أحدا -، كان صاحب بصيرة نافذة، وفراسة حادة، يعرف ذلك جيدا من عاشره وخالطه، وأخذ العلم على يديه. ومما يؤكد على فراسته أنه يعرف الرجال وينزلهم منازلهم، فيعرف الجادّ منهم في هدفه ومقصده من الدعاة وطلبة العلم فيكرمهم أشد الإكرام، ويقدمهم على من سواهم، ويخصهم بمزيد من التقدير ويسأل عنهم وعن أحوالهم دائما، وله فراسة في معرفة رؤساء القبائل والتفريق بين صالحهم وطالحهم، وله فراسة أيضا في ما يعرض عليه من المسائل العويصة، والمشكلات العلمية؛ فتجده فيها متأملا متمعنا لها، تقرأ عليه عدة مرات، حتى يفك عقدتها، ويحل مشكلها، وله فراسة أيضا في ما يتعلق بالإجابة عن أسئلة المستفتين، فهو دائما يرى الإيجاز ووضوح العبارة ووصول المقصد إن كان المستفتي عاميا من أهل البادية، وإن كان المستفتي طالب علم حريص على الترجيح في المسألة، أطال النفس في جوابه مع التعليلات وذكر أقوال أهل العلم، وتقديم الأرجح منها، وبيان الصواب بعبارات جامعة مانعة. جزاه الله خيرا، وأعظم له أجرا.

 

فصاحته

اللغة العربية لغة جميلة في بابها، ماتعة في لبابها وفوائدها، فهي لغة القرآن والسنة، أسلوبا ومنهجا، ومقصدا ومغزى، وهي الوسيلة إلى فهم الدين، وإدراك أسراره، وسبر أغواره، وهي من مستلزمات الإسلام وضروراته.
والشيخ - رحمه الله - كان يعد وبجداره من أرباب الفصاحة، وأساطين اللغة وخاصة في علم النحو، وفي علوم اللغة العربية كافة. وفصاحته تبرز في كتابته ومحادثته، وخطبة ومحاضراته وكلماته، فهو ذو بيان مشرق، ونبرات مؤثرة حزينة، وأداء لغوي جميل، ويميل دائما إلى الأسلوب النافع الذي كان عليه أكثر أهل العلم وهو الأسلوب المسمى " السهل الممتنع " فتجده - حفظه الله - من أكثر الناس بعدا عن التعقيد والتنطع في الكلام والتشدق في اللفظ والمعنى، والتكلف والتمتمة، بل هو سهل العبارة، عذب الأسلوب، تتسم عباراته وكتاباته بالإيجاز والإحكام والبيان. ومن نوافل الأمور أن يقدر القارئ الكريم ثقافة الشيخ - رحمه الله - في اللغة والأدب وحسن البيان، لأن معرفة ذلك وإتقانه من الأسس الرئيسية في فهم آيات الكتاب ونصوص السنة النبوية، ومعرفة مدلولات العلماء، ولهذا كان الشيخ - رحمه الله- متمكنا مجيدا للخطابة والكتابة. ومن المألوف حقا - في عالم الإسلام - أن الذين يحرمون بصرهم من أهل العلم، يمتازون بالفصاحة في الألفاظ والمعاني، وقوة الخطابة وإتقانها، لأن معظم اعتمادهم على الإلقاء والخطابة في الدرس والوعظ والدعوة، وهذا ما يتجلى واضحا في الشيخ - رحمه الله -.
وكان الشيخ - رحمه الله- خطيب مصقع، وواعظ بليغ سواء في محاضراته الكثيرة النافعة أو تعقيباته على محاضرات غيره، أو في توجيهاته الحكمية، وتوصياته المفيدة، التي تشرئب إليها الأسماع، وتتطلع لها الأفئدة والقلوب الصادقة المؤمنة.
ومن مميزاته وخصائصه الخطابية قدرته على ترتيب أفكاره حتى لا تشتت، وضبطه لعواطفه حتى لا تغلب عقله، ثم سلامة أسلوبه، الذي لا يكاد يعتريه اللحن في صغير من القول أو كبير، وأخيرا تحرره من كل أثر للتكلف والتنطع. وكانت قوة حافظته وحضور بديهته ومما تميّز به سماحته - رحمه الله - قوة الحافظة، وسرعة البديهة، واستحضار مسائل العلم بفهم واسع، ووفرة في العلم، وشدة في الذكاء، وغزارة في المادة العلمية، فهو - رعاه الله - صاحب ألمعية نادرة، ونجابة ظاهرة.
وإن نعمة الحفظ، وقوة الذاكرة، هما من الأسباب القوية - بعد توفيق الله عز وجل - على تمكنه من طلبه للعلم، وازدياد ثروته العلمية، المبنية على محفوظاته التي وعتها ذاكرته في مراحل التعلم والتعليم، وقد حباه الله من الذكاء وقوة الحفظ وسرعة الفهم، مما مكنه من إدراك محفوظاته العلمية عن فهم وبصيرة.
ومما يؤكد على ذلك أنه لربما سُئِلَ عن أحاديث منتقدة في الكتب الستة وغيرها من كتب السنة فيجيب عليها مع تخريجها والتكلم على أسانيدها ورجالها، وذكر أقوال أهل العلم فيها، وهو ممَّن منَّ الله عليه بحفظ الصحيحين واستحضارهما، ولا يكاد يفوته من متونهما شيء؛ إلا اللهم أنه سُئِلَ مرة ونحن على طعام الغداء عنده، فقال السائل: هل تحفظ الصحيحين فأجاب قائلا - نعم ولله الحمد والمنة - إلا أن صحيح مسلم يحتاج إلى نظر وتربيط.
ومما يؤكد ويبرهن على قوة حافظته وحضور بديهته، أنه في كلماته ومحاضراته ومواعظه تجده كثير الاستدلال بالنصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وأقوال أهل العلم الشرعية، يأتي عليها بسياقها ولفظها وتمامها، وهكذا في اجتماعات هيئة كبار العلماء، تجده يذكر المسألة وأقوال أهل العلم فيها مبينا الجزء والصفحة والكتاب المنقول عنه القول. وثم أمر آخر يؤكد على قوة حافظته أنه يميز بين أصوات محبيه الذين يقدمون للسلام عليه، مع كثرتهم ووفور عددهم، وقد حدَّثني بعض من عاصر الشيخ قديما وحديثا أنني قدمت للسلام عليه بعد مدة من الزمن طويلة، فبادرته بالسلام، فعرفني من أول وهلة، ورد عليَّ السلام مناديا باسمي، وهذا دأبه في أغلب من يقدمون عليه للسلام.
وأيضا مما يؤكد على قوة ذاكرته أنك تجده يورد القصص القديمة التي حصلت قبل ستين سنة أو أكثر كأنه مطلع عليها، ينظر إليها ويتأمل في أمرها، وهذا أمر معلوم عند من خالط الشيخ وعرفه تمام المعرفة.

