الثروة السمكية هي إحدى المكونات الحية للبيئة البحرية، وتشمل الثروة السمكية عددا كبيراً من مجموعات الحيوانات المائية المختلفة، وعدداً كبيراً من الأنواع في كل مجموعة. وتمتاز البيئة البحرية، مثل البيئات الأخرى، بوجود نوع من التوازن بين كل مكونات البيئة. وتعتبر الثروة السمكية من أهم المصادر الطبيعية التي استغلها الإنسان كمصدر للطعام. وقد تغير الوضع نوعاً ما هذه الأيام حيث تحول جزء كبير من إنتاج المصائد السمكية في بقاع مختلفة من العالم إلى مواد خام لصناعات أخرى. وتتأثر الثروة السمكية بأمرين، هما: العوامل الطبيعية، ونشاط الإنسان.

وفي حين أن العوامل الطبيعية أمر لا يمكن التحكم فيه أو السيطرة عليه، إلا أن أثر الإنسان المتمثل في صيد الأسماك هو عملية يمكن ضبطها، بل يلزم القيام بها وذلك ليكون استغلال الثروة السمكية استغلالاً رشيداً وليس جائراً.

الثروة السمكية

غالباً ما يرتبط الحديث عن البيئة البحرية بالحديث عن الثروة السمكية، والعكس صحيح. ويمكن أن نفسر ذلك بأهمية الثروة السمكية كواحدة من أهم المكونات الحية للبيئة البحرية. والثروة السمكية لفظ عام يشمل أكثر من مجموعة من المجموعات الحيوانية، فهذه الثروة تشمل: الأسماك، والقشريات (مثل الربيان وأم الربيان)، و الرأس قدميات (مثل الحبار (النغر) والأخطبوط وغيرها).

وتنتشر ما نطلق عليه الثروة السمكية في مناطق مختلفة من المياه البحرية أو غير البحرية، فهناك أسماك تعيش على القاع وأسماك تعيش في الطبقة السطحية، ونوع ثالث يعيش في المياه المتوسطة.


والنوع الواحد من الأسماك أو من الأنواع الأخرى التي تشكل الثروة السمكية بمجملها قد يعيش أثناء أحد أطوار حياته المختلفة في أماكن متفرقة. فكثيراً ما نجد الحيوانات البالغة تعيش في المياه العميقة، فيما تعيش الصغار في المياه الساحلية الضحلة، أما اليرقات فغالباً ما تعيش في الطبقة السطحية من المياه. وقد تتبع أنواع أخرى من الأسماك أو الحيوانات المائية هجرات موسمية معينة بحثاً عن الدفء أو الغذاء أو للتزاوج أو لوضع البيض (مثل أسماك السلمون، وثعبان الماء).


والبيئة البحرية التي تتواجد فيها الثروة السمكية هي البحار والمحيطات (وما يشمل ذلك بالطبع من خيران ومناطق ساحلية)، ولهذه البحار والمحيطات خصائص طبيعية وكيميائية مختلفة. وتؤثر هذه الخصائص على حجم وتركيبة الكتلة الحيوية للثروة السمكية الموجودة فيها.


ولا تختلف البيئة البحرية عن أي فرع آخر من فروع البيئة مثل الصحراء أو الغابات أو غيرها. فالعنصر الذي لا غنى عن وجوده في أي نظام بيئي سليم هو التوازن، حيث أن الحفاظ على التوازن بين نشاطات أعضاء ومكونات نظام بيئي معين هو الذي يؤدي لاستمرار ذلك النظام بالشكل الذي نعرفه. أما الاختلال الذي يطرأ على النظام، أو على نشاطات مكوناته، فهو الذي يقود إلى الاختلال، وبالتالي ظهور الأعراض السلبية، وتدهور الوضع البيئي.


وتم القيام بأول عمل مشترك للسيطرة على انتشار "تاج الشوك" في منطقة سرة الخوير في خورفكان في 4 فبراير 1999، بحضور مسئولي إدارة الثروة السمكية في وزارة البيئة والمياه، وبمساعدة موظفي بعض الشركات العاملة في المنطقة، وعدد من الغواصين المتطوعين من المواطنين.

ويمكن لمثل تلك الاختلالات أن تنشأ نتيجة لعوامل طبيعية (مثل التغيرات المناخية)، أو نتيجة لتدخل الإنسان في ذلك النظام بشكل أو بآخر، مما قد ينتج عنه آثار قصيرة أو بعيدة المدى، أو آثار لا يمكن تصحيحها.
وللثروة السمكية علاقات مختلفة مع معظم مكونات البيئة البحرية تتسم بالتوازن الذي تم تحقيقه على مدى قرون عديدة.

