الشياطين الحمر 

ماذا يبقى عندما تنحسر الأمواج؟ ما هو مدفون، بطبيعة الحال...

في وادي قريتنا الجاف، أطفال يضحكون على أحمق القرية. يلقونه أرضا ويطلبون منه خلع قميصه ثم يتركونه يجري بينهم يتوسل الرأفة. 

أنت لا يمكنك المشي دون أن تتعثر بقدميك... يقولون إليه ، لا ترافقنا فنحن عفاريت وكل هفوة تعرضك إلى طريحة نباش القبور أو الضرب المبرح من "عزيزة" عصاة المعلم  سي حمادي وفلقة المؤدب عمي بلقاسم...

كنا شلة من ننعتهم اليوم "شباب ما هوش متربي أو ماصت ". أنا وعمي الطيب وقدور وبعض الآخرين... كنا على رأس عصابة الشياطين لإغاثة البؤساء والمساكين كما كنا نزعمون .

 - تلميذ حساس يتعرض للإهانة على يد معلم ناقم على نمط حياته و عازب يسكن وحده و الذي يرفض وعاء من حليب الحاكم لابناء القرية.. فأثناء الليل نطرق باب بيته بعنف ونفر فهكذا نمنع عليه النوم، هذا ما املت علينا عقولنا الساذجة.

- طفل مشاغب يهاجم شيخا أو حمارا أو حتى سلحفاة... نصفي حسابه على الفور ونرميه في بئر غزالة دون حبل إنقاذ ، ثم ننشله من الغرق بعد حصة التخويف.

كلنا نأتي من عائلات نبيلة، من نفس العائلة... تركي قرية المهجع... نحن أطفال القرية نرفض الظلم. ولكن افعالنا تعاشر الإجرام ...

وكل يوم تتطور العمليات من أسوأ إلى ما هو أشوم ... ثورة على الركود وصرامة الأب والجمود والحقرة ... لا لشيء... للضحك فقط ولإشعار أكابر القرية من الرجال بوجود شباب مراهق ذي آفاق مسمومة أم عامل ضيعة أم حظيرة أم وارث أبيه...

كنا نعلق كلبا ميتا أمام دار تاجر، أين تسهر امرأة حامل وحدها ونطرق الباب ثم نهرب... وعندما تجاوبنا نضحك. ثم بعد لحظات نتفكر بأنها تترقب مولودا وسوف تجهض من حدة الصدمة، نهرول وننزع الكلب... هذا ما كان ردنا، لا لشيء! لأن زوجها اتهم أحدا منا بسرقة حذاء من محل تجارته.

وليلة أخرى، غلقنا أزنقة البلاد، زنقة زنقة بعربات فلاحي القرية من آبائنا... قطعنا الطريق بين شمالها وجنوبها ولم نفكر ولو لحظة في عواقب فعلتنا اذا طرأ حادث للمتساكنين...

وعندما داهمنا دار عرس في "حومة قافلة تسير" لأن أثرياء سكانها أو كما هم يزعمون منعونا من الدخول إلى أعراسهم، فرميناهم بالحجارة وحطمنا فوانيسهم...

وليلة أخرى قطفنا ضيعة لفت كاملة ، لان صاحبها حجز حمار أحد من الشياطين. في مثل هذه الوقائع نكون كلنا متحدين على هلاكها مثل على صلاحها ومن يتردد نعزلوه في الحين.

وكنا نسرق الغلال للأكل فقط وكل منا يبدأ بثمار ما تنتجه ضيعتهم...

كبرنا و في عز الشباب هاجرنا كلنا كالعصافير باحثين عن وكر آمن وجميل مثل أحلامنا الجريئة...

وعندما هرمنا، و أثناء عودتنا المؤقتة من الغربة نلتقي في مقهى القريشة في جلسة تذكارية عائلية تحت الأشجار حيث يروي عمي الطيب حكاياته الطريفة وبسمة الانتصار على الحياة على وجهه، كان دائما يتهكم على شباب اليوم وما يفعلون من ترهات. " بنحن كنا" طيبنا هو الوحيد من الشلة القديمة الذي استقر بالقرية بعد الهجرة والجلسة معه تعتبر سفرة في ماض فات ومات، رحلة يغلب عليها الحنين وكل منا يسرد حربه ضد رجال القرية الشرفاء.

كل واحد يصفي حساباته كما استطاع... مازجا ومن دون حقد...

هذه ذكريات أطفال خلونا نحلم عندما نعود إلى البيت مساءً كواجب منجز وكتشبيب لشيبنا حين عجزنا على أي مغامرة إلا باللسان.

المرض والركود استعار وقتنا حتى بلوغ اليوم الموعود.

ينام قدامى القرية بين الحلم والواقع ويحلمون بالعهد الجيد القديم.

نحن نتأرجح باستمرار بين المنزل الحقيقي والمنزل المتخيل، ونعيش في منطقة وسطى من الخيال الذي يتغذى على اتصال حي متجسد مع العيش البسيط: الماء، الهواء، الأرض، الحجارة و الناس..  نمضون الوقت بدون هدف...

أحلام اليقظة ليست حلما ولا أحلام يقظة، بل هي عملية حياة أو موت نصبح من خلالها متقبلون لروح المكان لتطوير حلم اليقظة الشخصي ونبذ السلبيات لنظهر كأبطال عهدنا المتولي الفائت المنقضي...

الحلم في المنزل يسمح لنا بالعيش بشكل أفضل بين ذوينا وأحفادنا وكأننا أطفال...

شياطين أبديون...

عبدالفتاح الطياري

تونس

Moltkaa

sticker_1691790741058.png

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 164 مشاهدة
نشرت فى 27 أغسطس 2023 بواسطة Moltkaa

Moltka althfaf

Moltkaa
Literary Forum »

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

18,080