يُعَد البحر الأبيض المتوسط أضخم حوض مائي بحري في العالم ، ومع ذلك لا تزيد مساحته على 1% من مجموع مساحة البحار، التي تغطي 70% من الكرة الأرضية.

يتميز المتوسط بارتباطه بأكبر البحار المغلقة في العالم، فهو يرتبط بالبحر الأسود عبر مضيق الدردنيل، ويرتبط بالبحر الأحمر بواسطة قناة السويس، والأخير يرتبط بالمحيط الهندي عبر مضيق باب المندب.
كما يتميز المتوسط بارتباطه بأحد أهم وأكبر المحيطات في العالم، ألا وهو الأطلسي، عبر مضيق جبل طارق، والأطلسي يمد المتوسط بكمية من المياه تقدر بـ38 ألف كم3 سنوياً، معوضاً إياه عما يتبخر منه كل عام بمقدار ثلاثة أمثال ما يرده من مياه الأمطار والأنهار التي تصب فيه. وبما أن المتوسط هو من أكثر البحار تأثراً بارتفاع الحرارة، التي تتسبب بتخفيض مستواه بمعدل مترٍ واحدٍ كل عام، فإن مياهه كانت ستتبخر خلال أربعة آلاف سنة، لولا الأطلسي.

تشكلُ المتوسط وتسميته

تشكّل المتوسط في العصر الجيولوجي الثالث، الذي دام 65 مليون سنة نتيجة للتصادم الذي حصل بين اليابستين (القارتين) الأوربية والإفريقية، وهو التصادم الذي أدى إلى حصول انخساف مائي مساحته 3 ملايين كم2، بطول 3800 كيلومتر وعمق 4600 متر في أطول نقاطه وأعمقها، وقد سُمِّي هذا الانخساف بعد حصوله ببحر تيتيس، إلا أنه منذ القرون الوسطى اللاتينية المتأخرة اكتسب اسمه الحالي، أي البحر الأبيض المتوسط، لتوسطه بين القارتين الأوربية والإفريقية.

المتوسط بحر المفارقات

رغم وحدة المتوسط البنيوية، إلا أنه من الناحيتين الديمغرافية والاقتصادية يسمى بحر المفارقات، إذ تتشاطأ على سواحله التي يبلغ طولها 50 ألف كيلومتر: 24 دولة تقطنها شعوب وأقوام متباينة الأعراق والأعراف، وتتمحور المفارقة الديمغرافية في ناحيتين:


- الأولى تتمثل في تطور سكان شعوب حوض المتوسط وتوزعهم. ففي عام 1950، لم يكن عدد سكان شعوب حوض المتوسط يزيد على 212 مليون إنسان، يقطن ثلثاهم في دول الشمال والثلث الباقي في دول الجنوب. وفي عام 1985،ارتفع عدد السكان إلى 360 مليوناً، توزعوا مناصفة بين دول الشمال ودول الجنوب. وفي عام 2005، وحسب الإحصائية السكانية لشعوب حوض المتوسط، بلغ عدد السكان 500 مليون إنسان، معظمهم يقطن دول الجنوب. ومن المتوقع أن يبلغ عدد السكان، حسب تقديرات علماء السكان حتى عام 2025 نحو 600 مليون إنسان، وسيكون ثلثاهم في دول الجنوب، والثلث الباقي في دول الشمال، وبذلك يكون عدد سكان شعوب حوض المتوسط قد تضاعف ثلاث مرات خلال ثلاثة أرباع القرن.


- الثانية تتمثل في نشوء المدن الساحلية المتوسطية وتطورها، إذ لم يكن يوجد حتى عام 1500، سوى ثلاث مدن يزيد عدد سكانها على 100 ألف إنسان. وفي عام 1800، ارتفع عدد هذه المدن إلى 14 مدينة، وارتفع إلى 100 مدينة عام 1900، وفي عام 2000، أصبح عدد المدن الساحلية المتوسطية، التي يزيد سكانها على مئة ألف إنسان، 200 مدينة.


واليوم، وحسب الإحصائية السكانية لعام 2005، فقد بلغ عدد سكان المدن الساحلية المتوسطية كبيرها وصغيرها ثلاثمئة مليون إنسان، يرتادها مئة وخمسون مليون سائح سنوياً معظمهم يرتادون مدن الشمال، وأقل المدن الساحلية المتوسطية استقطاباً لهؤلاء السياح هي مدن الساحل السوري.
أما المفارقة الاقتصادية، فتتمحور في أن متوسط الدخل السنوي للفرد الواحد من سكان دول الشمال، يزيد ستة وعشرين ضعفاً عن متوسط دخل الفرد الواحد من سكان الجنوب.


يستنتج من المفارقتين الديمغرافية والاقتصادية:
ـ أن شعوب حوض المتوسط هي من أكثر الشعوب شباباً وأكثرها شيخوخة معاً.
ـ أن شعوب حوض المتوسط هي من أكثر الشعوب غنى، وأشدها فقراً معاً أيضاً.
ولئن كانت هذه المفارقات ظاهرة للعيان، إلا أن ثمة مشكلة كبرى تواجهها سائر دول حوض المتوسط وشعوبها، وهي تتمثل بتلوث بيئة حوض المتوسط، هذا التلوث الذي يُعَدُ التحدي الأكبر الذي تواجهه هذه الشعوب، بل إن وطأة هذا التلوث هي لدى دول الجنوب أكثر منها لدى دول الشمال بسبب المفارقات التي ذكرت، والتي تزيد من معدلات التلوث ومؤثراته لدى شعوب الجنوب.

أعدته للنشر على الموقع/ أمانى إسماعيل

MedSea

أمانى إسماعيل

  • Currently 65/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
21 تصويتات / 940 مشاهدة

ساحة النقاش

MedSea
موقع خاص لأمانى إسماعيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

921,825