أهمية الثروة السمكية

تعد الثروة السمكية واحدة من أهم المصادر الطبيعية التي استغلها الإنسان منذ القدم عن طريق الصيد. فقد تطورت مهنة صيد الأسماك على مر الأزمان تطوراً كبيراً، وتطورت أيضاً وسائل ومعدات الصيد، كما تغيرت مناطق الصيد.

فبعد أن كانت مهنة للكفاف، ولتوفير القوت اليومي، تحول صيد الأسماك، في أيامنا هذه، إلى مهنة توفر المادة الخام للكثير من الصناعات: الغذائية، وصناعة الأعلاف، والصناعات الدوائية والكيميائية، وغير ذلك.

ولم يعد الأمر يقتصر على تناول الأسماك كما هي طازجة بعد صيدها، فقد أصبح تصنيع الأسماك والمنتجات السمكية من الصناعات الناجحة في هذا الوقت. فهناك الكثير من أنواع الأسماك التي يتم تثليجها، وتجميدها تمهيداً لنقلها إلى بلدان وأسواق بعيدة.

كما تجري في الوقت الحالي عمليات أخرى لتصنيع وتعليب الأسماك والمنتجات السمكية، وذلك كوسيلة لحفظها لمدة أطول وبقائها صالحة للاستخدام كغذاء بشري لأطول مدة ممكنة. فهناك المنتجات المعلبة، والمثلجة، والمملحة، والمدخنة، كما أن هناك المنتجات الكاملة، والمقطعة، والمعالجة، والمطبوخة، والمشكّلة، وغيرها….


وصاحب هذا التطور في استخدامات الثروة السمكية النمو المتزايد في عدد سكان الأرض، وما نتج عن ذلك من زيادة الحاجة لاستهلاك الغذاء، وخاصة الغذاء الغني بالبروتين. ولذلك كانت الحاجة ماسة لزيادة الإنتاج من الأسماك، التي تعتبر من الأغذية الغنية بالبروتين.

وزاد استغلال الثروة السمكية بالقرب من المناطق الساحلية في كثير من البلدان، مما اضطر بعض منها أن تبحث عن الثروات السمكية في مناطق بحرية بعيدة عنها. وأدى ذلك إلى ازدياد أحجام أساطيل صيد الأسماك، وإلى ازدياد حجم القوارب، وزيادة كفاءتها، خاصة مع بدء استخدام المحركات العاملة بالطاقة بدلاً من الأشرعة والتجديف لتسيير قوارب الصيد.


وظهرت أساطيل متخصصة في صيد أنواع معينة من الأسماك، وجابت هذه السفن البحار المختلفة، بحثاً عن صيد جديد، وأنواع جديدة تستغلها.

 

العوامل التي تؤثر على الثروة السمكية

تتأثر الثروة السمكية، وهي أحد مكونات البيئة البحرية، بعاملين رئيسيين هما:

  1. الظروف الطبيعية
  2. تأثير الإنسان عليها
    وكل منهما له علاقة مباشرة في تحديد حجم المخزون (الرصيد) السمكي.

1 - الظروف الطبيعية

إن الظروف الطبيعية التي نعنيها في هذه الورقة هي كافة الظروف التي لا يد للإنسان فيها، مثل:

  1. درجات حرارة المياه وملوحتها، والتيارات المائية، وتوزيع المغذيات والعناصر الغذائية الأساسية،
  2. وفرة الغذاء الكافي لكل طور من أطوار حياة الأسماك
  3. علاقاتها مع أنواع الأسماك ومكونات البيئة البحرية الأخرى (مفترسة أم غذاء لأسماك أخرى)، حسب موقعها من السلسلة الغذائية.

وتؤثر هذه العوامل على حجم المخزون السمكي الطبيعي سلباً أو إيجاباً، في مرحلة من مراحل حياة نوع الأسماك أو مجموعة الأسماك موضع الاهتمام. فالكل لا بد وسمع بتأثير "إلنينو"، وهي عبارة عن ظاهرة طبيعية تنتج عن تيارات ماء دافئة تسير بمحاذاة شواطئ أمريكا الشمالية والجنوبية وتتسبب في سقوط الأمطار الإعصارية.

