● قال الإمام السيوطي رحمه اللّٰہ في كتاب تاريخ الخلفاء: كان هارون الرشيد شجاعًا مُحبًّا للفروسية، وبدت عليه أمارات النجابة والفلاح منذ صغره، حتىٰ أنه كان يقود الحملات الحربية في عهد أبيه الذي كان أميرًا علىٰ خُراسان، ثم تولىٰ الخلافة وعمره خمسةً وعشرين عامًا فقط، وكان مُحبًّا للعلماء كثير الحج والجهاد وكان مَلِكًا عادلًا لا يخشىٰ إلا اللّٰه.
○ وقد ذكر الخطيب البغداداي أن هارون الرشيد كان يُصلِّي مائة ركعة في اليوم والليلة، وكان يتصدق بألف درهم من ماله كل يوم، وكان إذا ذهب للحج أخذ معه الفقهاء وأبناءهم، وإذا لم يحج بعث ثلاثمائة رجل يحجون علىٰ نفقته الخاصة، قال عنه أبو عمار بن منصور: ما رأيت أكثر بكاءً عند الذكر من هارون الرشيد، والفضيل بن عياض.
○ كانت الروم تدفع الجزية للمسلمين في عهد الملكة ريني، ثم تولىٰ بعد ذلك ملك يُسمَّىٰ النقفور، فأراد أن يشمخ بأنفه علىٰ أمير المسلمين هارون الرشيد، فبعث له رسالةً يقول ما فحواها: "من نقفور ملك الروم إلىٰ هارون ملك العرب أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي كانت حمقاء، فإذا قرأت كتابي فاردُدْ ما حصلتم عليه من أموال، وإلا فالسيف بيننا وبينك".
○ فلما قرأ هارون الرشيد غضب غضبًا شديدًا كما لم يغضب من قبل، ثم كتب علىٰ ظهر الرسالة: "بسم اللّٰه الرحمـٰن الرحيم، من هارون أمير المؤمنين إلىٰ نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه لا ما تسمعه"، ثم ذهب بجيشٍ عظيمٍ وهزمه شرَّ هزيمةٍ وأدَّبه، وكان قبل موته يذهب إلىٰ قبره الذي سيُدفَن فيه ويبكي ويقول: "يا من لا يزول مُلكه، ارحم من يزول مُلكه".