( أنا والدكتوراه ) 

كان العام ٢٠١٨ أول عهدي بوسائل التواصل الاجتماعي ، أنا الشاعر التواق إلى فضاءٍ يستوعبُ موجاتِ الجموحِ التي تنتابني بعد انقطاعٍ لثلاثين سنة عن الكتابة ، فكان ما كان ، وانطلقَت حروفي المتواضعةُ في هذا الفضاء الفسيحِ الذي كلما تصورتُ نفسي أُلامِسُ حدودَه أرى مصاريعَ وابواباً تتفتَّحُ أمامي على غيرِ عهدي بما سبق ٠

كتبتُ في المقالة فأبدعتُ بحكم من قرأ ،لا بحكمي ، ونظمتُ قصيدةَ العمودِ فلاقَتْ ما لاقت من الاستحسانِ الذي يصلُ حدَّ الدهشةِ عند قرّائِها وعلى صفحاتِ المنتديات الأدبية الراقية ٠ وإنْ هي إلّا أشهرٌ قليلةُ حتى تكرمَتْ عليَّ إداراتُ بعض المنتديات بشهادات الدكتوراه الفخرية، ومن المؤكد - واقع حال لا غرور - أنها أدركَتْ علمي ببحورِ الشِّعرِ العربي وتفعيلاتِه ونظمي على العديد منها بأغراض شعرية متنوعةٍ منها الغزل والوجدان والقصائد الوطنية والقومية والشكوى وغيرها وغيرها ٠

كانت فرحتي لا توصفُ حينئذ فقد شعرت أن السنين التي لم تمهلني لأكمل دراستي التخصصية العليا في اللغة العربية قد ذهبت أدراج الرياح كأنها لم تكن وكنت أشعر بالزهو لذلك ٠

مرت الأيامُ وبدأت تأتيني دعواتُ الانضمام إلى المنتديات فأسرعُ بتلبيتها لهدفين: نشر ثقافة تذوق شعر العمود أولا وتحقيق الإنتشار على مستوى الوطن العربي ثانياً، وأعتقدُ جازماً أنني حققتُ الكثيرَ من الهدف الثاني ، لكن شكوكي كانت تتزايد في تحقيق شيء من الهدف الأول فكنت كمن يسبح في بحر تتلاطم أمواجه من المنشورات التي أنفق ناشروها من الجهد أكثر بكثير مما تحويه من منفعة أدبية وثقافية فترى اللغة تستغيث تحت وطأة أقلام هؤلاء ، فلا النحو نحوٌ ، ولا الصرف صرف ولا وجود لمعنى فنون البلاغة أو علم العروض وأحسب أن الخليل الفراهيدي لو كان حياً ورأى ما نحن فيه اليوم لمزق كل مآثره من معجم العين وغيره من المؤلفات في اللغة والنحو والموسيقى والبلاغة وعلم العروض الذي لم يسبقه إليه أحد، ثم انتحر بعد ذلك!!٠

كل هذا كان في كفة أما الكفة الأخرى التي أراها بدأت ترجَحُ حتى تكاد تلامسُ الأرضَ فهي كفة شهادات الدكتوراه الفخرية التي بدأت تتسابق في منحها المنتديات غثها وسمينها، عالمها وجاهلها ، بمناسبة وبدون مناسبة فلم يعد لها إلا القيمة السالبة التي هي أدنى من الصفر كقيمة عددية، ولا أخفيكم أنني كثيراً ما فكرتُ بالتخلِّي عن لقب الدكتوراه الفخرية وفي كل مرة أشعرُ بالحرج الشديد من إدارات المنتديات الرصينة الثلاث التي منحتني إياها عن قناعة واقتناع بمؤهلاتي العلمية والإبداعية ولكن بعد ما آل إليه الحالُ فإنني وبكامل قناعتي أقدم اعتذاري الشديد لإدارات المنتديات التي منحتني إياها لا تقليلا من شأنها ونيلا منها ولكن لإدراكي أن مسؤولية المبدع وعمله الإبداعي هي أن يبني شخصيةً مثقفةً قادرةً على النهوض بالواقع الفكري والثقافي ومواكبة التطورات والمتغيرات المرحلية لكل حقبة وكل تيار فكري ثقافي أدبي ، هذه هي مسؤولية المثقف وهي واجب لا يترتب عليه أي استحقاق ، هكذا أرى مسؤوليتي ، ومن هذا المنطلق فأعلنُ أنني لن أنشر منشوراً بعد اللحظة بتوقيع ( د.جاسم الطائي ) بل ساكتفي وبكل فخر بشهادة البكلوريوس الجامعية الأولية في اللغة العربية وآدابها فقد منحني إياها -وكل الفضل لله ولهم من بعده- أساتذة كرام كرام أذكر منهم ألاستاذ الدكتور طارق عبد عون والاستاذ الدكتور سعيد عدنان الزيدي والاستاذ الدكتور عبد الرضا علي والاستاذ الدكتور فائق مصطفى والأستاذ الدكتور كاصد الزيدي والاستاذ الدكتور محمد فتاح والاستاذة الدكتورة نزهت والاستاذ الدكتور عبد الوهاب العدواني والاستاذ الدكتور محمد يونس وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة لتذكُّرِ أسمائهِم وإنْ كنتُ لا أزال أتخيلُ شخوصهم فرداً فردا ٠

رحم الله جيل العمالقة من الأساتذة الأفاضل الأحياء منهم والأموات ، ورحمة الله على شهادة الدكتوراه وغفر الله لمن ابتدع شهادة الدكتوراه الفخرية فقد اجتهد وأخطأ وليته لم يجتهد فيرى ما نرى هذه الايام ٠

----------------

العبد الفقير الى الله 

جاسم الطائي

Moltkaa

sticker_1691790741058.png

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 34 مشاهدة
نشرت فى 28 أغسطس 2023 بواسطة Moltkaa

Moltka althfaf

Moltkaa
Literary Forum »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

18,150