حيث وجد بعض الباحثين أن لهذه التيارات أثر كبير جداً على كميات أسماك الأنشوجة ( المعروفة محلياً بالبرية) التي تصاد في دولة البيرو وارتباطها الوثيق معها. كما وجد بعض الباحثين أن أكبر تأثير لظاهرة "إلنينو" في عام 1982-1983 حيث تسبب في زيادة كبيرة جداً في محصول الربيان في بعض المناطق الساحلية. كما أن وفرة الأسماك من الأنواع المختلفة في شواطئ المغرب الغربية وفي دولة موريتانيا يعود أحد أسبابه لوجود تيارات الماء الدافئة التي تتواجد في تلك المناطق.

2- تأثير الإنسان على الثروة السمكية

للإنسان تأثير مباشر محدود على الثروة السمكية، إلا أن هذا التأثير ذو نتائج كبيرة جداً. أول وأهم هذه الآثار التي يحدثها الإنسان على الثروة السمكية هو التأثير المباشر عليها باستغلاله لها عن طريق الصيد.

فعملية الصيد هي استخراج لأنواع محددة أو غير محددة من أنواع الأسماك من بيئتها بقصد استغلالها. كما يؤثر الإنسان بشكل غير مباشر في بعض الأحيان على الثروة السمكية بوجه عام، من خلال بعض النشاطات التي لها آثار جانبية سلبية، مثل التلوث، بأنواعه المختلفة، والذي يسبب أضراراً على الثروة السمكية بوجه عام.

كما أن بعض النشاطات الأخرى مثل استصلاح المناطق الساحلية، وتدمير مناطق أشجار القرم (المانغروف)؛ هذه النشاطات يكون لها آثار كبيرة على مناطق حضانة الأسماك المختلفة، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى تناقص المساحات التي يمكن لهذه المخلوقات اللجوء إليها واستغلالها كمناطق حضانة لصغارها، أو كمناطق تكاثر لكبارها.


ويبقى الصيد هو العامل الأكبر الذي يتلقى اللوم عند انهيار أحد مصائد الأسماك أو تناقص كميات الصيد بشكل يهدد حيوية تلك الثروة أو قدرتها على تجديد نفسها طبيعياً. وهنا لا بد أن نفرق بين نوعين من الصيد، الأول هو الصيد الرشيد، والثاني هو الصيد الجائر.

 

الصيد الرشيد Sustainable Fishing

تتمتع أنواع الأسماك المختلفة، التي تشكل بمجموعها الثروة السمكية في منطقة معينة، القدرة على التكاثر والنمو في البيئة المحيطة بها بشكل متوازن ودقيق. وهناك عدة عوامل تساهم في ازدياد حجم المخزون السمكي بطريقة أو بأخرى، ومن أهمها:

  • معدل نمو الأسماك السنوي.
  • كمية البيض التي تنتجها في كل مرة تضع فيها البيض.
  • الحجم الذي تدخل فيه الأسماك الصغيرة إلى المصائد التجارية recruitment
  • معدل الوفيات الطبيعي للأسماك (نتيجة للافتراس من قبل غيرها، أو للأمراض التي تصيبها، أو غير ذلك من العوامل).
ونجد أن لكل نوع من الأسماك موسم للتكاثر خلال العام الواحد. فلو فرضنا أن بيئة بحرية، أو مائية معينة ممنوع الصيد فيها نهائياً، فستتكاثر أنواع الأسماك الموجودة فيها سنوياً إلى أن تصل إلى الحد الأعلى للمخزون أو الرصيد السمكي الذي تسمح به ظروف تلك البيئة، أخذاً بالاعتبار أنواع الأسماك والحيوانات البحرية الأخرى التي تعيش في تلك البيئة، ووفرة الغذاء لجميع الأنواع، وعلاقة ذلك النوع مع الأنواع الأخرى.


فلو تركنا الأمر على طبيعته في البيئة البحرية فسنجد أن حجم المخزون من نوع معين من الأسماك ينمو إلى أن يصل إلى الحجم الأقصى الذي تسمح به تلك البيئة، إلى أن يصبح النمو في حجم المخزون فقط لتعويض ما يهلك من الأسماك نتيجة للظروف الطبيعية فقط، وهي نسبة ضئيلة في العادة من حجم المخزون السمكي.