هيئته ولباسه

يعتبر الشيخ - حفظه الله - حسن الهيئة ، جميل المظهر ، ولا يتكلف في ذلك أبدا، ويحرص جدا على لباس البياض في ثيابه، ويحب ارتداء الثياب الواسعة، وثيابه تصل إلى أنصاف ساقيه، ويزين ثيابه بمشلح وعباءة عودية اللون، وهو سلفي في المظهر والشارة

هيبته

مما تميز به سماحته - رحمه الله - الهيبة، وقد حدثني غير واحد من كبار العلماء الفضلاء وطلبة العلم أن للشيخ هيبة فيها عزة العلماء مع عظيم مكانتهم وكبير منزلتهم، وهذه الهيبة قذفها الله في قلوب الناس، وهي تنم عن محبة وإجلال وتقدير له، لا من خوف وهلع وجبن معه، بل إن الشيخ - رحمه الله ورعاه - قد فرض احترامه على الناس، بجميل شمائله وكريم أخلاقه، مما جعلهم يهابونه حياء منه، ويقدرونه في أنفسهم أشد التقدير.
ومما زاد هيبته أنه ابتعد عن ساقط القول، ومرذول اللفظ، وما يخدش الحياء أشد الابتعاد، فلا تكاد تجد في مجلسه شيئا من الضحك إلا نادرا ولماما، بل تجد مجالسه عامرة بذكر الله، والتفكر والتأمل في الدار الآخرة.
ومع هذه المكانة العظيمة، والمنزلة السامية، والهيبة، فإنه آية في التواضع، وحسن المعاشرة، وعلو الهمة، وصدق العزيمة، مع عزة في النفس، وإباء في الطبع، بعيدا كل البعد عن الصلف والتكلف المذموم كأنه واضع بين نصب عينيه قوله تعالى: وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ

 

أعماله ومناصبه:

تولى الشيخ عبدالعزيز رحمه الله العديد من المناصب منها على سبيل المثال :

