مجلة مشكاتي للشعر ..... للشاعر هشام عوض


النقد الأدبي (هكذا ينبغي أن نكون ) أو لا نكون ! أخي الحبيب الذوّاق لحروف الجمال قبل الخوض في معمعة الأدب أضرب لك مثلا يقرّب الى البديهة ما نودّ قوله ! رؤيتك للطبيب يعلّق سماعة على صدره وبيده جهاز الضغط وأحياناً يحمل مِشْرَطاً فهذا أمر طبيعي لا تجد فيه غضاضة ولا مضاضة ! أنت تستغرب وتصيبك الدهشة اذا رأيت الطبيب يحمل منشاراً وفأساً وعصا ! تقول في نفسك هل ذاهب هذا الطبيب الى معركة ليست حامية الوطيس فيؤدي ما عليه من واجب الدفاع عن العشيرة والقبيلة ! أو أان مهنته لم تعد تجديه نفعاً فذهب الى مهنة غيرها ؟! وما من مهنة في هذه الدنيا الا ولها أناسها القائمون عليها ( فكلٌّ ميسّرٌ لما خٌلِقَ له ) والأدب مهنته وساحته وميدان حركته لا تختلف كثيراً حسب رأيي عن أي مهنة أو مهمة أُخرى ! مع فوارق شتى لا يمكن التغاضي أو النتغافل عنها ! أهمها أن حركتها ومجال دورانها محصورة بين الحرف والكلمة وبين السطور ! لا تحتاج الى أدوات كثيرة وبذل جهد شاقّ ! لكن الأفكار التي ينتجها العقل عبر تلك الساحات التي ذكرت ! قد يكون عليها المُعَوّل ومنها المؤمَّل ! فدساتير الدول وقوانينها لا تتعدى ما ذكرته من قبل من مهمات الأدب واللغة والسطور بغض النظر عمن وضعها لكن في نهاية المطاف تكون هندسة الأشياء كلها ضمن اللغة التي توضح كافة تفاصيل القوانين والاتفاقيات ! فالنقد الأدبي بحاجة الى ممارسة ومدارسة ومؤانسة ومباسسة ولقد قيل في المثل العربي ( الإيناس قبل الإبساس ) أي أنك تلاطف قبل أن تعالج . فكان من الصعب انقياد الناس لمن يأمرهم وينهاهم طواعية الا اذا سمعوا جميل القول والتمهيد لهم بحسن العاقبة ! يقرأ الناقد خاطرة ما أو قصيدة ما أو نصَاً ما ! فمن النظرة الأولى يحكم على ما رأى بنسبة خمسين بالمائة من جمالها أو عدمه ! لأن الخاطرة أو القصيدة أو النص ينبغي ان يكون مكتمل الملامح ولا يكفي هذا بل ينبغي ان يكون ذا عناصر مترابطة لا يشذّ عنها فقرة نشاز لئلا يتكون لدى الناقد انطباع انك مشتت الفكر ومتوزع الارادة ومنزوع السيادة ! ينظر الناقد الى النص فيرى صاحبه بين السطور اما عملاقاً فيُحْترم أو قزماً فيُذَمّْ ! وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ! ينظر الناقد الى النص فيتساءل هل الموضوع الذي يعالجه الكاتب أو الشاعر أو الأديب من معالي الأمور أم من سفسافها ؟ وهل طرق هذا الموضوع أحد قبله ؟ وهل كان النص سليما من أذى الأخطاء الإملائية ! وأين وصل الخيال في تحليقه عند الكاتب هل كان هذا التحليق ضمن المعقول أم مجرد خيالا في خيال وخبالاً في خبال ؟ وهل جاذبية النص تشد القارئ اليها رغما عنه لتألق ألفظها ولألأة معانيها فهي كاللؤلؤة المشعة التي تبعث ببريقها وكأنها نسمة من ريقها وبسمة من عشيقها ؟ هنا يتم المكاشفة مع النفس لاصدار الحُكم المناسب بشرط أن يكون الناقد سليم الصدر نقي السريرة ولا يكن كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغيا إنه لذميم ! ينظر الى مواقع الزلل فيصحح اعوجاجها ويصلح ما يمكن اصلاحه ويعطي النقد والنصيحة بروح طيبة عالية من سمو الاخلاق ! ومن واجب الناقد أن يأخذ بيد صاحب النص ليرشده الى مواطن العجز والقوة ويهديه الى طريق آمن تبعث عبر تضاريسها عطور الجمال من الكلم الطيب ! فالمهمة بحاجة الى مزيد من اليقظة والى الكثير من الموعظة ! والسلام . وصفي المشهراوي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 33 مشاهدة
نشرت فى 25 يونيو 2015 بواسطة Meshkaty2

عدد زيارات الموقع

110,748