مناشدات عمود فقري!
يئنُ وجعاً لا يقوى على الوقوفِ أو النهوضِ، يسألُ نفسَهُ: ممَ هذا الألمُ الذي لا يبارحُني لحظةً؟!
خاطبَ الشيطانُ العمودَ الفقريَّ للمتوجعِ وقالَ: لقد جاءَكم إحتلالٌ من نوعٍ جديدٍ هذهِ الأيامُ.
سألَهُ الإنسانُ بإستغرابٍ: أغيرَ الإستعمارِ والإستحمارِ، الذي أُبتليتْ بهِ شعوبُنا العربيةُ؟!
قالَ لهُ: نعم وها هو عمودُكَ الفقريُّ يناشدُني، ويطالبُني بالإنسحابِ لكنْ هيهاتَ ..
سألَ الإنسانُ: كيفَ تمكنْتُم منا؟ وماذا جلبتُم من أسلحةٍ هذهِ المرةِ؟
قالَ الشيطانُ: إنتبهْ لما سأقولُهُ.
أنتم تأكلونَ كثيراً وتفكرونَ قليلاً، تجلسونَ ساعاتٍ طويلةٍ أمامَ الهواتفِ الذكيةِ، ونحنُ نخيطُ لكم فيها أثوابَ الفسادِ واللهوِ، وتنسونَ أوقاتِ عباداتِكم! لماذا لا تحنونَ ظهورَكم لأجلِ صلاتُكم؟
ألا تتذكرونَ في كتابِكم المقدسِ؟"ويلٌ لقومٍ أضاعوا الصلواتِ وأتبعوا الشهواتِ"
نحنُ الشياطينُ نلهمُكم الراحةَ والهدوءَ وسط َهذه الفوضى، وأنتم مَنْ جعلتُم أعمدتَكم الفقريةَ تنحني بلا هوادةٍ،
بادرَهُ الإنسانُ بسؤالٍ: وهل ما زلْتَ تحملُ لنا مزيداً من الأسرارِ؟
أجابَهُ الشيطانُ بثقةٍ: نعم بكلِّ تأكيدٍ، فأطفالُكم في فلسطينَ، اليمنَ، وسوريا، والعراقَ، ومصرَ، والأردنَ، ولبنانَ، وليبيا، وتونسَ، كلُّها تعاني الإرهابَ، وأنتم تشاهدونَ يومياً مشاهدَ القتلِ دونَ أنْ تبالوا، نحنُ زرعْنا خيوطَ الطائفيةِ والتناحرِ بينَكم، وباتَتْ ظهورُكم ثقيلةً، الى الحدِ الذي توفقتُم فيهِ عن لفظِ كلمةٍ واحدةٍ، بحقِّ المجازرِ المرتكبةِ ضدَكم!
أيُّها الإنسانُ: كلانا ينظرُ لبعضِنا، ولكنْ هلا نظرْتَ الى ربِّكَ قليلاً؟ ضعْ يدكَ على الجرحِ، فبدأَ ينزفُ بغزارةٍ.
لم يستطعْ الإنسانُ الوقوفَ، لأنَّهُ تذكرَ أنَّ فقراتِ عمودِهِ محتلةٌ من قبلِ شياطينَ الأرضِ (قرآنٌ مغطى بالغبارِ، هواتفٌ مغلقةٌ بالبصمةِ، قنواتٌ فضائيةٌ مجنونةٌ، مواقعٌ إباحيةٌ، بيوتٌ وعوائلُ تدارُ بالوكالةِ، واجباتُ الأبِ وقيمومتُهُ أصبحَتْ بائسةً، أصفادُ الشيطانِ كبلّتْ لسانَ الحقِّ، وشاعَ الكذبُ والغشُ، والخيانةُ والطعنُ، واللعنُ والتكفيرُ) وهناكَ المزيدُ؟
أحضرَتِ الزوجةُ سجادةَ صلاةٍ لكنْ دونَ جدوى! ما زالَ الإنسانُ عاجزاً عن النهوضِ ،غارقاً في ملذاتِ الدنيا ولا يعرفُ ما ينتظرهُ.
مناشداتٌ من عمودٍ فقريٍّ مسكينٍ أضنكَتْهُ الذنوبُ.
أمل الياسري/ العراق
