رثاء حلم بقلم نورا بونعيم
فتحت باب الشقة، ولجت مسرعة إلى غرفتها، رمت حقيبتها في أحد الأركان، جلست أمام مكتبها بثقة عاليه ، أخذت تفتح الأدراج وتغلقها بعنف واحدا تلو الأخر ،كانت تبحث عن شيء ما بلهفة.. إلى أن سحبتها من بين أكوام المجلات و الكتب و ..أخيرا.
أمسكت المجلة بين يديها بابتسامة مشرقة على محياها، تفحصت العناوين و سرعان ما إختفت إبتسامتها الواثقة،و قطبت حاجبيها في ضيق، و لكنها لم تفقد الأمل تأملت صفحة الفهرس بحرص
بحثت بعناية بين سطورها عن ضالتها..و لم تجدها
أخدت تنبش صفحات المجلة سطرا سطرا، كلمة كلمة بل حرفا حرفا...كانت تبحث عن وعد أو
حتى إشارة ضعيفة عن قرب نشر قصتها ،
كان ذلك ليرضيها الآن، ولكن لا شئ …رمت المجلة في ضيق و همت لترتيب كتبها المبعثرة على الأرض،و لكنها توقفت فجأة و قد خطرت على بالها فكرة فعزمت على تنفيذها قبل أن ينطفئ حماسها تناولت المجلة، و تصفحتها على عجل إلى أن وجدت ما تبحث عنه...
تناولت محمولها من جيبها و نقلت الرقم.. ترددت قليلا ولكن حسمت أمرها ،ضغطت على الزر، و انتظرت الرد فأجابها أخيرا صوت نسائي :
_مرحبا
أجابت التحية في فتور قائلة:
_لقد أرسلت قصتي إلى مجلتكم منذ أشهر و تلقيت تأكيدات بالنشر و لكنها لم تصدر في أي
من أعداد الشهور المنصرمة، فهل لي بأن أعلم السبب؟
طلبت منها الموظفة الإنتظار لتحولها إلى المسؤول،فإبتسمت بخيبة عندما أدركت بأنها لم تفعل شيئا سوى الإنتظار طوال الشهور العشرة الأخيرة ليعاودها شعورها بالفشل و الضياع من جديد ذلك الشعور الذي يفارقها في لحظات الترقب القليلة، ليعود و يجتاحها لشهور..
أخرجها من دوامة أفكارها صوت أجش أجفلها، أخذ يسرد على مسامعها قوانين النشر على المجلة إختتم كلامه قائلا: بإمكانك تعديل قصتك و إعادة إرسالها إلى عنوان المجلة و سيتم مراجعتها، و إن كانت صالحة للنشر فتأكدي بأنها ستصدر في عددنا الجديد.
_و لكنني عدلتها مرارا، و تلقيت وعودا من مسؤولي العلاقات العامة لديكم بنشرها و لكنها لم ترى النور بعد...
_بالتأكيد لم تكن تعديلاتك كافية، نحن نملك معايير محددة لنشر الأعمال الأدبية في مجلتنا
_و هلا بينت لي سيدي، كيف تعارضت قصتي مع المعايير المحددة للنشر في مجلتكم؟
_بإمكانك العودة إلى موقع المجلة على شبكة الأنترنيت و ستجدين عليه كل الإجابات الشافية. أتمنى لك يوما سعيدا.”
و أقفل الخط في وجهها، أحست بحرارة تجتاح جسدها و تتجمع في وجنتيها و كأنها تلقت للتو صفعة قوية موجعة...زفرت بحرقة ككل مرة تصطدم فيها كتاباتها ببرمجة مؤسسات النشر و ينتهي بها المطاف في أدراج مكتبها ...هبت من مكانها ممسكة المجلة و قد لمعت عيناها ببريق مريب غادرت غرفتها باتجاه المدفأة التي تتوسط غرفة الجلوس و جلست قبالتها تمزق صفحات المجلة ثم ترميها في الموقد لتستقر بين ألسنة اللهب...
لقد إكتشفت لأول مرة منذ أربع سنوات أن عدد صفحات الإعلانات يفوق عدد الكتابات الأدبية في مجلة لا يفوت القائمون عليها فرصة للتذكير و التأكيد بأنها منبر للأدب الحر...أضحكتها تلك العبارة حد البكاء “الأدب الحر" والتي باتت كغيرها من العبارات التسويقية الرنانة التي تلصقها شركات المواد الإستهلاكية بمنتوجاتها الرديئة لإصطياد الزبائن المغفلين ممن تنطلي عليهم كذبة الجودة بأسعار خيالية!
تذكرت فجأة حقيبتها فعادت إلى غرفتها تبحث عنها،وجدتها مرمية تحت سريرها فتحتها وأخرجت منها مذكرتها الخاصة وتأملت الكتب والأوراق المبعثرة حولها، أعادتها لمكانها ثم عادت للجلوس إلى مكتبها من جديد ، سحبت قلمها وفتحت مذكرتها ثم إنكبت في خط خيبتها و إختارت لها عنوانا بسيطا “رثاء حلم”
#نورا_بونعيم
#noura_bounaime