1 - رئاسة هيئة كبار العلماء في المملكة.
2 - رئاسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الهيئة المذكورة.
3 - عضوية ورئاسة المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.
4 - رئاسة المجلس الأعلى العالمي للمساجد.
5 - رئاسة المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي.
6 - عضوية المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
7 - عضوية الهيئة العليا للدعوة الإسلامية في المملكة.
ولم يقتصر نشاطه على ما ذكر فقط كان يلقي المحاضرات ويحضر الندوات العلمية ويعلق عليها ويعمر المجالس الخاصة والعامة التي يحضرها بالقراءة والتعليق بالإضافة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي اصبح صفة ملازمة له.

 

مؤلفاته:

فهي كثيرة جدا نذكر منها:

1- مجموع فتاوى ومقالات متنوعة.
2- الفوائد الجلية في المباحث الفرضية
3- التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة (توضيح المناسك).
4- التحذير من البدع ويشتمل على أربع مقالات مفيدة (حكم الاحتفال بالمولد النبوي وليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان وتكذيب الرؤيا المزعومة من خادم الحجرة النبوية المسمى الشيخ احمد).
5- رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام.
6- العقيدة الصحيحة وما يضادها,, وغيرها كثير من مؤلفاته. 

كلمات مشهورة  للشيخ رحمه الله

هذه بعض الكلمات التي تتكرر على لسان سماحته - رحمه الله - وأكثرها مما لاحظته أثناء مجالستي له في دروسه أو في مكتبه أو في منزله العامر ، وأغلبها تدور على أطيب الكلام وأحسنه ، لأنها حتى في حالة الغضب مشتملة على تعظيم الله وتنزيهه ، فهاك بعضا منها :
1- سبحان الله : يقولها خاصة حين يسأله بعض الطلبة عن حكم واضح من أحكام الشريعة .
2- سبح : يقولها إذا غضب من السائل أو المتكلم ، أو لمن يريد قطع الكلام عليه ، أو لمن يريد قطع فكر الشيخ في الإملاء .
3- جعلنا الله وإياكم من أنصار الحق والهدى : يذيلها الشيخ رحمه الله في رسائله للعلماء وطلبة العلم .
4- فيا محب وصلتني رسالتكم وصلكم الله بهداه : يقدمها الشيخ في أول رسائله المردودة على طلاب العلم والعلماء .
5- كتب الله لكم سعيكم وضاعف مثوبتكم : يختم بها رسائله في الشفاعة .
6- يسر الله أمرك وأمر كل مسلم ومسلمة : لمن كان عليه دين ولم يثبته وطلب الشيخ منه الإثبات .
7- أسأل الله أن يعطيك خيرا منها ، ويعطيها خيرا منك ، ثم يستدل بالآية الكريمة : وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا يقولها - الشيخ - رحمه الله - لمن بانت زوجته البينونة الكبرى .
8- دائما ما يسمع الشيخ في دروسه وهو يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم .
9- كثير الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم جدا في دروسه .
10- الوصية بالتقوى يكررها على مسامع طلابه في كلماته ومواعظه ، بل حتى لغيرهم بقوله : " اتقوا الله " " عليكم بتقوى الله " " الوصية الوصية التقوى " . قلت : هذه عشرة كاملة من الكلمات التي أسمعها بكثرة من سماحته - رحمه الله - وما أوردتها هاهنا إلا لنعرف أن هذا . الإمام الرباني - رحمه الله - ما هو إلا بقية السلف في جميع هديه وسمته ودله 0

 

       وفاته :
توفّي الشيخ رحمه الله يوم الخميس 27/1/1420 هـ عن عمر يناهز 89 سنة قضاها رحمه الله في الجد والاجتهاد والعمل الصالح وطلب العلم وتعلمه وبذله والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله وقضاء حوائج المسلمين ومساعدتهم والوقوف معهم رحمه الله وغفر له واسكنه فسيح جناته ونور ضريحه وأنزله منازل الأبرار وجمعنا به في دار كرامته ومستقر رحمته.
ولقد صلى على جثمانه بعد صلاة الجمعة خلق كثير وجموع غفيرة لا يحصيهم إلا الله عز وجل ، وهذا برهان ودليل محبة الناس له، رحمه الله واسكنه فسيح جناته.

 

المصدر: ترجمة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 246 مشاهدة
نشرت فى 30 نوفمبر 2012 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

945,050

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.