صارت مهنة صيد السمك عن طريق الغوص ممارسة على نحو واسع في سواحل الجزائر، ويتمكّن الغواصون الجزائريون في جولاتهم من العودة بصيد وفير يربو عن عشرات الكيلوغرامات من الأسماك، ويكسبون لقاء ذلك أرباحا طائلة، مندوب "إيلاف" رافق كوكبة من هؤلاء الصيادين الغواصين، في رحلة استكشاف مهنة لها خصوصيتها وجدواها.   

كامل الشيرازي من الجزائر: كانت الأمسية منعشة خلافا للعادة في هذا الصيف الجزائري القائظ، التقيت بالرباعي، العم علي (58 عاما)، رضوان (47 عاما)، سمير وإلياس، وهما شابان في الثلاثينيات من العمر، اصطحبونا في خرجتهم الاعتيادية التي تقودهم كل أسبوع إلى شاطئ الدومية التابع لمحافظة الشلف (220 كلم غرب الجزائر).

بادرنا العم علي:"اعتادنا الغوص في أعماق البحار بغرض صيد مختلف أنواع الأسماك والحيتان" ويضيف زميله رضوان ضاحكا:"الأمر بدأ في البداية بشكل ودي حميمي لغرض التنفيس وقضاء بعض الوقت مع الأصدقاء، حيث كنا نأتي كل خميس، لنصطاد بالشكل التقليدي المعتمد على الصنارة والشبكة، قبل أن تختمر في أذهاننا فكرة المغامرة في الأعماق، وهو ما كان، حيث ظفرنا بكمية هائلة من الأسماك، ما دفعنا إلى تحويل النشاط إلى مهنة دائمة نكسب من ورائها عائدات هائلة".

ويشرح العم علي أنّ المشكلة في البداية برزت على الصعيد اللوجستي، فما تتطلبه العملية يحرق الجيوب، مضيفا:"قررنا جمع مدخرتنا واللجوء إلى الاقتراض أيضا لأجل جلب أقنعة الغوص التي يصل ثمن الواحد منها إلى حدود الخمسة آلاف دينار (نحو 80 دولارا)، في حين اضطررنا لإنفاق 80 ألف دينار لاقتناء بزّات الغوص (ما يعادل 1100 دولار)، دون احتساب بندقيات الصيد التي يقدّر متوسط سعر الواحدة إلى 12 ألف دينار (نحو 150 دولارا)، فضلا عن القفازات التي تًباع بـ2500 دينار (40 دولارا)، وكذا ما يُعرف بعتاد (الجيغ) الذي تقارب قيمته الـ60 ألف دينار (850 دولارا)، ومصابيح الجيب بين 3000 و4500 دينار (45 إلى 75 دولارا) وما إلى ذلك من قارورات الأوكسجين وغيرها من المتعلقات والأدوات".

ويلفت سمير (35 سنة) وإلياس (39 سنة) إلى أنّه لا ينبغي للغوّاصين أن يخوضوا رحلة الصيد دون أن تكون عدّتهم متكاملة، وذلك ضروري بحسبهما، خصوصا مع تجارب سابقة لغواصين وجدوا أنفسهم في مواجهة وضعيات صعبة، ورغم إقرارهما بأنّ مهنتهما فيها قدر كبير من المخاطرة، إلاّ أنّ الأربعة يرفضون هذا المنطق، طالما أنّ مهنة لها ضريبتها ومحاذيرها، مثلما تتوافر على خواص ومزايا.

وبكثير من الحيوية والحماس، امتطى الأصدقاء الأربعة قاربا صغيرا أبحروا به إلى حدود الخمسة أميال، وهناك تناوبوا على الغوص مثنى وفرادى، وعادة ما يتولى العم علي ورضوان الغوص، فيما يقوم سمير وإلياس بمساعدتهما، لا سيما في رفع الحُمولة المُصطادة التي يبلغ متوسطها 30 كيلوغراما، وقد ترتفع إلى حدود 40 كيلوغراما، لا سيما إذا ما كان الطقس معتدلا، حتى وإن إلياس يجزم أنّ اتجاه الرياح ومدّ الأمواج لا تشكل عائقا بالنسبة للمحترفين خلافا للهواة الذين تنقصهم الخبرة اللازمة.

بهذا الشأن، يحيل إلياس إلى أنّ الغوص يقتضي كثيرا من اللياقة البدنية وطول النفس ولا سيما الصبر والدهاء، مشيرا إلى تمكن مجموعته على غرار مجموعات أخرى من اصطياد أنواع نادرة من سمك "السوندر" الذي يفوق وزنه 12 كيلوغراما، و"الشبوط الملكي" بأنواعه الثلاثة وبأوزان تتراوح بين خمسة وستة كيلوغرامات وكذا سمك "البوري" والجمبري وسائر الأسماك الطازجة مثل أسماك المارو، وهي كميات تُباع عادة ما تُباع لتجار الجملة بمسمكات المدن الساحلية، وللمطاعم أيضا، وتحقق لأصحابها رقم أعمال مُحترم.

ولا يتردد العم علي وأصدقاؤه، شأنهم في ذلك باقي الصيادين، في توجيه النصائح، وإرشاد نظرائهم المبتدئين بخصوص نوعية التجهيزات التي يجدر بهم اقتناؤها، وما يرتبط بأحسن أماكن الصيد وحتى أساليب الصيد، في حين يستهجن ممارسون، استمرار فريق من الصيادين في الصيد بواسطة "الديناميت" رغم كون ذلك محظور وله تبعات وخيمة على الثروة السمكية، تماما مثل ما يترتب عن مسلسل التلويث الذي تتعرض له سواحل الجهة الشمالية في البلاد.

واللافت أنّ اتساع نطاق مهنة الصيد بطريقة الغوص، ساعد بقوة في ازدهار مبيعات أدوات الصيد، وهو ما يبرزه عثمان صاحب محلّ لبيع هذه الأدوات بالجزائر العاصمة، حيث أكّد لنا أنّ ما يعرضه من بضاعة ينفذ بسرعة خصوصا في الموسم الصيفي، وأقرّ محدثنا بتحقيقه أرباحا كبيرة هذا العام، خلافا لحالة الكساد التي كانت تطبع واقع المبيعات في أوقات سابقة، ويضيف عثمان أنّ الأمر غير منحصر في الجزائر العاصمة، بل منتشر عبر كثير من محافظات البلاد، لا سيما تلك المشتهرة بحركة الصيد فيها كـ"بجاية"، "جيجل"، "مستغانم"، "عنابة" و"ووهران".

أعدته للنشر على الموقع/ أمانى إسماعيل

MedSea

أمانى إسماعيل

ساحة النقاش

MedSea
موقع خاص لأمانى إسماعيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

921,397