صفحات مشرقة من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية*
ابن يونس المصري.. صاحب "الزيج الحاكمي"
من هو؟
ابو الحسن علي بن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن الأعلى الصدَفي المصري.
قد يكون من أهالي "صدفا" بصعيد مصر، كما يدل على ذلك اسمه.
إلا أن (ابن الأثير) في ص ٣٥٠ من كتاب (اللباب في تهذيب الأنساب) يقول:
"إن الصدفي بفتح الصاد والدال معا نسبة إلى (الصدف) وهي قبيلة من حمير باليمن هاجرت إلى مصر واستقرت بها".
ابن يونس عالم رياضيات وفلكي ومنجم
من مشاهير علماء الفلك الذين ظهروا بعد "البتاني" و"البوزجاني"...
- سبق چاليليو بعدة قرون في اختراع بندول الساعة.
وهو سليل اسرة اشتهرت بالعلم
فأبوه كان من كبار المحدثين الحفاظ والمورخين،
وقد وضع لمصر تاريخا يرجع إليه العلماء فيه.
وكان جده كذلك عالما متخصصا في علم النجوم.
ويعد الزيج الكبير "الحاكمي" أشهر أعمال الفلكي ابن يونس المصري (ق٥ الهجري)
وقد ترجمت بعض فصوله إلى اللغات الأجنبية،
وتضمن جداول فلكية فاقت دقتها كل الجداول التي سبقته، واستعيض بها عن كتاب (المجسطي) للفلكي الإغريقي (بطليموس) وعن مقالات بغداد الفلكية في الشرق كله.....
*سيرته العلمية وروح عصره ومكانته عند الفاطميين:
عاصر ابن يونس الفاطميين وكان منهم من اهتم برصد النحوم
وفي سنة ٣٩٥ هج أسس (الحاكم بأمر الله) الفاطمي (دار الحكمة) وتعد ثاني مراكز البحوث العربية - بعد بيت الحكمة الذي أنشئ في بغداد أيام الخليفة العباسي المأمون-
وفي ذلك الزمان كان المعتاد أن تسمى مجالس الدعوة لمذهب الفاطميين باسم (مجالس الحكمة)
وقد ألحق الحاكم بأمر الله بتلك الدار مكتبة صخمة عرفت باسم (دار العلم).. برز من بين علمائها المرموقين "ابن يونس المصري" و"الحسن بن الهيثم" وغيرهما كثيرون...
كما اجتذبت تلك الدار العلماء من الشرق والغرب، وظلت قائمة حتى أغلقها بدر الجمالي سنة ٥١٦ هج.
واتخذ ابن يونس مرصده الفلكي على صخرة كبيرة مسطحة في جبل المقطم في مكان يقال له بركة الجيش، وهناك رصد كسوفين للشمس.
ولنبوغه وتفوقه العلمي حظي بمكانة رفيعة وقيمة لدى الفاطميين، حيث بنى له (العزيز بالله) الفاطمي مرصدا على جبل المقطم قرب الفسطاط، مزودا بكل الأجهزة والمعدات اللازمة للرصد الفلكي.
(وهناك قول بأن مرصد ابن يونس ربما كان في بقعة اسمها حلوان وهي التي شيد فيها المرصد الفلكي الحديث عام ١٩٠٤م)
وقد أمره "العزيز بالله" الفاطمي بعمل جداول فلكية أتمها في عهد "الحاكم بأمر الله" ابن العزيز، وسماها نسبة إلى الخليفة "الزيج الحاكمي".
وكان هذا الزيج "الكبير"من أهم أعماله ومنجزاته التي ساهمت في تقدم علم الفلك ومن أدق الجداول الفلكية والرياضية، وعنه نقل كثير من الفلكيين، خصوصا بعد أن انتقل زيجه إلى الشرق.
وله أيضا زيج "صغير " يعرف باسم "زيج ابن يونس"،
والأرقام التي أوردها في الزيجين صحيحة حتى الرقم السابع العشري مما يدل على دقة لا مثيل لها في الحساب.
وكان المصريون لفترة طويلة من الزمن يعولون في تقاويمهم على زيج اين يونس.
*ومن أجَل أعماله الفلكية أنه
- حسب ميل دائرة البروج
- وبعد ذلك رصد كسوف الشمس وخسوف القمر وأثبت فيها تزايد حركة القمر، فجاءت حساباته أدق ما عُرف قبل إدخال الآلات الفلكية الحديثة.
- كان أول من توصل إلى حل بعض معادلات حساب المثلثاث التي تستخدم في علم الفلك.. واشتهر بحل مسائل فلكية كثيرة عويصة.