وبالتالي فإن الصيد الرشيد المقصود هنا هو اصطياد كميات الأسماك التي تعتبر نمواً في المخزون السمكي، بطريقة ملائمة لا تحدث آثاراً سلبية على البيئة البحرية، مع العمل على الإبقاء على الرصيد السمكي اللازم لتجديد المخزون بحالة سليمة وكافية للقيام بالتكاثر في العام المقبل.
بمعنى أبسط، فإن الصيد الرشيد هو صيد الكميات الزائدة عن حاجة المخزون والتي يستطيع المخزون تجديدها في موسم التكاثر المقبل، إن توفرت الظروف الطبيعية العادية المناسبة لذلك، دون التأثير السلبي على قدرة المخزون في تجديد مكوناته من الأسماك. وبمعني بيئي ومن منطلق إدارة المخزون السمكي إدارة رشيدة يعني ما سبق:

  • ضرورة تحديد أو السماح لعدد معين من القوارب أو الصيادين أو معدات الصيد بصيد الكميات الزائدة عن حاجة المخزون الأساسية، ويفضل أن تكون تلك الكميات من الأحجام الكبيرة التي يكون معدل نموها بطيئاً مع الوقت والتي لن تساهم كثيراً في نمو حجم المخزون السمكي. وذلك محاولة لإبقاء المخزون من ذلك النوع من الأسماك من فئة العمر الفتية، القادرة على النمو بسرعة، وفي الوقت نفسه التي لديها القدرة على التكاثر لتجديد المخزون السمكي. وهذا ما يطلق عليه الاستغلال المستدام للثروة السمكية.

الصيد الجائر، غير المسؤول

ضمن الإطار السابق نفسه، يكون الصيد غير المسؤول، أو الصيد الجائر هو زيادة قدرات الصيد (عدد القوارب، أو معدات الصيد، أو الوقت المخصص للصيد) الموجهة نحو استغلال المخزون السمكي بشكل أكبر من تلك القدرة اللازمة لصيد الكميات الزائدة من المخزون. وهو الأمر الذي سيترتب عليه في المستقبل تناقص أعداد الأسماك في هذا المخزون بشكل يؤثر سلباً على قدرته على تجديد نفسه طبيعياً، مما يؤدي في النهاية إلى ما يسمى بالصيد الجائر.

والصيد الجائر نوعان:

نوع يهدد الأسماك الكبيرة بشكل يؤثر على قدرة المخزون على التكاثر، ويقلل أعداد البيوض التي تطرح سنوياً. والنوع الآخر يتركز فيه الصيد على أحجام الأسماك الصغيرة التي لم يكتمل نموها بعد، بحيث أن الصيد المفرط أو الجائر يمارس على أعداد كبيرة من الأسماك صغيرة الحجم التي لها قابلية لمزيد من النمو. وهذا يعتبر خسارة كبيرة من ناحية إنتاجية مصايد الأسماك.

ولنضرب مثلاً على ذلك: فلو أن مجمل عمليات الصيد أنتج 1000 سمكة بوزن 1 كيلوجرام للسمكة، لكان الإنتاج الكلي 1000 كيلوجرام. أما إن أنتجت عمليات الصيد 10000 سمكة بوزن 50 جرام لكل سمكة، فإن كمية الصيد ستنخفض إلى 500 كيلوجرام رغم أن عدد الأسماك المصادة تضاعف 10 مرات. وبالتالي فإن صيد الأسماك الصغيرة التي لها القابلية لمزيد من النمو يعتبر خسارة كبيرة للإنتاجية الطبيعية في البيئة.

وعليه، ينبغي على الجهات المعنية بالحفاظ على الثروة السمكية تقييم وضع المخزون السمكي، ووضع الضوابط والتنظيمات الكفيلة بحمايته من الاستغلال المفرط، بغية ترشيد استغلاله، واستدامته.

إن ما نرغب في تأكيده، في نهاية هذه الورقة، هو أن الثروة السمكية عرضة للتأثر بعدد كبير من العوامل، قد يكون بعضها معروفاً والآخر مجهولاً. والصيد ما هو إلا عامل واحد، ولو أنه من أكبرها تأثيراً، على هذه الثروة، إلا أن انخفاض الصيد أو تدهور حالة المخزون السمكي قد تكون في بعض الحالات نتيجة لعوامل أخرى غير الصيد.


مما يستلزم إعداد وتنفيذ برامج دراسات مستفيضة نحو فهم طبيعة علاقة المخازين السمكية بالمؤثرات المختلفة التي تحيط بها، وتتفاعل معها، بالشكل الذي يمكن من فهمها وتنظيم استغلال المخزون على ضوئها.

<!--<!--<!--<!--

أعدته للنشر على الموقع/ أمانى إسماعيل

MedSea

أمانى إسماعيل

ساحة النقاش

MedSea
موقع خاص لأمانى إسماعيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

920,602