هم الّذين أخفتهم سياسات الخراب في عشاش الغربان، لتعتقهم في زمان محدّد ومكان محدّد لتبث لعنتها كالسّمّ في العقول والنّفوس، بل لتروي سيوفها الظمأى إلى الدّم بأرواح السّاعين إلى الحقّ، وتشبع جهلها بعقول العلماء والمفكّرين.
هم من يحشرون الدّين والمقدس في اللّعبة السّياسيّة، فيعتلون المنابر متّشحين بملامح التّقوى والإيمان ويبشّرون بالباطل وإن تلفّظوا بدلالات الحقّ. ويرفعون الصّوت لتسمعهم غرائز النّاس النّائمة في أعماقهم، فيتفاعلون ويهتفون ويصرخون، ويستعدّون لفدائهم بأرواحهم وأبنائهم.
هم من يهاجرون فيما الوطن في محنة، ويسكنون في مقابر الغرب، ويتسكّعون في المحافل حيث درسوا أصول التّطرّف والتّعصّب، ويعودون إلينا متى حان الوقت ليزايدوا علينا بالوطنيّة.
هم من يطالبون بالحرّيّة والكرامة ويتلطّون تحت راية الاضّطهاد ويعتبرون الآخر درجة ثانية ولا يستحقّ الكرامة إلّا في حماهم. ويغزون الفضائيّات ويحتلّون المساحات الإعلاميّة ويصرفون المليارات على قضاياهم وأفكارهم المقيتة، ويدعون من أجل الفقراء ويطالبون بحقوقهم كدعاية استهلاكيّة.
هم من يدمّرون الحضارات لأنّها وثنيّة وقد يشكّل ما تبقى منها خطراً على هداية النّفوس. ويعدّون الفكر المتحرّر من الذّهنيّات القبليّة والطّائفيّة السّرطانيّة ضالّين. ويحسبون المطالبين بقوانين تحكم الجميع بشكل متساوٍ كفّاراً وأعداء لله.
هم الّذين أينما حلّوا، شتّتوا أبناء الوطن الواحد، واستحوذوا على السّلطة لينتقموا ويتسلّطوا ويشرذموا الوطن، لا ليبنوه ويطوّروه. ويتخفّون بلباس الحملان وهم ذئاب مفترسة، ينهشون في الإنسانيّة كي تغرق في جهلها أكثر فأكثر، علّهم يترفّعون ويستحكمون.
هم الّذين يحجّمون الله في حزب أو عقيدة، في زيّ أو هيئة، وينصّبون أنفسهم أسياداً على العالم باسمه ويحلّلون ويحرّمون.
هم الّذين من ثمارهم تعرفونهم، فأشجارهم لا تطرح خيراً، بل ثماراً عفنة تفوح منها رائحة الموت والدّم.
هم، ولا يستحقّون أن نسمّيهم لأنّ من ماتت نفسه وضميره، وقسا قلبه حدّ قتل أخيه لا يستحقّ أن نذكره وأن نعيره أهمّيّة لا يستوجبها.
هم، ضمير للغائب، معني به كلّ من قرأ هذه الكلمات وامتلك الغضب والسّخط نفسه.
هم ضمير للغائب، معني به كلّ من نكر إنسانيّته وصبّ حقده على أخيه الإنسان.
من ثمارهم تعرفونهم، فلا تقربوا أشجارهم واحترموا إنسانيّتكم، ولا تأكلوا من ثمارهم وإلّا موتاً تموتون.
ساحة النقاش