وله بحوث قيمة ساعدت في تقدم علم المثلثاث الكروية.
وهو أول من وضع قانونا في حساب المثلثاث الكروية، كانت له أهمية كبرى عند علماء الفلك قبل اكتشاف "اللوغاريتمات"، إذ يمكن بواسطة ذلك القانون تحويل عمليات الضرب في حساب المثلثاث إلى عمليات جمع، فيسهل حل كثير من المسائل الطويلة والمعقدة.
وقد كتب ابن يونس الزيج الحاكمي الكبير تخليدا لذكرى الخليفة "الحاكم بأمر الله" الفاطمي، وهدف من إخراجه أن يتحقق بنفسه من أرصاد الفلكيين السابقين له، وما قالوه عن الكسوف والخسوف، واقتران الكواكب ومولد الأهلة، ويتضمن جداول فلكية عديدة منها ما يستدل به على حركات الكواكب السيارة.
ويبدأ الزيج بمقدمة ويضم ٨١ فصلا
وقد ترجمت بعض فصوله إلى اللغات الأجنبية.
ويعتبر العلماء ارصاده من النوع الدقيق، وقد اتخذت أساسا من أسس جاذبية القمر.
لم يصل إلينا هذا الزيج الكبير "الحاكمي" كاملا، وبقيت منه أجزاء ناقصة ومتفرقة في مكتبات العالم.
أما الزيج الصغير فهو خاص بالمصريين، وفي دار الكتب بالقاهرة نسخة فريدة منه، وتتضمن هذه المخطوطة الفريدة العديد من الجداول الفلكية الدقيقة.
وقد أشرنا ألى أنه أول من اخترع بندول الساعة وليس الإيطالي چاليلي چاليليو، ومعنى ذلك أنه كانت لديه فكرة سليمة عن أن: "ذبذبة أي بندول سهل الحركة تتناسب مع طوله"
وقد توصل إلى معرفة تلك الحقيقة عن طريق التجربة!!!
ونحن حتى عصرنا هذا لدينا عدد وفير من قوانين الطبيعة المستنتجة عمليا ولم يتم إثباتها نظريا بعد، ولكننا اليوم نعرف بالبرهان الرياضي والحساب الدقيق آلية عمل البندول وكتلته في علاقته بعجلة الجاذبية الأرضية...
*فلسفته والسمات المميزة لشخصيته مفكرا وعالما وإنسانا:
لم يكن يؤمن إلا بما اقتنع به عقله.. ولا يأبه بما كان الناس يقولون عنه.
تتلخص فلسفته في ثلاث نقاط:
١ الأخذ بالمبدأ العلمي القائم على الرصد والقياس، واتخاذ الكون وما فيه معلما منه تستنبط الحقائق وإليه ترد.
٢ تدعيم الإيمان عن طريق تلمس آيات الخالق المنبثة في الكون.
٣ ممارسة المتع المشروعة
وهنا (يذكر ابن خلكان عن أحد المنجمين أنه طلع معه مرة إلى جبل المقطم، وقد وقف لرصد كوكب الزهرة، فنزع ثوبه وعمامته، ولبس ثوبا أحمر ومقنعة حمراء تقنع بها، وأخرج عودا فضرب به والبخور بين يديه، فكان عجبا من العجاب).
*ابن يونس كان شاعرا وموسيقيا يعزف على العود
ومن شعره:
أُحمِّل نشر الريح عند هبوبهِ
رسالة مشتاق لوجه حبيبهِ
بنفسي من تحيا النفوس بقربهِ
ومن طابت الدنيا بهِ وبطيبهِ
لعمري لقد عطلت كأسي بعده
وغيبتها عني لطول مغيبهِ
وجدد وجدي طائف منه في الكرى
وسرى موهنا في خفية من رقيبهِ
*شهادات تقدير واعتراف بفضل ابن يونس المصري
أشاد بقيمته الفكرية والعلمية مؤرخ العلم (سارتون) فقال عنه:
"كان ابن يونس أعظم فلكي مسلم".
وتقديرا لجهوده الفلكية تم إطلاق اسمه على إحدى مناطق السطح غير المرئي من القمر.
نعيمة الحامد
علماء نوابغ.. ج١
* "موسوعة الناشئين" مشروعي الذي أشتغل على إعداده واستكماله للطبع
المرجع الرئيس
- كتاب المعرفة.. شخصيات عربية
شخصيات من التاريخ
إنتاج وتوزيع الشركة الشرقية للمطبوعات ش.م.م
ألقاكم مع شخصية اخرى من أعلام الفكر والحضارة العربية الإسلامية
