في قصصهم عِبرة
٩١ وفاء!
في كتاب "الحكمة والأحابيل العربية" أنَّ وزيراً خدمَ الملك ثلاثين عاماً بمُنتهى الإخلاصِ والتفاني، وصارَ عنده ذو حظوةٍ كبيرةٍ، مما أوغرَ قلوب الحُسَّادِ عليه، الذين لفَّقوا حوله القصص، وأطلقوا الإشاعات، إلى أن صدَّقَها الملكُ، وأصدرَ أمراً بإعدامِ الوزير.
وكانَ الملكُ ينفذُ حُكمَ الإعدامِ بأن يربطَ المتهم قرب حظيرة الكلابِ الجائعةِ ثم يُفلتُها، فتنهشُه وهو حي!
وقَبِلَ الوزيرُ الحكمَ دون اعتراض، غير أنَّه طلبَ من الملكِ أن يُمهلَه عشرة أيام ليُودِّع عائلته، ويزور أقاربه، ويُنجز بعض الأمور الشخصية، ووافقَ الملكُ دون تردُّد.
ذهبَ الوزيرُ إلى بيته، وأخذَ كل ما يملك من ذهب، وتَوَجَّه إلى حظيرةِ الكلاب، ودفعَ الذَّهب إلى الرجل الذي يقوم عليها، وطلبَ منه أن يسمحَ له بالاهتمامِ بالكلابِ وإطعامِها، وقَبِلَ الرجل هذه الصفقة، فهو فوق أنه سيستريحُ من عمله لعشرةِ أيام، سيحصلُ على الكثيرِ من الذهب!
وعلى مدة عشرة أيام كان الوزيرُ يُطعمُ الكلاب، ويمسحُ على رؤوسها، ويهتمُّ بها!
وعندما حانَ اليوم الموعود، جاءَ الملكُ ليشهد الإعدام، ورُبِطَ الوزير، وأُطلِقتْ الكلاب، تفاجأ الجميعُ أنها بدأت تمسح أجسادها بالوزير، وتتقرَّب منه.
وعندما سألَ الملكُ وزيرَه عن سببِ عدمِ التهامِ الكلاب له، قال: لقد اعتنيتُ بهذه الكلاب عشرة أيام فلم أهُنْ عليها، وخدمتُكَ ثلاثين سنة فألقيتَ بي إلى الموت!
احمرَّ الملكُ خجلاً، وشعرَ بالعار، ولم يكتفِ بالعفو عن الوزير، وإنما سلّمه الأشخاص الذين وشوا به، وطلبَ منه قتلهم، ولكنه عفا عنهم، واكتفى بإبعادِهم عن البلاط!
في الحياةِ ليس بالضرورةِ أن تردَّ المعروف، ولكن كُنْ أرقى من أن تُنكره، إنَّ طعمَ الجحودِ مُرٌّ، مُرٌّ جداً!
لا شيء أكثر وجعاً من أن يقتلعكَ الشخص الذي حاولتَ أن تزرعه!
ولا شيء أشدّ مرارة من أن تُصفعَ باليدِ التي طالما قبَّلتها!
ولا شيء أشد عذاباً من أن تأتيكَ الضربة من الشخصِ الذي لطالما حميته من الضرباتِ
وما أجمل "معن بن أوسٍ" حين لخَّص الجُحود في بيتين من الشعر فقال:
أُعلِّمُه الرماية كل يومٍ
فلما اشتدَّ ساعده رماني
وكم علَّمتُه نظم القوافي
فلما قال قافية هجاني!
_____
قناة /أدهم شرقاوي